فنون جميلة الإسكندرية تنظم ملتقى التوظيف والتدريب "بورتفوليو"    القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    بقرار من الطيب، تكليف حسن الصغير رئيسًا لأكاديمية الأزهر العالمية (مستند)    فتح باب التقدم لاختبارات إضافة اللغة للمرشدين السياحيين    الغمراوي: ندرس إنشاء مصنع دواء مشترك بين مصر وزامبيا    تقارير تكشف موعد الجولة القادمة من المفاوضات الروسية الأوكرانية    تفاصيل برنامج الأهلي اليوم قبل ودية الملعب التونسي    تجديد حبس المتهم بإلقاء مياه نار على أهل زوجته بالجيزة    مكتبة الإسكندرية تحتفي بالكاتب محمد السيد عيد في ندوة بمعرض الكتاب    صحة الدقهلية تكشف مستجدات الحالة الصحية للطفل المصاب إثر سقوطه من علو    طريقة عمل البيتزا بعجينة خفيفة وهشة وحشوات مختلفة    تحذير من هطول أمطار غزيرة في جنوب شرق تايوان    3 مصانع جديدة باستثمارات 216 مليون دولار وتوفير 15 ألف فرصة عمل    مصطفي عزام يستقبل المحاضر الدولي ايجور لافتتاح معسكر المرحلة الثانية لرخص الVAR    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    ألونسو.. الأمل في استعادة فينيسيوس لتألقه مع ريال مدريد    21 يوليو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت خلال تعاملات اليوم    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر علي حريق مصنع زجاج بشبرا الخيمة| صور    انطلاق قطار مخصوص لتسهيل العودة الطوعية للسودانيين وذويهم لوطنهم بعد قليل    انخفاض أسعار الدواجن اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    أسامة الأتربي مساعدا لأمين عام "حماة الوطن" بالقاهرة    يوم الصفر.. اختراق عالمي يضرب عشرات المؤسسات الحكومية الأمريكية بسبب ثغرة في خوادم مايكروسوفت    السبكي: نسعى لترسيخ نموذج متكامل للرعاية الصحية يقوم على الجودة والاعتماد والحوكمة الرقمية    الصحة: توعية 457 ألف طالب بمخاطر الإدمان ضمن مبادرة «صحتك سعادة»    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    من داخل المتحف المصري رحلة عبر حضارة لا تنتهي    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 21 يوليو 2025    الزمالك يبحث عن عرض لرحيل أحمد فتوح في الميركاتو الصيفي    سعر الدولار اليوم الاثنين 21-7-2025 أمام الجنيه فى بداية التعاملات    أحمد مجدي: شخصيتي في «فات الميعاد» تعاني من مشاكل نفسية مركبة ومتورطة في الظلم    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    حديقة الحيوان تعود بحلة جديدة.. افتتاح مرتقب بعد دمجها مع الأورمان    إصابة عامل ونجله في مشاجرة بالبلينا بسوهاج    الجيش الإسرائيلي يحرق منازل بمخيم نور شمس ويواصل عمليات الهدم في مخيم طولكرم    مسيرة في تونس دعما للشعب الفلسطيني    كيف تتخلص من مرض التعلق العاطفي ؟    انفجارات في كييف ومدن أوكرانية أخرى    لكل ربة منزل.. إليكِ الطريقة المثلى لحفظ الفاكهة من التلف    المسلمون يصلون الفجر قبل وقته بساعة ونصف    مصروفات المدارس الحكومية 2025– 2026.. التفاصيل الكاملة وقواعد الإعفاء والسداد لجميع المراحل التعليمية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 21 يوليو 2025    «الرقابة النووية» تُنهي جولتها التوعوية من أسوان لتعزيز الوعي المجتمعي    نادية رشاد: أتمتع بحالة صحية جيدة.. وقلة أعمالي الفنية لضعف مضمونها    شقيقة أحمد حلمي عن منى زكي: "بسكوتة في طريقتها ورقيقة جدا"    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    إصابة 3 سيدات من أسرة واحدة في انقلاب سيارة ملاكي أمام قرية سياحية بطريق العلمين    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    فيديو- عالم بالأوقاف يوضح حكم إقامة الأفراح وهل تتعارض مع الشرع    رئيس "الحرية المصري": رجال الأمن خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والمخططات الإرهابية    التليجراف: وزير الدفاع البريطانى سيعلن حملة مدتها 50 يوما لتسليح أوكرانيا    «الراجل متضايق جدًا».. مدحت شلبي يكشف سبب أزمة ريبيرو مع إدارة الأهلي    يوسف معاطي: لست ضد الورش التي تكتب السيناريوهات ولكنها لا تنتج مبدع كبير    لا تأخذ كل شيء على محمل الجد.. حظ برج القوس اليوم 21 يوليو    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقبة الإسلامية (1)
نشر في الأهرام العربي يوم 23 - 01 - 2012

فى مصر شواهد على أنها تعيش حقبة إسلامية لأول مرة فى تاريخها الحديث منذ سقوط دولة الخلافة العثمانية عام 1924. والحقبة تعنى عصرا ذا ملامح محددة تتعلق برجال ومؤسسات وسياسات ومواقف بعينها تميزها عن غيرها من الحقب الأخرى. وللتبسيط فإن الكلمة والقرار فى هذه الحقبة يكون لقوة سياسية وثقافية بعينها، ويقصد بها هنا التيار الإسلامى السياسى. الشواهد على هذا التطور الخطير عديدة، فمع اندلاع ثورة 25 يناير 2011 اندفعت إلى سطح الأحداث قوى إسلامية مختلفة المشارب والأفكار وكانت لا تناصب النظام القديم أو الاتجاهات السياسية الأخرى العداء فقط، بل تتعارك مع بعضها البعض إلى حد التكفير، وفى أضعف الحالات التخوين. والمتابعون لتاريخ الجماعات الإسلامية فى مصر يعلمون جيدا وبالوثائق حجم العداء والخلاف الذى كان قائما مثلا بين الجماعة الإسلامية الجهادية والإخوان المسلمين وبينهما وبين السلفيين والصوفيين... إلخ، ولا يخفى أن مشاركة القوى الإسلامية المسيسة فى الثورة جاءت متأخرة أو بعد تردد، وتحديدا المشاركة من جماعة الإخوان المسلمين، بينما تأخر غيرهم لأنهم كانوا فى السجون، وما إن انهارت السجون حتى فوجئ الجميع بطوفان من الملتحين عرفوا بعد ذلك أنهم يسمون بالسلفيين، وهؤلاء جميعا احتلوا ميدان التحرير والميادين الأخرى وأقصوا القوى الشبابية الثورية (العلمانية والليبرالية أو «غير الإسلامية»)، ودانت الثورة لهم منذ أيامها الأولى.
وبعد أيام معدودة تكشفت بوضوح المصالحة التاريخية بين الجيش والإخوان، حيث اعترف المجلس العسكرى سريعا بالجماعة ومنحها الشرعية، مقابل استعادة الاستقرار ومنع انهيار الدولة .. ثم كان ما كان من حرية لم يسبق لها مثيل بإتاحة تكوين الأحزاب لكل من يريد طالما لديه بعض المتطلبات البسيطة، فإذا بالقوى الإسلامية على اختلاف مشاربها (ماعدا الصوفيين) تسارع بتشكيل أحزاب سياسية لكى تحجز لنفسها مكانا فى حكم مصر بإدارة شئونها. ولم يهتم المجلس العسكرى الذى كان معنيا باستقرار البلاد أكثر من أى شىء آخر آنذاك بأن الدساتير والقوانين السابقة فى مصر تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، لكنه وافق، ليس هو وحده، بل أيضا القوى الليبرالية والعلمانية والشيوعية التى لم تحتج بدورها خلال الثورة على قيام أحزاب سياسية على أساس دينى (مرجعية إسلامية). فقط الأقباط الذين لم يشاركوا فى هذه اللعبة غير النزيهة.. وعندما بدأ اختبار تأثير القوى الإسلامية فى الشارع اتضح أنه أقوى وأوسع وأعمق مما تخيلته هذه القوى ذاتها، وبالطبع فقد شكل هذا صدمة للتيارات العلمانية والليبرالية لم تفق منها حتى الآن ولن تفق قبل مرور وقت آخر طويل من الزمن. كان هذا واضحا فى استفتاء التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011، الذى جاءت نتيجته بنعم بنسبة مدهشة لصالح خطة الطريق التى وضعها المجلس العسكرى ولاقت هوى كبيرا لدى القوى الإسلامية بمختلف مشاربها إخوان، وجهاديين، وسلفيين، وصوفيين... إلخ، لأنها ببساطة فتحت الطريق واسعا لحكم الإسلاميين لمصر بعد عقود طويلة ظل فيها هذا الحكم بعيد المنال وحلما لأجيال الإسلاميين، جيلا بعد جيل. وتعززت قوة الإسلاميين بالفوز الكاسح الذى حققوه فى الانتخابات البرلمانية (مجلس الشعب)، حيث دانت لهم تقريبا ثلاثة أرباع المقاعد، النسبة الكبرى فيها للإخوان ويليهم السلفيون. يساندهم فى هذا دعم مجتمعى منقطع النظير ودعم سياسي نفعى ومؤقت من المجلس العسكرى الحاكم (حتى الآن). فالمجتمع بغالبيته أعطى صوته للإسلاميين بمختلف اتجاهاتهم السياسية، ليس فقط الفقراء من أبنائه كما يدعى خصوم الإسلاميين، لكن أيضاً من جانب قطاع عريض من الطبقة الوسطى المصرية ذاتها.
لقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر فى العقود الأربعة الماضية تحولت تماما إلى مجتمع محافظ تقليدى تسيطر عليه نخبة من المصريين الإسلاميين الذين عاشوا أو ولدوا فى دول الخليج السلفية، وتشبعوا بالتوجهات الوهابية أو غيرها من الرؤى الإسلامية المتشددة فيما يتعلق بتفعيل الإسلام على أرض الواقع. وهؤلاء لم يعودوا فقط قوة عددية ضخمة، بل أصحاب ثروة طائلة وجاهزون لتمويل أى قوة إسلامية تنقل الحكم إلى الإسلام السياسى بعد أن ظل حكرا على التنظيمات السياسية التى أقامتها ثورة 23 يوليو 1952.. ومثلما ساندهم المجتمع بشكل تلقائى، فإن المجلس العسكرى كان سعيدا بانتصارات الإسلاميين فى الانتخابات لأنها ببساطة تعنى العودة إلى وضع الدولة والتخلص من وضع الثورة أو بمعنى آخر العودة بالحكم من الميدان، حيث الفوضى والبلطجة والانهيار الاقتصادى إلى البرلمان، حيث الديمقراطية والشرعية الحقيقية والقانون والأمن والنهوض الاقتصادى.. فى ظل هذه التطورات أصبح خصوم الإسلاميين فى موقف يتسم بالارتباك أو كأنهم أصيبوا بالضربة القاضية فى حلبة مصارعة، وإلى أن يفيقوا من تأثير الضربة فإن وقتا طويلا سيمضى يكون فيه الإسلاميون قد أحدثوا بصمتهم فى الشارع المصرى وفى تاريخ مصر المعاصر..
هؤلاء الخصوم هم الذين رفعوا الإسلاميين على الأعناق فى ال 18 يوما الذهبية لثورة 25 يناير، وهذا مسجل بالصوت والصورة والكلمة، ومن تابعوا المشاهد طوال تلك الأيام فى ميدان التحرير وعبر شاشات الفضائيات وموجات الإذاعات، يتذكرون جيدا وحدة الكلمة والموقف والشعار التى جمعت بين شباب ورجال من مشارب فكرية وسياسية متناقضة. الانتهازية السياسية سمحت لهم بأن يتحدوا حتى يسقط النظام القديم، وهو ما حدث، لكن بمجرد أن زالت رموز النظام القديم وبدت فى الأفق ملامح تقسيم كعكة السلطة الجديدة حتى تم تسخير الانتهازية السياسية من الجميع لخدمة هذا الغرض تحديدا. الإسلاميون بقوتهم الشعبية وخبراتهم السياسية وقدراتهم التنظيمية العالية، وهم الإخوان هنا تحديدا، استطاعوا على وجه السرعة أن يقلبوا المائدة على رفقاء الأمس الذين رفعوهم على الأعناق! وشيئا فشيئا تم سحب البساط من تحت أقدام الثوار من غير الإسلاميين أو حتى من شباب التيار الإسلامى وأصبح القرار فى يد زعماء الإسلام السياسى المحنكين، فتبدل المشهد تماما حيث عادت البلاد إلى ما قبل 25 يناير بدون وجود مبارك وزمرته والحزب الوطنى ورجاله، لكن بوجود إسلام سياسى يخطط ويدبر ويوجه مسار الأحداث فى البلاد لن يسمح لغيره بأن يحرمه من سلطة الحكم التى ناضل من أجلها على مدى 83 عاما، ومجلس عسكرى يرتب لمستقبله بما يحافظ على شرفه العسكرى ودوره المحورى فى أى نظام سياسى جديد ومكافأته على حمايته للثورة ومساعدتها على النجاح وقيادته للبلاد طوال المرحلة الانتقالية. وكلا الطرفين: الإسلام السياسى والمجلس العسكرى متلاق حول هذه الأمور.. القصة لا تقف عند هذه المنعطفات الحاسمة فى تاريخ مصر المعاصر، بل لها فصولها الأخرى التى تتعلق بمراجعة التقديرات والأحكام المسبقة حول الإسلام السياسى والتى ثبت خطؤها، وبقدرة الإسلاميين على إدارة شئون البلاد وتحمل أعباء التركة الثقيلة، والمشروع الذى يتقدم به الإسلاميون للمصريين وقدرة الخصوم على إنهاء الحقبة الإسلامية أو استمرارها، وهو ما سنتناوله فى حلقات قادمة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.