تراجع الجنيه على مدار العامين الماضيين بشكل لافت للنظر، حيث فقد أكثر من 6 ٪ من قيمته، ارتفاعاً من 5.5 جنيه إلى نحو 6.12 جنيه حالياً ومع تزايد الضغوط ربما يستمر مسلسل الهبوط..والسؤال إلى متى ستقف الحكومة عاجزة عن حماية الجنيه؟ وهل هذا التراجع طبيعى ومنطقى؟ أم أنه بسبب شروط البنك الدولى؟ وهل هذا التراجع فى صالح الاقتصاد المصرى والتنمية المستدامة؟ وهل المجتمع يستطيع أن يتحمل كلفة هذا التراجع الذى يدفع إلى زيادة معدلات التضخم؟ خصوصاً أن ارتفاع الدولار يدفع فاتورة الواردات من الخارج، حيث سترتفع قيمة الواردات بنحو 20 مليار جنيه على الأقل.. أسئلة كثيرة نحاول البحث عن إجابة لها من خلال هذا التحقيق. أوضحت الدكتورة فائقة الرفاعى، نائب رئيس البنك المركزى السابق أن الاقتصاد المصرى تعرض خلال الفترة الماضية إلى حالة من التدهور الشديد نتيجة للإضرابات الداخلية وشمل التدهور جوانب عديدة نظراً لتردى الوضع الأمنى وغياب البيئة الاقتصادية المناسبة وسجلت خسائر الاقتصاد المصرى حتى الآن ما يزيد على 800 مليار جنيه، كما شهد الجنيه المصرى تراجعاً فى قيمته أمام العملات الأخرى لا سيما الدولار، حيث وصل سعره إلى أدنى مستوى له وهو ما يسبب ضعف القيمة الشرائية للجنيه بشكل كبير..وطالبت الحكومة بالحفاظ على استقرار الأوضاع السياسية بشكل سريع وعودة حركة الإنتاج إلى السوق المحلى لإعادة القيمة للجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية الأخرى لا سيما بعد تراجع حجم الاحتياطى النقدى، مما يؤدى إلى ندرة المعروض من الدولار فى السوق المحلى خلال الفترة الحالية..فى حين يؤكد على الحريرى سكرتير عام شعبة الصرافة الأسبق أنه من الطبيعى أن يستمر انخفاض الجنيه المصرى مقابل الدولار بسبب تراجع المصادر ضخ النقد الأجنبى فى البلاد مع قلة المعروض من الدولار فى السوق والذى بدوره أدى إلى إثارة مخاوف المستثمرين من خروج عملتهم المحلية عن السيطرة وما يترتب على ذلك من زيادة سعر فاتورة الواردات، بشكل يؤدى إلى العجز فى ميزان المدفوعات وزيادة أسعار المنتجات الداخلية لا سيما التي تعتمد فى صناعتها على مواد مستوردة، مما يقلل من قدرتها التنافسية وبالتالى يهدد الصناعة المحلية ويرفع نسبة البطالة وعبء الديون الخارجية..ويبين أن الفرصة الحقيقية ليستعيد الجنيه المصرى قيمته تكون بوضع خطة طموح وجريئة لزيادة فرص الاستثمار وعقد اتفاقيات تجارية عادلة تخلق فرصاً تصديرية قوية وتفتح مصادر استثمارية متنوعة تضخ المزيد من العملات الأجنبية التى تسهم فى دعم الاقتصاد المصرى وتقويته..بينما يوضح محمد الأبيض، رئيس شعبة الصرافة بالغرفة التجارية، أن تراجع سعر الجنيه المصرى له إيجابياته وسلبياته، أهم هذه الإيجابيات تتمثل فى دعم الصناعة المحلية مقابل الاستيراد هذا فضلاً عن أنه سيصب فى صالح المنتج المصرى، وسيؤدى إلى طفرة كبيرة فى نشاط الصناعة المحلية نظراً لأن ارتفاع سعر الدولار والعملات الأخرى سيؤدى إلى ارتفاع أسعار المنتج المستورد مقابل المنتج المحلى، وهو ما يعنى لجوء المستهلك المصرى لشراء الصناعة المحلية..وأضاف أن ارتفاع الدولار سينعكس سلباً على أداء البورصة نظراً للخسارة التى سيتعرض لها المستثمر الأجنبى الذى يريد تحويل محفظته الدولارية إلى الجنيه ليقوم بشراء الأسهم المصرية، وعند خروجه يعيد تحويل محفظته بالجنيه إلى الدولار الذى قد يرتفع سعره مما يكبد المستثمرين خسائر كبيرة قد تدفعهم للإحجام عن الاستثمار فى البورصة من الأساس..ويؤكد الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد ومستشار صندوق النقد الدولى، أن الوضع الحالى بالنسبة للسوق وضع مؤقت حيث سترتفع موارد الدولة من العملات الأجنبية وسيزيد الاحتياطى النقدى وذلك نتيجة للسياسات الاقتصادية التى بدأت الحكومة تنفيذها خلال الأيام الماضية، وهو ما سيترتب عليه تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه، برغم أن التداعيات السلبية لهبوط الجنيه ستؤدى إلى ارتفاع محدود فى أسعار السلع والمنتجات فى السوق سواء المستورد أم المحلى لا سيما فى ظل ضعف الرقابة على الأسواق، كما سيؤثر على ميزان المدفوعات وسيزيد من تكاليف الاقتراض من الخارج عن معدلات الفائدة المعلنة نظراً لفروق الأسعار..وبين أن هبوط الجنيه المصرى إلي أدنى مستوى له منذ نحو ثمانية أعوام والذى تواكب مع استئناف الحكومة المفاوضات مع صندوق النقد الدولى بشأن قرض قيمته 4.8 مليار دولار، يبدو من خلال ذلك أن الحكومة تسمح للجنيه بالتراجع ترسل إشارة إلى صندوق النقد مفادها أنها مستعدة للمرونة بشأن قيمة الجنيه لتصل إلى اتفاق نهائى للحصول على القرض. ولا يبتعد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية عن هذه الرؤية فى أن انخفاض الجنيه أمام الدولار لا يشكل خطورة كبيرة فى ظل الوضع الحالى للبلاد لا سيما أن الحكومة حالياً تتفاوض لتحصل على قرض صندوق النقد والذى من المتعارف عليه لدى الاقتصاديين أن هناك ضغوطاً من مسئولى الصندوق لخفض قيمة الجنيه، والذى سيترتب عليه سلباً ارتفاع الأسعار وزيادة فى تكلفة الاستيراد، ولكن لو لم تتوصل الحكومة إلى اتفاق نهائى سيؤثر ذلك تأثيراً سيئاً على الاقتصاد المصرى لا سيما ما يتعلق بحجم الاستثمارات الخارجية والصورة التي ستعكسها موافقة مسئولى الصندوق على منح مصر القرض من تقديمهم وثيقة ضمان فى أن الاقتصاد المصرى سيتعافى خلال فترة وجيزة جداً. وأضاف أنه فى حالة عدم موافقة الصندوق على القرض سيسعى المستثمرون والمودعون إلى تحويل ودائعهم بالجنيه إلى الدولار خوفاً من تعرضه لهزات هبوط ضخمة، مما سيزيد الطلب على الدولار وسيؤثر ذلك سلباً على نسب وجوده فى السوق وسيقل الاحتياطى النقدى الأجنبى مما سيشكل أزمة. بينما يرى الدكتور أحمد النجار، مقرر اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة، أن هبوط الجنيه أو ما يطلق عليه البعض انهياره أمام بعض العملات الأجنبية أمر طبيعى جداً فى ظل الظروف التى مرت بها مصر خلال الفترة الماضية من توترات وأزمات سياسية واقتصادية، ولكن بالتأكيد لن يستمر الوضع كذلك خلال الفترة الحالية، لا سيما فى ظل الخطط الاقتصادية التى تتبناها الحكومة أخيراً أو عزمها القيام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية لدعم الاقتصاد. فى حين يؤكد الدكتور صفوت قابل، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية، أنه برغم تراجع معدل النمو الاقتصادى وانخفاظ الاستثمارات الأجنبية وتعرض الجنيه للهبوط، أمام بعض العملات فإنه بشكل عام هذا أمر طبيعى ومعتاد فى البلدان التى تمر بمرحلة التغيير السياسى كما حدث فى مصر من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادى ولكن الأمر يحتاج إلى إصدار بعض القوانين الاقتصادية المؤثرة مع منح المستثمرين المزيد من التسهيلات وإرسال رسائل طمأنة إلى العالم الخارجى بأن مصر بدأت خطوات إصلاحية جادة.