انسحبت الشرطة المصرية الجمعة من مقر ومحيط مديرية امن بورسعيد حيث تدور اشتباكات دامية منذ ستة ايام وسلمته للجيش في محاولة لتهدئة الغضب المتصاعد لسكان المدينة المطلة على قناة السويس، شمال شرق مصر. وكان مقتل متظاهر مساء الخميس في مواجهات مع الشرطة في محيط مقر مديرية الامن ووفاة اخر متأثرا بجراح اصيب بها قبل ايام في الصدامات اثار قلقا من تصاعد اعمال العنف قبل حكم قضائي مرتقب السبت في قضية "مذبحة بورسعيد" المتهم فيها عدد من ابناء المدينة. وفيما بدا وسيلة لنزع فتيل العنف، اعلنت وزارة الداخلية في بيان انه "فى ظل ما تشهده مدينة بورسعيد من أحداث إستمرت معها أعمال التعدي على القوات (الشرطية) والمنشآت وحرصا من الوزارة على تخفيف حالة الإحتقان وما يسفر عنها من أعمال عنف، تقرر إسناد مهام تأمين مديرية أمن بورسعيد للقوات المسلحة التى تولت حمايتها". وانسحبت الشرطة بالفعل منذ الصباح من محيط مديرية الامن في بورسعيد مفسحة المجال لمدرعات الجيش لتامين المنطقة التي تعد مسرح الاشتباكات، بحسب صحفي من فرانس برس. واغلقت كل اقسام الشرطة الخمسة في بورسعيد ابوابها وانسحب رجال الشرطة من الشوارع ولزموا مكاتبهم. وقال مأمور قسم حي المناخ في بورسعيد ممدوح الحرتي لفرانس برس "اغلقنا الابواب لاننا لا نريد ان نتسبب في اثارة اي مشاكل مع المواطنين، هذه رغبة المواطنين ونحن ننفذها" في اشارة الى مطالبة اهالي المدينة بسحب الشرطة منها. وقال النقيب يوسف ناصف "انسحابنا من الشوارع في بورسعيد مبادرة فردية منا ولم ناخذ اوامر بها من احد" بينما اكد العقيد حسن مصطفى مامور قسم الزهور "نحن متوقفون عن العمل لاجل غير مسمي لاننا نرفض ان نتحمل اخطاء الحكومة التي تدفع بنا في العمل السياسي". واضاف بغضب وحزم "نحن لا علاقة لنا بالعمل السياسي، المجتمع كله ضدنا... ليس لنا حق الدفاع عن انفسنا، فيما يسمون المتظاهرين بالشهداء". وتابع منتقدا وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم "لا يوجد وزير داخلية في مصر ولا يوجد دولة من الاساس". وقال ضابط في الجيش طلب عدم ذكر اسمه لفرانس برس "صدرت لنا اوامر لنحل محل الشرطة بعد ان اخلت مواقعها لنا". ورحب الاهالي بانتشار الجيش واخذوا يقبلون الضباط والجنود ويلتقطون الصور فوق المدرعات ويهتفون "الجيش والشعب ايد واحدة". وقتل متظاهر مساء الخميس في المواجهات المستمرة مع الشرطة منذ الاحد الماضي وتوفي اخر صباح الجمعة متأثرا بجروح اصيب بها قبل ايام لترتفع حصيلة هذه الصدامات الى ثمانية قتلى، من بينهم ثلاثة من رجال الشرطة. وكانت المواجهات اندلعت عقب نقل المتهمين في قضية "مذبحة بورسعيد" من سجن بورسعيد الى سجن اخر بعيد عن المدينة. وقال ابراهيم عطعوط عم القتيل كريم سيد عبد العزيز عطعوط لفرانس برس ان جنازة شعبية ستنظم لكريم في بورسعيد الجمعة. وتترقب مصر بحذر حكما قضائيا السبت في قضية استاد بورسعيد التي قتل فيها نحو 72 شخصا من مشجعي النادي الاهلي في شباط/فبراير 2011. وينتظر 50 متهما اخرين احكام السبت بينهم 9 مسؤولين في الشرطة و3 من مسؤولي مدينة بورسعيد. وقالت وكالة انباء الشرق الاوسط ان وزارة الداخلية قررت تامين محاكمة السبت بنحو 2000 رجل امن. ومن المقرر ان تصدر محكمة جنايات مصرية حكمها السبت في هذه القضية التي تشمل اكثر من 70 مشخصا متهمين بالتورط في قتل 72 من مشجعي النادي الاهلي اثر مبارة لكرة القدم بين فريقي الاهلي والمصري البورسعيدي في استاد بورسعيد. وقررت المحكمة في 26 كانون الثاني/يناير الماضي احالة اوراق 21 متهما كلهم من اهالي بورسعيد الى المفتي ما يعني حكما بالاعدام عليهم ما اشعل انذاك مواجهات اوقعت اكثر من 40 قتيلا في المدينة. وطبقا للقانون المصري يؤخذ رأي مفتي الجمهورية قبل النطق باحكام الاعدام. وجرى العرف على ان يوافق المفتي على احكام المحاكم. الا انه بسبب حساسية قضية "مذبحة بورسعيد"، اعلنت دار الافتاء المصرية في بيان الخميس ان المفتي الجديد شوقي عبد الكريم، الذي تولى مهام منصبه قبل بضعة ايام، لم يتمكن بعد من دراسة ملف القضية وبالتالي فانه يصعب عليه ابداء الرأي فيها قبل جلسة المحكمة السبت، ما يرجح ارجاء النطق بالحكم في القضية. واصدرت رابطة مشجعي الاهلي المعروفة ب"التراس اهلاوي" بيانا الخميس نشرته على صفحتها على فيسبوك حذرت فيه من ان اي "محاولات لتأجيل الحكم" ستعتبر "تلاعبا" وتهربا من القصاص و"الرد سيكون هو الفوضى العاركة المدمرة لكل شئ واي شئ" ويخشى الاهالي في بورسعيد من ان يشهد السبت احداث عنف واسعة يراق فيها مزيد من الدماء. وقال البدري فرغلي، النائب البرلماني السابق عن المدينة لفرانس برس "ما سيحدث يوم السبت يتوقف على منطوق الحكم وارى انه من الافضل تاجيل الحكم والا مصر ستشتعل سواء هنا او هناك"، واضاف "الشيء المرعب والمخيف هو عندما يفقد الناس الحق قي التظاهر والاحتجاج ثم يجد ان العصيان لم يعد له قيمة.. فالتطرف يكون سيد الموقف.. وهذا ما نخشاه". ويتزامن انسحاب الشرطة من بورسعيد مع تظاهرات لرجال الشرطة في مدن مصرية عدة ابرزها في مدن القناة الثلاث. ورفضت تشكيلات من قوات الامن المركزي في مدينة الاسماعيلية التوجه لمدينة بورسعيد للمشاركة في حفظ الامن خشية التورط في مواجهات مع الاهالي، بحسب مصادر امنية. وتواصل اضراب الشرطة في عدة محافظات مصرية لليوم الثاني على التوالي خصوصا في القاهرة وجنوب سيناء والاسكندرية حيث رفع رجال الشرطة لافتة كتب عليها "لا لتسييس وزارة الداخلية". ويقول رجال الشرطة انهم غير مجهزين لمواجهة عنف المتظاهرين وانهم يدفعون ثمن الاخطاء السياسية للحكومة. ونظمت تظاهرات مناهضة للرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها عقب صلاة الجمعة في عدة مدن مصرية من بينها المنصورة والاسكندرية والمحلة. وفي القاهرة وقعت اشتباكات بين عشرات المتظاهرين وقوات الامن على كورنيش النيل بالقرب من ميدان التحرير واطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع لتفريق المحتجين الذين كانوا يلقون الحجارة.