التقيت صديقا قديما يعمل طبيبا للأطفال بعد فترة من الانقطاع، وجدته مكتئبا وعازفا عن الحديث بعد أن كان يفيض حيوية ومرحا، أدركت أن الهم الذي أغرقنا جميعا خلال الفترة الماضية وما شهده الشارع المصري من خلافات وانقسامات واحتجاجات وأعمال عنف قد أصابه بالغم وغابت عنه ابتسامته الشهيرة ونظرته المشرقة. قال لي إنه أصبح يشفق على الأطفال الذين يعالجهم في عيادته من مستقبل كئيب في استمرار حالة التشرذم والعناد وغياب قيم التسامح والتفهم والشهامة والتعاطف والتآزر التي كانت تسود المجتمع المصري دائما، وأنه يخشى أن تسيطر فكرة الهدم وليس البناء على وجدانهم. قلت له، ما الحل في رأيك لهذا الشحن النفسي العدواني بين أطياف المجتمع، ولأول مرة ترتسم ابتسامة باهتة على شفتيه قبل أن يجيب قائلا: «الأوكسيتوسين هو الحل «، تساءلت ما هو هذا الأوكسيتوسين الذي تذكره، فرد قائلا: ألم تقرأ الاكتشاف الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية أخيرا للباحث بول زاك، وهو مدير مركز الاقتصاد النفسي بجامعة كلاريمونت الأمريكية، هذا البحث الذي أجراه بول زاك أكد أن الأوكسيتوستين هي مادة كيماوية يفرزها مخ الإنسان وتؤدي إلى الشعور بالثقة والتعاطف والتآزر بين البشر، وحيث إن الافتقار إلى مشاعر الثقة هو أساس كثير من المشكلات التي تعاني منها مجتمعات العالم، فإن زيادة معدلات هذه المادة في دم الإنسان عن طريق الاستنشاق مثلا يمكن أن يجنب المجتمعات كثيرا من أعمال العنف والشغب. ويشير الباحث الأمريكي إلى أن هذه المادة الكيماوية الطبيعية يمكن تخليقها في المعامل، ويوضح أن هذه المادة تساعد أساسا على التواصل الاجتماعى، مما يؤثر على مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية بل على القرارات الإنسانية مثل التبرع للمؤسسات الخيرية والعطف على الفقراء إلى جانب حل الكثير من المشكلات والصراعات الاجتماعية. ويشرح أن مادة الأوكسيتوسين تفرز من الغدة النخامية واكتشفها العالم البريطاني سير هنري دالي عام 1909، واسمها مشتق من كلمتين يونانيتين هما " السرعة " و" الولادة "، حيث لاحظ أنها تساعد على سرعة الولادة كما تم بعد ذلك اكتشاف أن هذه المادة تساعد عى إفراز اللبن لدى الأمهات ومنع النزيف المصاحب لبعض حالات الولادة. الجديد أن العلماء اكتشفوا الفوائد الاجتماعية لهذه المادة السحرية، ويزيد على ذلك بول زاك في كتابه الذي اختار له عنوانا غريبا هو " اقتصادات مصاصي الدماء والعلم الجديد للخير والشر " فيقول إن مادة الأوكسيتوسين تقود الإنسان إلى فعل الخير، ويرد على التساؤلات بشأن قيام المتظاهرين الغاضبين بإحراق المباني الحكومية التي بنيت من أموالهم إلى أن ذلك يرجع إلى زيادة هرمون التستوستيرون في أجسامهم في أوقات الضغوط العصبية، وهذا الهرمون يمنع وصول الأوكسيتوسين إلى الموصلات العصبية مما يجعل الإنسان في حالة من عدم الثقة والتوتر وهذا يفسر الأفعال السيئة التي يقوم بها أحيانا أشخاص طيبون مثل أعمال السلب التي تحدث مع الاحتجاجات وهو ما يسميه بالإجرام الجماعي. وفي النهاية عادت الضحكة إلى صديقي الطبيب وهو يقترح ضرب من يقومون بأعمال الشغب والعنف بقنابل تحتوى على مادة «الأوكسيتوسين» بدلا من القنابل المسيلة للدموع.