برعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، انطلقت صباح اليوم الثلاثاء، في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أعمال المؤتمر السنوي الثامن عشر، الذي يحمل عنوان "الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين"، وسط حشد من أعضاء السلك الدبلوماسي ونخبة من الباحثين والخبراء الأمنيين والإعلاميين، وذلك في قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في مقر المركز في مدينة أبوظبي، ويستمر على مدى يومين. وأكد الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كلمته الترحيبية لدى افتتاح المؤتمر، أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية اعتاد في مؤتمراته السنوية، مناقشة قضايا ذات أبعاد استراتيجية حيوية، ولا شك في أن مؤتمرنا اليوم يتعرض لإحدى أهم القضايا التي تشغل بال صانعي القرار ومخططي السياسات والباحثين والأكاديميين على حد سواء. وعلى قدر أهمية مناقشة هذا الموضوع، تبدو الصعوبات التي ترتبط بأي محاولة علمية لاستشراف آفاقه، انطلاقاً من التطورات التقنية والتكنولوجية المتلاحقة التي يشهدها العالم بوتيرة متسارعة. وتؤكد شواهد الواقع وتطوراته أن تكنولوجيا المعلومات هي عصب حروب المستقبل ومحور ارتكازها. وأوضح السويدي، أن مناقشة موضوع "الحروب المستقبلية" تعني ضرورة أخذ العديد من النقاط الحيوية بالاعتبار، وأهمها: بروز تهديدات غير تقليدية حالية ومستقبلية لا يمكن توقعها بموازاة تراجع التهديدات التقليدية، وتعاظم دور المعلوماتية ضمن نظريات القتال التقليدية وتضاؤل دور الجغرافيا؛ فالحروب تدار عبر فضاءات عابرة للحدود التقليدية، وكذلك تراجع دور العنصر البشري وتعاظم دور المعدات التكنولوجية والأنظمة الحاسوبية، وبروز تهديدات حرب الفضاء الإلكتروني كأحد أبرز التحديات التي تواجه الأمن القومي للدول في القرن الحادي والعشرين، وبروز صيغ جديدة للتحالفات التكتيكية المرحلية التي تستهدف تحقيق أهداف معينة ومهام وقتية طارئة. وبيّن السويدي أن ظاهرة الإرهاب ستظل أحد التحديات المستقبلية التي تهدد الأمن والاستقرار العالميين، حيث إن الاستراتيجيات المتبعة في مواجهة هذه الظاهرة لم تنضج بعد وتتسم بالمحدودية والجزئية، وربما تؤتي نتائجها في المدى القريب، ولكنها قد لا تفلح في اجتثاث جذور هذه الظاهرة البغيضة إذا غابت المعالجات الجذرية لها، والأسباب المؤدية إليها، مثل: الفقر والتخلف والأمية. وفي إطار رسم سيناريوهات حول حروب المستقبل المنظور، قال الدكتور جمال سند السويدي مدير عام المركز: يجب بلورة تصورات واقعية حول حالات التدخل العسكري لدوافع إنسانية، حيث لاتزال هذه الحالات موضع جدل بشأن أبعادها الأخلاقية والقانونية وسبل تطبيقها على أرض الواقع ومعايير هذا التطبيق. ويرتبط بذلك أيضاً خطط الإنفاق العسكري العالمي، التي تشهد في الآونة الراهنة تحولات غير مسبوقة باتجاه التقلص، بحيث تصبح أكثر تركيزاً على النوع، بفعل الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، مشيراً سعادته في هذا الصدد إلى أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولاسيما دولة الإمارات العربية المتحدة تواجه تحديات ينبغي عدم إغفالها على صعيد أمن فضائها الإلكتروني؛ لكونها من أكثر دول المنطقة والعالم توجهاً نحو العصر الرقمي والتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار وتكنولوجيا المعلومات. ومن هنا، فإننا ننظر باهتمام إلى نقاشات هذا المؤتمر، كي تسهم جدياً في بلورة منظور استراتيجي وطني للتعامل مع هذه التحديات التي يمكن أن ترتقي إلى مستويات تضاهي أو تقارب التهديدات العسكرية التقليدية لارتباطها الوثيق بالأمن الوطني ومكوناته وركائزه الأساسية. واختتم السويدي كلمته بالقول: إن مؤتمرنا اليوم يوفر لنا فرصة ثمينة لتبادل الأفكار وإثراء النقاش بين الخبراء والمتخصصين حول موضوع حيوي، لاستشراف أبعاده وسبر أغواره وبلورة رؤى أكثر وضوحاً حول آفاقه، وتسليط الضوء على الخيارات والبدائل المستقبلية المطروحة. بعدها ألقت ميشيل إليو ماري، وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية سابقاً في الجمهورية الفرنسية، الكلمة الرئيسية للمؤتمر، وأشادت بالقيادة الحكيمة لدولة الإمارات العربية المتحدة في اتباعها المنهج السلمي ومبادئ الحق والعدل والاحترام في العلاقة الدولية بينها وبين الدول كافة، فضلاً عن دور دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة آفة الإرهاب بمجالاته المتعددة، مشيرة إلى أن التفوق التكنولوجي لأي دولة ضروري لمواجهة الإرهاب، ولاسيما الهجمات الإلكترونية التي تهدد الأمن الوطني للدول وأمن المعلومات. وأكدت ميشيل إليو ماري، في كلمتها الدورَ المهم الذي يضطلع به مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في تسليطه الضوء على أبرز القضايا الإقليمية والدولية في مجالاتها: السياسية والاقتصادية والأمنية كافة، وقضايا السلم الإقليمي والعالمي، ومن ضمنها موضوعنا اليوم، وهو "حروب القرن الحادي والعشرين"، مشيرة إلى ضرورة إيجاد أرضية من التعاون والتنسيق المشترك بين دول الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لمواجهة أي تهديدات محتملة من الإرهاب أو التطرف. ثم بدأت أعمال الجلسة الأولى، التي حملت عنوان "التهديدات المعاصرة والطبيعة المتغيرة للحرب" ترأسها سيف سلطان العرياني، الأمين العام، المجلس الأعلى للأمن الوطني، دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحدث فيها د. أوستن لونج، أستاذ مساعد في كلية الشؤون الدولية والعامة، عضو في معهد "أرنولد أيه سالتزمان" لدراسات الحرب والسلام، جامعة كولومبيا الأمريكية، في محاضرته التي حملت عنوان "الحرب اللامتماثلة والإرهاب الدولي" وفي محاضرته التي حملت عنوان "حرب الفضاء الإلكتروني: الهجوم والدفاع" تحدث جون باسيت، زميل مشارك، بحوث أمن الفضاء الإلكتروني، المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن، المملكة المتحدة. وقدم د. كريستوفر كينزي، محاضر في إدارة الأعمال والأمن الدولي، كينجز كوليج، وفي قسم دراسات الدفاع، كلية القيادة والأركان المشتركة، المملكة المتحدة، ورقة بحثية عن "صعود المتعاقدين في حروب القرن الحادي والعشرين". يذكر أن المؤتمر سيناقش موضوعاته على مدى يومين في أربع جلسات، تُقدَّم خلالها اثنتا عشرة ورقة بحثية، لعدد من أبرز الخبراء والمفكرين والباحثين والمسؤولين من دولة الإمارات ومنطقة الخليج والعالم.