عندما نشأت الصهيونية فى نهاية القرن التاسع عشر، نشأت بالتوازى معها الدراسات التوراتية التى حاولت إيجاد جذور تاريخية بين مملكة إسرائيل القديمة فى بداية العصر الحديدى، ومملكة إسرائيل الحديثة وظهرت محاولات العلماء الصهيونيين لإيجاد ظهير تاريخي وجغرافى للساسة الصهاينة، لكن هذا لم يمنع ظهور عدد من العلماء المحايدين الذين كشفوا عن تلك المؤامرات وعن محاولات لى الحقائق،كان من بينهم توماس تومسون عام 1992 وكان جزاؤه الفصل من منصبه كأستاذ للآثار فى جامعة ماركويث، وهناك كيت وايتلام أستاذ الدرسات الدينية فى جامعة سيتر لينغ بأسكتلندا الذي جاء كتابه “اختلاق إسرائيل القديمة إسكات للتاريخ الفلسطيني “ عام 1996 علامة فارقة على كذب الدراسات التوراتية ودليلا جديدا على أنها محض خيال، وفى مجال علوم المصريات يمثل الدكتور عبد الحليم نور الدين أحد حوائط الصد أمام المحاولات الصهيونية المستمرة لتهويد الآثار المصرية، خصوصا فيما يتصل بمحاولات الربط، بين بعض الشخصيات الفرعونية من ملوك مصر العظيمة وأنبياء الله وتحديدا الأنبياء الذين نزلوا على بنى إسرائيل. كيف تنظر إلى محاولات الربط بين شخوص الأديان وتاريخ مصر القديمة؟ هناك دافعان، الأول سياسي يستهدف بيان الأثر اليهودى فى التاريخ المصري ومحاولة لإثبات أن اليهود كانت لهم اليد الطولى فى مصر وأنهم نجحوا فى الوصول إلى آفاق مصر وأحيانا لا توجد دلائل على تراث يهودى وعبراني اللهم إلا أشياء عبرانية آرامية، وهناك أناس لم يدرسوا التاريخ المصري القديم ولا يعرفون مبادئ الهيروغليفية ولم يدرسوا وثائق أوراق البردى ويحاولوا الربط بين الكتب السماوية والآثار، ومع الاحترام لكل الكتب السماوية فالقرآن والتوراة ليست كتبا للتاريخ والإنجيل ليست به أى قصص تاريخية، وما ورد فى القرآن من قصص الأنبياء المقصود منها العبرة، لذا لا نجد تفاصيل مثلا عن موعد خروج نبى الله موسى أو عدد اليهود الذين كانوا معه، وبالتالى فإن باحث الآثار لا يمكنه الاعتماد على القصص الواردة فى الكتب السماوية بل تلزمه دلائل مادية. هل تعتقد أن كل الروايات والأبحاث التى حاولت الربط بين الشخصيات الفرعونية وأنبياء الله تخدم أغراضا غير بريئة؟ لا يمكن أن نصف كل المحاولات بأنها مغرضة، لكن الكثير من المعلومات الواردة فيها غير علمية وغير دقيقة، على سبيل المثال نحن نستخدم مصطلح “فرعون" كوصف للحاكم الظالم، وهذا خطأ فالكلمة تعنى البيت العظيم أى لقب الحاكم، كما كان يقال عن السلطان العثمانى “الباب العالى"، وبالتالى هناك مصطلحات يتم تفسيرها بعيدا عن معناها الحقيقي من جانب غير المتخصصين. الكتاب الأخير للباحث أحمد عثمان اتهم زاهى حواس وفاروق حسنى بعقد اتفاقات مشبوهة مع قناة ديسكفرى ومجلة ناشيونال جيوجرافيك ..ما موقفك من تلك الاتهامات؟ هناك علامات استفهام حول علاقة زاهى بديسكفرى، خصوصا أنه قد صرح بتسجيله 40 فيلما تسجيليا فأين هى هذه الأفلام؟ وأين عائدها طالما أنها تخص الآثار المصرية؟ هناك أماكن أثرية سياحية كانت تغلق بالأيام من أجل تصوير أفلام ناشيونال جيوجرافيك، لابد من إيجاد إجابات لكل تلك التساؤلات ولا نعتمد على الشائعات كما قيل عن طائرات هليكوبتر كانت تصل إلى المناطق الحفريات وتحمل ما يتم العثور عليه من آثار، هذه أقاويل ينبغي البحث وراءها، لأن الأثر إذا خرج من باطن الأرض وتم تهريبه قبل تسجيله فكيف يمكننا المطالبة به أو العثور عليه؟ أعلم أنك قمت أثناء توليك المجلس الأعلى للآثار باسترداد ما نهبته إسرائيل من سيناء خلال سنوات الاحتلال ..فهل هناك ما لم تتم استعادته وهل كانت إسرائيل تقوم بعملية منظمة فى التنقيب لإثبات ادعاءاتها التاريخية فى مصر؟ موشي ديان سرق آثارا من إسرائيل ومن دير البلح، وقام الإسرائيليون بالتنقيب عن الآثار أثناء احتلالهم سيناء خلال الفترة 1967 – 1973 وقد فحصت بنفسى السجلات الإسرائيلية وقيل آنذاك وتم اتهامى بأننى سافرت إلى إسرائيل، وأنا بالفعل سافرت بقرار جمهورى فى إطار استعادة مصر آثارها التى عثرت عليها إسرائيل، وقمت بتسلمها كاملة فى مؤتمر صحفى عالمى، ووقتها قلت إننا تسلمنا أرض طابا واليوم نتسلم ما كان فى باطن الأرض، ووقتها تسلمت نحو 40 ألف قطعة ..وسئلت أثناء المؤتمر عن رغبة إسرائيل فى الاحتفاظ ببعض القطع المكتوب عليها نقوش عبرية، فكان ردى أن سيناء كانت عبر التاريخ معبرا لمختلف البشر الذين تركوا أثرا لهم هنا أو هناك لكن وجود أى أثر فى مصر يعنى أنه أثر مصرى. وقد حاولت إحدى البعثات الإسرائيلية العمل فى أبو سمبل فرفضت، خصوصا أننى أعلم رغبتهم فى إثبات أن فرعون الخروج هو رمسيس الثانى، ولهذا قلت أثناء المناقشات حول تنقل تمثال رمسيس الثانى من قلب القاهرة إن هذا يمثل رغبة إسرائيلية فى إبعاد التمثال عن أنظار المصريين، وعلى فكرة الإسرائيليون فرزوا أرض سيناء جيدا ونقبوا بشكل جيد، أما الآثار التى قمنا باستردادها فقد تم عرضها فى متحف العريش. هل سمحت أثناء توليك المسئولية بوجود إسرائيليين فى البعثات الأثرية؟ هناك بعثات مشتركة من بين أفرادها من يدينون باليهودية لكننا نحاسب الأشخاص بالجنسية وليس الديانة، المهم فى متابعة من يقومون بأعمال تلك البعثات، وقد حاول بعض الصهاينة استغلال وسطاء لتحليل الدى إن إيه لتوت عنخ آمون لإثبات أن والده آخناتون هو موسي عليه السلام، فبعض المغرضين يستكثرون على مصر أن يوجد فى تاريخها فيلسوف آمن بالوحدانية مثل إخناتون، والواقع أن إبداعات المصري فوق ما يتصور البشر وحضارته بلغت درجة عالية من الرقى والنضج. وماذا عن المحاولات الصهيونية المستمرة لإثبات أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج؟ لا يملك أحد دليلا على أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج وقد تحدث الداعية عمرو خالد عن وجود لوحة لأطفال يهود مكبلين فى ظل بطش فرعون موسي، وقال إنه رمسيس الثانى وقد نفيت له هذه المعلومات تماما. لكن أليس غريبا أن المصري القديم الذى اهتم بتسجيل كل شاردة وواردة فى حياته اليومية. لم يلق بالا لتسجيل قصة موسي مع الفرعون؟ المصري القديم كان ما يشغله هو حياته وأمجاده، وكل ما يتمناه فى آخرته وكان متدينا خارج إطار الأديان السماوية، لكنهم لم يعبدوا الحاكم ، فالملك المصري لم يكن إلها وإلا لما تجرأ اللصوص على سرقة مومياوات ملوكهم، إن الآثار علم يحتاج إلى تدقيق لذلك لا ينبغي على غير المتخصصين الخوض فيه.