يكفى أن تجلس معه لبضع دقائق حتى تتأكد أنك أمام إنسان مصرى من طراز خاص، لم يكتف بالاعتزاز والفخر بمصريته وإنما سعى على مدار سنوات طويلة للتعمق فى إثبات مدعاة هذا الفخر. وكشاهد على الحياة المصرية منذ عهد الفراعنة يأخذنا الدكتور وسيم السيسى فى جولة عبر الزمن يحلل فيها ثورات الشعب المصرى ويفجر مفاجأة أن محاكمة مبارك ليست الأولى فى التاريخ المصرى ويكذب نظرية الفرعون الإله عند المصريين ويصل بنا لرؤية الأحداث الحالية على الساحة السياسية خلال السطور القادمة. * كمتعمق فى التاريخ المصرى ما هو إحساسك عند رؤيتك لكسر فكرة الإله الفرعون الحاكم بمشهد محاكمة مبارك؟ -د. وسيم: أولا أريد أن أؤكد أن فكرة الحاكم الفرعون الإله المستبد افتراءات لا أساس لها من الصحة ويجب أن نعلم أنه لا وجود لكلمة فرعون فهى تأتى من مقطعين من «بر» بمعنى بيت و«عا» بمعنى عالى أى معناها «البيت العالى» كالبيت الأبيض وكان الحكام المصريون من العدالة والديمقراطية ما حبب فيهم شعبهم واستطاعوا بناء حضارة منذ آلاف السنين فالظلم لا يولد حضارة وحكام مصر وصلوا إلى 557 حاكما منهم 81 من الهكسوس وفرعون الخروج كان الملك السادس للأسرة الخامسة عشر ولم يكن مصريا وهو جاء ذكره كرمز للديكتاتورية وغير ذلك فهو تشويه للتاريخ وفى معبد «أوناسى» كتب بالهيروغليفية «أنا الإله الواحد الأحد موجد نفسى وليس لى مثيل أو كفو» وكل ملك يتولى الحكم يذهب للإلهة ماعت إلهة العدالة ليثبت أنه عادل مع شعبه وعندما يراه الشعب عادلا يثق أنه اختيار إلهى فقدسية الملك تأتى من عدله وحبهم له يأتى من ديمقراطيته حتى خطاب العرش الذى يوجه لكل من يعتلى الوزارة «اعلم أن الماء والهواء سينقلان كل ما تفعله أنت ووزارتك فى الخفاء فليكن نبراسك ماعت العدالة وإياك أن تفعل ما فعله من قبل كبير الوزراء الذى ظلم أهله وأنصف الغريب» فهو يحذره من ظلم أهل شعبه. يكفينا محاكمة الروح عند المصرى القديم ووزن قلبه فى الميزان وريشة العدالة فى الناحية الأخرى. وهذه الريشة هى ما أخذها الإنجليز ووضعت على تاج الملوك والقضاة رمزا للعدالة. كذلك فإن «حور محب» هو أول من وضع قانون حقوق الإنسان والملك تحتمس الثالث مؤسس الإمبراطورية المصرية ورمسيس الثانى خيرمثال للحكام الديمقراطيين. المفاجأة أنها ليست المحاكمة الأولى فى التاريخ فقد حدثت فى عهد رمسيس الثالث محاكمة من 15 قاضيا للحكم على اثنين من أمراء القصر بالإعدام بسبب فسادهما وثبت أن هناك قاضيين موالسين مع القصر فحكم عليهما أيضا بالإعدام وحوكموا فى عصر الأسرة التاسعة عشرة. وفى رأيى فإن محاكمة مبارك محاكمة عادلة فى محكمة مدنية ولديه محامون ضربت مثلا يحتذى به العالم كله فى العداله والديمقراطية فهى محاكمة عادلة وليست كما حدث فى العراق مع الملك فيصل الذى تم سحله فى الشوارع. * هل الشعب المصرى شعب ثورجى على مدار تاريخه وهل هذا يتعارض مع حقيقة أنه شعب طيب ومتسامح؟ -د. وسيم: ثورات الشعب المصرى لا تعد ولاتحصى وعندما غاب النيل ل 7 سنوات بعد الأسرة السادسة وكان عصر الاضمحلال قامت الثورة الشعبية التى قلبت الموازين وأذكر أن القائد مازاكيس كانت مقولته «تعبت من ثورات المصريين لدرجة أن جيشا بأكمله قد دفن فى هذه الثورات ولن أحارب المصريين بسبب مقاومتهم العنيفة». وعندما دخل الإسكندر الأكبر دخل كابن لآمون كمدخل ليتقبله الشعب المصرى وكأحد الملوك المصريين عندما ذهب لواحة سيوة حيث أكبر معبد لآمون وقال له الكاهن: والدك آمون ولن تهزم أبدا. والعديد من الثورات أيضا كانت فى عهد البطالمة سنة 85 قبل الميلاد وسنة 48 قبل الميلاد و 28 بعد الميلاد حيث أحرقت مكتبة الإسندرية ضمن هذه الثورات فليس العرب هم من حرقوها كما أشيع بين المؤرخين العرب وقامت 9 ثورات من أخطر الثورات فى عهد البشموريين لدرجة أن المأمون جاء بجيش من 100 ألف وقتل 80 ألف مصرى ثم جاءت ثورة عرابى الشعبية ضد الخديوى توفيق وكانت عظيمة لولا الموالسة والخيانة لعرابى من قبل مجموعة من الضباط والإنجليز وحدثت الهزيمة العسكرية فى معركة التل الكبير إلا أنه كان انتصارا شعبيا للوحدة الوطنية رغم نفى عرابى وجاءت بعد ذلك ثورة سعد زغلول بعظمتها لإحياء ثورة عرابى وصنعوا الدستور سنة 1923 ولولا حكم العسكر سنة 52 لكانت مصر على القمة فالثورات عديدة وقوية إلى أن جاءت 25 يناير وقامت الثورة بشرارة من الشباب تجاوب معها الشعب المقهور بكل صدق فهى تشبه ثورة 1919 التى قام فيها الشعب كله ضد المحتل الإنجليزى أما 25 يناير 2011 فضد المحتل المصرى وفى رأيى فإن أفراد النظام الفاسد ليسوا مصريين فالمصريون يحبون مصر وإنما هم ساكنو مصر فقط عندما نهبوها وإذا كانت سياستهم جوع كلبك يتبعك فالصحيح هو جوع أسدك يأكلك. فالحتمية التاريخية أكدت أن الحكم للشعوب أما ما يميز 25 يناير فقد أثبتت هذه الثورة أن العلم هو الحل فهؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورة ليسوا فقراء ولكن إحساسهم بالظلم هو الذى دفعهم للنضال كما حدث فى الثورة الفرنسية فرغم وجود الظلم لمئات من السنين إلا أنه عندما جاء فولتير وروسبير وميرابو وشعروا بالظلم الواقع ثاروا، فالشباب المصرى عندما تطلعوا للعالم من خلال الشبكة العنكبوتية أدركوا كم هى مصر منهوبة والمؤسف أنه عندما نتأمل خروج المحتل الإنجليزى نجده مديونا لمصر ب10 ميزانيات لسنوات قادمة أما النظام السابق فقد ترك البلد مديونة مما أساء لكرامة الإنسان المصرى ولكن هذه الثورة بحق ردت كرامتنا فيكفى أن يطلب الرئيس الأمريكى أوباما من الشباب الأمريكى أن يتعلم من الشباب المصرى. وأن يقول بيرلسكونى إنه من الطبيعى أن يصنع المصريون التاريخ فالحضارة تحت جلود المصريين وفى جيناتهم. * كيف ترى العلاقة بين المسلمين والأقباط؟ وهل أنت متخوف من المد السلفى أو من احتمالية وصول الإخوان للحكم؟ -د.وسيم: يكفى أن تنظر لما حدث فى ميدان التحرير لتدرك ماهية العلاقة بين المصريين من أدب ورقة تعامل مع الآخر فهى الحضارة التى تحت جلود المصريين فعندما كنت فى الميدان أنا وزوجتى كانت هناك فتاة مسلمة تعطينا التمر والبقسماط وكنت أرى الفتاة المسيحية تصب الماء لرجل يتوضأ وكأنك تعيد اكتشاف الأخلاق المصرية من جديد بعد إزالة القشرة التى كونها الظلم والاستبداد والتخويف وعندما سقطت القشرة حمى المصريون أنفسهم عندما غاب الأمن فلم تحرق كنيسة أو تظهر فتنة طوال فترة الثورة وهذه هى الحقيقة لا توجد فتنة بين المسلمين والأقباط ومبدأ النظام السابق «فرق تسد» هو ما أوهمنا بوجود تلك الفتنة ويجب أن أذكر هنا أن عالمة الهندسة الوراثية مارجريت كاندل قامت ببحث على مدى خمس سنوات على الضفائر الجينية وتقول إنها فوجئت بثلاث صدمات، أولها أن الشعب الألمانى بالرغم من إصراره على نقاء نوعه فإن جينات الشعب ليست متشابهة وغير مميزة عن مثيلتها من السويسرية مثلا. ثانيا: اليهود الذين أيضا يعدون أنفسهم عرقاً نقياً وجد أن اليهود فى روسيا كالروسيين مثلا وفى كل بلد كأهله وليس عرقا نقيا على الإطلاق. أما المفاجأة الثالثة فإن المصريين بالرغم من تعدد الاحتلالات من آشورية وعثمانية وإنجليزية وغيرها فقد ظهر أن التغيير تغيير فى الحكام وليس فى الشعب فالبحر المصرى يذوب به أى أناس وافدين عليه وأخذت عينات من أول أسوان إلى الإسكندرية ومن الصحراء الغربية والشرقية والمسلمين والأقباط ومن نجوع وكفور ومدن وحتى من عيادات الأطباء فوجدت أن 97% من الضفائر الجينية واحدة بين المصريين ومن أنقى السلالات وهذا هو مارددت به على الأنبا بيشوى عندما قال إن المسلمين ضيوف علينا منذ 14 قرنا فرددت أننا كمسيحيين لم نكن ضيوفا على الآمونيين ديانة آمون وعلى من لم يعتنق المسيحية فنحن نحن ولم نتغير كمصرى أهلاوى أصبح زملكاويا يعنى هو لم يتغير ولكن تغير انتماؤه وعندما اعتنق حزء كبير الإسلام فهم أيضا مصريون بدليل أنك تفرق بين المصرى والأجنبى فى الخارج ولكن لا تفرق بين المسلم والمسيحى فأنا لى أبناء عم مسلمون وبالنسبة للحكم الدينى ففى رأيى أن الشباب المصرى شباب ثورة 25 يناير شباب واعٍ وناضج له تفكير منطقى وتحليلى ومهما ظهرت تيارات تحاول قطف ثمار نجاح الثورة فإن الجمهورية البرلمانية وجو الحرية الديمقراطية سينبذ أى اتجاهات متطرفة فإن أسوأ أنواع الحكم هو «حكم العسكر» أو حكم «رجال الدين» لغياب أروع كلمة وهى «النقد» فأى نقد للعسكرى يعد أجندة خارجية وأى نقد للدين يعتبر كفرا وإلحادا فلا أحد ينقد شيخا أو «قساً» لأنه يتكلم باسم الإله ويذكرنى بما قاله فولتير «يتحالف رجل الدين مع رجل السياسية الدكتاتور ضد مصالح الشعب» وقال أيضا : «تمنيت أن آتى بآخر سياسى من هؤلاء الحكام المستبدين وأخنقه بأمعاء آخر رجل دين لأنهما يتحالفان ضد مصالح الشعب ولا يمكن لبلد أن تحكم عسكريا أو برجل دين إلا وتسقط». وأذكر أن المفتى أيام الثورة قال للناس «صلوا فى بيوتكم». والبابا شنودة قال «لا أحد يخرج فى المظاهرات» ويكفى التضليل الدينى الذى حدث فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية حيث نجح الإخوان فى تحويل الاستفتاء إلى استفتاء دينى وفى رأيى أن مسئولية الإخوان أكبر من السعى للحكم بل إنها مسئولية دفع الشعب لنفق مظلم نفق قاعدى طالبانى أفغانى لن ننجو منه إلا بعد عشرات السنين ولست متخوفا من وصول السلفيين أو الإخوان للحكم فقد بدأ المجلس العسكرى يفيق ويظهر ذلك فى أمرين : أولهما: وضع مبادئ حاكمة للدستور فالإطار الذى سيتحرك فيه الدستور سيكون متفقا عليه من كل طوائف الشعب المختلفة حتى لو كان هناك 500 يهودى فى مصر لازم أن يتفق مع هذه المبادئ. ثانيهما: بدأ الاتجاه للانتخابات بالقائمة النسبية وليست الدوائر الفردية التى تتسبب فى المجازر والتى تريدها السلفية والتيار الإخوانى، فالفرق بينهما أن الفردية تقوم على القوة المالية للفرد وعزوته وأقاربه أما القائمة فتحمل منهجا ومن ينتخب ينتخب برنامجا وليس فردا وهو شىء موضوعى.. ولعلنا شهدنا زيارة أردوغان لمصر ورأينا كيف لا يتعارض الدين مع الحكومة المدنية فهى تجربة رائعة وتركيا مرشحة للدخول فى السوق الأوروبية ومتوسط دخل الفرد بها 10000 دولار بينما المصرى 700 دولار. وعندى اقتراح هو ألا يسمح لشخص بالإدلاء بصوته إلا إذا كانت معه شهادة متوسطة أو أعلى ففى ألمانيا لا يسمح لأحد بالانتخاب إلا بعد مروره على كمبيوتر يجاوب عن 3 أسئلة تحدد مواطن الذكاء لديه حتى يسمح له بالإدلاء بصوته فليس من المعقول أن يمر الطبيب على مئات الامتحانات ليعالج الناس وأنا أعطى الحق للإدلاء لإنسان بصوته لاختيار من سيداوى الشعب كله وهو لا يعرف القراءة والكتابة فالسياسيون أطباء الشعوب. * وماذا عن تفعيل الدور السياسى للأقباط خلال الفترة القادمة؟ - د. وسيم : المسيحيون كالمسلمين لم يكونوا مقبلين على الدور السياسى لأنهم يعلمون أنه «مافيش فايدة» والقادم قادم ولكن مع مناخ الحرية من المؤكد أنه سيكون لهم دور كمواطنين مصريين شعروا ببلدهم وسيشاركون فى تقدمها وتنظيمها والواجب الاستفادة من المصريين بالخارج كما كسبنا مجدى يعقوب وأنا متفائل بالمستقبل لأنه لم يكن فى الإمكان.. أسوأ مما كان. * فى ظل الانفلات الأمنى والبلطجة التى نعيشها ما هى رؤيتك للخروج من هذه الأزمة ؟ -سبب تخلف الشعوب يعود للدولة الرخوة وهى الدولة التى غاب عنها سيادة القانون. فالبلطجة قوتها فى ضعف الجهتين المسئولتين والخوف من أن تكون دولة رخوة ليس بها سيادة للقانون.. اندهشت عندما قام عصام شرف بالطبطبة على من قطعوا السكة الحديد فى قنا وقال لهم «إللى إنتوا عايزينه»!! وتعجبت عندما أزاح الشاب العلم الإسرائيلى فوق السفارة وهو ضد القانون الدولى وكرمه المحافظ بإعطائه شقة وهو ضد القانون مما جعل إسرائيل ترفع قضية على مصر فى محكمة العدل الدولية فى لاهاى !! هل هذه مصر التى نريدها وهل هذا شكلها أمام العالم ؟!! نحن نحتاج لجمال عبدالناصر ليمسك الدولة داخليا كما أمسكها فى أعقاب 56 وكانت مهلهلة تحتاج لرجل قوى.. * وهل أنت مع تأجيل الانتخابات ؟ -الدكتور وسيم : نعم.. حتى تستطيع الأحزاب الصغيرة التى تكونت فى التحرير أن تصنع شيئا ولا تكون الساحة فقط للأحزاب الكبيرة القديمة منذ 50 عاما فعندما نعطى فرصة للتيارات السياسية الجديدة وتكون لها خلفية فى الشارع نعطى للناس بالفعل العدالة الاجتماعية وسيطرد السيىء تلقائيا من جو الحرية. * هل من الممكن رؤية الدكتور وسيم السيسى فى منصب سياسى خلال الفترة القادمة ؟ د. وسيم : الطب هو ميدانى وسعادتى فى غرفة العمليات لأنى مؤمن بأنى يجب أن أكون فى المكان الذى أصبح فيه مفيدا ومشاركتى السياسية كمصرى تمثلت فى إعلاننا سنة 2004 عن حزب قائم على مبادئ الليبرالية والديمقراطية وفصل الدين عن السياسة تحت اسم «مصر الأم» وكان رئيسه محسن لطفى السيد ابن شقيق أحمد لطفى السيد أول من نادى بأن مصر للمصريين وأول مدير لجامعة مصرية ورغم تقرير مجلس الدولة الذى كتب به ولاء أصحاب هذا الحزب لوطنهم إلا أنه كان عام زواج الحزب الوطنى والإخوان وإعطائهم 88 كرسيا مما تسبب فى رفض الحزب، وبالطبع لا يوجد استئناف وشرط إعلانه الثانى أن يكون مؤسسوه 1000 بدلا من 50 ومن 15 محافظة وإعلان فى 3 صحف على حسابك الخاص فاقترحت الانتظار حتى يتغير النظام بقوانينه فالحتمية التاريخية أكدت حدوث ذلك. توفى محسن لطفى السيد وكنت نائبه ونحن ننتظر فترة الغليان التى تعيشها البلد الآن وتتابعها ولن يكون هذا الوقت المناسب للإخطار عنه وأجلنا هذا الأمر لفترة.