فى اللحظة التى يتحدث فيها الجميع عن الدستور، أجدنى أسترجع التاريخ، ويحضرنى مشهد أحمد عرابى وكيف استطاع هذا الفلاح المصرى الذى تعلم فى الكتاتيب أن يدخل فى صف الجندية ليصل بعدها إلى صفوف الضباط ويصنع ثورته العظيمة ويذهب ب 4000 جندى إلى ميدان عابدين ويقول للخديو نريد الدستور والبرلمان، فكان دستور 1881، فمعركة الدستور والاستقلال، هى معركة المصريين منذ زمن طويل ، والذين استطاعوا فى ثورة 1919 العظيمة الحصول على استقلال وإن كان منقوصا وعلى دستور وإن كان ممنوحا . ومنذ عرابى وحتى الآن والعقبات التى يواجهها الدستور هى نفس العقبات، وقد يتصور الكثيرون أن ما يحدث بشأن الدستور على مدار تاريخه هو شأن مصرى داخلى محض، ولكن هناك دائما مؤثراً خارجياً لا يزال يلعب دوره، فالأمريكان إلى الآن لهم اليد الطولى فيما حدث من رده لثورة يناير، وهم المحرضون لضرب الديمقراطية، وبعد أن حسبنا أننا تحررنا إذ بالربيع العربى وكأنه صناعة خارجية، وأننا قادمون على حرب أهلية، فالمشكلة التى تضاف إلى العقبات المعهودة للدستور من تأثير خارجى و تنازع النخبة حوله، كما حدث مع دستور 1923، هذه العقبة أراها متمثلة فى رداء الدين، خصوصا بعد 30 سنة من حكم مبارك وصلت فيها الأمية إلى نسبة كبيرة، ويسهل التأثير على أفراد المجتمع إذا تم الدخول لهم من باب الدين، رغم أن الإسلام جاء ليحرر الجميع ويعلى من شأن رسالة التوحيد التى عبر عنها أمير الشعراء أحمد شوقى بقوله « الله فوق الخلق فيها وحده.. والناس تحت لوائها أكفاء» فالدين يحض على الحرية والمساواة، وأن لا تطغى الجماعة على الفرد أو العكس، وهذا ما لا نجده فى عالمنا العربى، حيث نعيش فى ديكتاتوريات، وإذا تقدمنا خطوة فى الديمقراطية تراجعنا خطوات، وهذه ما أراه ينطبق على المشهد الحالي. فبعد أن عشنا جميعا فى مشهد ثورة 25 يناير، وثورات الربيع العربى، وكان العالم كله يرانا ونحن نصنع التاريخ، إذا بهذه الثورة العظيمة تنتهى بالردة والديكتاتورية. ومن المفارقات الكبرى أن تتحول جامعة القاهرة التى بدأت أهلية ثم حكومية وطوال تاريخها تعد منبعا للاستنارة، ويشهد على ذلك تمثال نهضة مصر الذى يجاورها ، فإذا بها تتحول إلى مكان تخرج منه صيحات التكفير. وكما قال فولتير وغيره من زعماء الثورة الفرنسية بأن «الدستور عقد اجتماعى»، فالوطن يفترض أنه البيت الكبير لكل الأبناء الذين يجدون أنفسهم فى وقت ما، فى حاجة لوضع ميثاق لوطنهم وحياتهم والقيام بعملية التجديد للعقود السابقة فى اتجاه المستقبل، وهذا لا يتم إلا بالتوافق بعيدا عن الإقصاء، فلا يصح أن يستأثر البعض دون غيرهم، لأنه لا دستور بالإكراه . وبالتالى لابد من حدوث التوافق وبلورة الحوار فى دستور يحترمه الجميع . وغير ذلك يجعلنا نضع العربة أمام الحصان . ويبقى أن أقول, إن معركة الدستور، هى معركة بين الماضى والمستقبل وبين الظلام وبين النور، ولابد أن نخرج بدستور يكون خطوة فى تحرير الوطن، وما لم يتحرر الوطن فلا حرية للمواطن، وهذا هو شعارنا فى الحزب الدستورى، خاصة أن ثورة 25 يناير أنجبت عدة معجزات فى مقدمتها, أن الخوف قد مات فى صدور المصريين والمعجزة الثانية أنهم تسيسوا وفهموا ما هو الدستور، وبالتالى فالشعب لن يرضى أبدا إلا بتحرير العقول والبطون معا وتحقيق العدالة الاجتماعية. * رئيس الحزب الدستورى والاجتماعى الحر