«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفير نبيل فهمى: ثورة يناير أعادت الروح لريادة مصر الفكرية

ما ملامح الوجه الثورى لمصر عبر الحدود؟ الإجابة ترسمها ريشة سفير مصر سابقا بأمريكا وعميد كلية السياسات بالجامعة الأمريكية نبيل فهمى، التى غاصت فى ألوان شتى منها الأمريكية واليابانية لترسم لنا ظلالا وخطوطا أضاءت جانبا من اللوحة المبهمة للمرحلة الحالية التى أعادت لحام أوتار قيثارة الريادة الفكرية المصرية لتصدح فى ليبيا بملحمة البناء المؤسسى، وتنشد أهازيج الحوار الإيرانى، ويمتد صداها بدول الجوار الطبيعى والهوية والأطراف الفاعلة والمؤثرة فى مصالحنا حتى وإن لم يكن بشكل جزئى، وتطلق تنهيدة الخوف من انجراف سوريا لبراثن الحرب الأهلية، وتصرخ فى ميدان التحرير مؤكدة أن الدستور أهم من شخص الرئيس المقبل.. وذلك بأنامل واضحة وإيقاع شفاف كغلالة فجر 25 يناير أيا كان من يقود الأوركستر ا المصرى.
بداية.. تطرح الفترة الانتقالية التى نمر بها تساؤلات مهمة حول عملية مراجعة السياسة الخارجية المصرية التى طرح بشأنها آراء عديدة، فى مقدمتها كتاباتك ومقال السيد نبيل العربى قبل توليه منصب وزير الخارجية سابقا، والآن بعد مرور عام على ثورة 25 يناير.. ما تقييمك لتلك العملية؟
مراجعة السياسة الخارجية والداخلية لأية دولة فى العالم عملية دورية تتم بشكل منتظم كل 5 سنوات أو مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما لم نكن نفعله وبطبيعة الحال نشرع بعد فيه ويجب أن نؤسس لتلك المنهجية مستقبلا، وعندما تقع حوادث تاريخية كبرى تمثل نقاط تحول فارقة تعطى زخما لعملية المراجعة ويضغى عليها طابع التلقائية ويخرجها من القيود النمطية التقليدية على نحو ما حدث فى أعقاب ثورة يوليو 1952 من تبنى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وقادة الثورة لشعارات الحرية والقضاء على الاستعمار وزعامة مصر لحركات التحرر فى الدول النامية، وتلك الرسالة الخارجية لم تكن موجودة فى عهد الملك، ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 لتؤثر فى التوازن الدولى بإخراج السوفيت ليس فقط من مصر بل من الشرق الأوسط كطرف كان الاعتماد عليه بشكل أساسى، لدرجة أن كيسنجر إبان أول أو ثانى زيارة له إلى مصر قال للرئيس السادات: لماذا لم تخبروننا بتلك الخطوة لنمنحكم بدائل أو مقابلا؟ وبالطبع كانت تلك عبارة جوفاء لأن من المعروف أن الرئيس السادات كان قد أرسل فى أواخر عام 1971 أو 1972 مسئول الأمن القومى حافظ أبوإسماعيل آنذاك مرتين لكيسنجر ذاته يطلب منه المساعدة فى عملية التفاوض، فكان الرفض الأمريكى هو الرد والذى يرجع إلى حوار الأمريكان مع السوفيت ومن ثم سقوط الحاجة للتحاور معنا. وهكذا غيرت حرب أكتوبر منهجية العمل المصرى وارتبطت بها أجندة السياسة الخارجية المصرية بحيث أصبحت أكثر انفتاحا على العالم، مع رغبة حقيقية فى الوصول إلى حل تفاوضى بتحرك متنوع داخليا وخارجيا وقيادة ما يسمى عملية السلام وإعادة التوازن العربى من مسمى عدم الانحياز مع ميل من الشرق إلى الأوسط وانفتاح على أمريكا والغرب عامة. وأخيرا جاءت ثورة 25 يناير عقب سلسلة من الأحداث التاريخية الأخرى، وإن كانت تحوز السبق عليهم من حيث الأهمية، فقد خلق الشارع وضعا جديدا وأضحت الفرصة مواتية لخلق منظومة خارجية جديدة نتيجة الأحداث بصرف النظر عن ضرورة مراجعتها دوريا، فقد فرض الرأى العام نفسه كطرف مؤثر فى الأحداث يحسب له ألف حساب داخليا وخارجيا بعدما كان خارج المعادلة تماما، ومنحتنا الثورة فرصة لقيادة المنطقة فكريا بمزيد من الديمقراطية، والعدل الاجتماعى والمشاركة الشعبية فى اتخاذ القرار، فالريادة الفكرية كانت جوهرة تاج مصر خارجيا منذ العهد الناصرى بفلسفة حركات التحرر، وأثناء الحقبة الساداتية بقيادة عملية السلام والانفتاح على باقى العالم، هذا من الناحية السياسية، ناهيك عن الشقين الثقافى والاجتماعى، وكلاهما لا يزال مستمرا، فبعد ثورة 26 يناير والتى لا يزال الطريق أمامها طويلا، أضحى العالم ينظر إلى مصر بعين الاعتبار كقيادة للمنطقة، وتحضرنى فى هذا الصدد واقعة بالغة الدلالة جرت أواخر شهر فبراير الماضى بعد انتهاء المرحلة الأولى للثورة بأسبوعين تقريبا جرت وقائعها بأحد المؤتمرات المهمة عن نزع السلاح والتى كنت حاضرا بها كخبير لا أمثل سوى نفسى بحضور120 خبيرا وتحت رئاسة أمريكية للمؤتمر والمتحدثة الرئيسية فرنسية، والتى قلبت طاولة المؤتمر رأسا على عقب وأجلت الجلسة الأولى لمدة ساعة ونصف الساعة بكلمة واحدة منها طلبا لنقطة نظام فى بداية الجلسة الأولى، فما كان من رئيس المؤتمر إلا أن اندهش لعدم وجود مبرر لطلبها وفاعليات المؤتمر لم تبدأ بعد، فأشارت نحوى قائلة: كيف نتحدث عن السلام ونبيل فهمى المصرى هنا؟ الأهم هو ما يجرى على أرض مصر الذى يصل صدى تأثيره إلى العالم العربى بأكمله، أما موضوع السلام فهو مطروح منذ 60 عاما وسيظل، وتم منحى بالفعل ساعة ونصف الساعة إضافية، وهكذا تحولت إلى طرف فاعل فى الأحداث.
ولسوف تستمر الأحداث الداخلية عنوانا للعام الحالى، كما كان سابقه وهو أمر تفرضه ضرورات المرحلة بطبائع الأمور، أما السياسة الخارجية فإنها فى الأغلب ستكون رد فعل للأحداث، لكن فى ذات الوقت يجب استثمار الفترة الزمنية الممتدة حتى يونيو المقبل، موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية أو حتى خلال الأشهر الستة الأولى لولاية الرئيس المقبل فى بلورة تصور مستقبلى من قبل وزارة الخارجية المصرية وبالتعاون مع مؤسسات الدولة المرتبطة بالعمل الدولى عن طبيعة المجتمع الدولى بعد 20 سنة من حيث عناصر القوة التى مرت بتطور تاريخى من القوة العسكرية البحرية إلى الجوية ثم الإلكترونية، ما شكل المنظومة الدولية فى ظل تغير تعريف مفهوم السيادة بنظرياته الجديدة المطبقة من حيث حق حماية المواطن وتبادل المعلومات؟ ما شكل المنطقة إقليميا، ويهمنا فى هذا الصدد تحديد شكل العالم العربى هل سيكون لدينا 22 دولة أم 24 أم 12 دولة كيف ستكون مقسما؟ ما تصورنا للتجمعات الإقليمية هل سيكون لدنيا تجمع واحد أم أكثر؟ ولا يفترض الصحة المطلقة فى مثل تلك التصورات وهى بالأساس مسئولية العناصر الفنية بوزارة الخارجية والمخابرات والأمن القومى بتشكيل لجنة من الخبراء تضع رؤية بتحديد المناطق الجغرافية التى تدخل فى نطاق اهتمامنا بشكل خاص ورصد مواطن الموارد الطبيعية، ورسم تصور للوضع المائى خلال السنوات العشر المقبلة، والأمن الغذائى كذلك، بحيث أضع أمام صانع القرار المعلومات والبدائل التى يختار وفقا لها السياسة التى سوف يتبناها، وهو له مطلق الحرية فى هذا الشأن أن يختار وفقا لتوجهاته، ولكن أن تكون القاعدة المعلوماتية متوافرة أمامه، وتحدد له أهم المخاطر والتحديات فى إطار دراسة أو أكثر خلال العام الحالى يتم بناء عليها تحديد أولويات مصر بعد عدة سنوات من 5 إلى 20 سنة، من هنا تنبع أهمية العام الجارى كفرصة للإعداد والدراسة ليس المبادرات بحكم الظرف الداخلى الذى يفرض نفسه.
وتجب ممارسة السياسية الخارجية بشكل أكثر شفافية بين المواطن و الحاكم وألا تكون السياسة الخارجية رد فعل لأعلى اتهام ثم توجيهه إلينا من دقائق، وأن أحدد معنى الأمن القومى المصرى ليس بالمفهوم النظرى الذى ينصرف إلى الدفاع عن الحدود، فلقد اختلف عنه من عشر سنوات مضت ، وأروى لكم قصة ذات دلالة فى هذا الشأن جرت فى نوفمبر 1999 ، عندما ألقيت أول خطاب لى بواشنطن فى مركز بحثى شهير، وبنهاية الجلسة طرح أحد الحضور سؤالا على حول استعداد مصر لدخول حرب إلكترونية من عدمه؟ فقلت له أتمنى ذلك، ولكم أن تتخيلوا تعليقات الصحف الصادرة فى اليوم التالى التى كانت أهدافها أن السفير المصرى بواشنطن يتمتع بخفة ظل! والمسألة لا تقتصر على الدول النامية فقط، بل حتى الدول المتقدمة، فمنذ أسبوع جمعتنى بالكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان جلسة حوارية اعترف أثناءها أنه عبر كتابه الأخير الصادر منذ حوالى 5 سنوات بأنه لا توجد إشارة واحدة لكلمة «فيس بوك»، وأن «تويتر» كان فى عرفه مجريد تغريد عصافير، لكن الساحة تغيرت الآن بالكامل وتعريف القوة والمخاطر والتحديات يختلف من سنة لأخرى، والثوابت لدينا فى القيم وإن كانت هى الأخرى تتعرض للتغيير، ويجب النظر إليها بشكل عملى محدد فى ضوء تفاعلات ثورة 26 يناير، علينا تبنى بعض المفاهيم القديمة وأخرى جديدة لضبط أنماط الحركة، مع إبراز مبدأ سيادة القانون والحريات كعنصر أساسى للمواقف السياسية، فضلا عن الشفافية التى أؤكدها بشدة طالما أننا نطمح لتنفس هواء الديمقراطية، فهما صنوان لا انفصام بينهما عمادهما حرية تداول المعلومات، ولا تزال غائبة للأسف، فعلى سبيل المثال حتى هذه اللحظة لا نعلم شيئا عن التحقيقات التى جرت بشأن حادث الاعتداء على الحدود المصرية وما تلاه من تداعيات، ولابد من إعادة إحياء الريادة الفكرية لمصر إقليميا كما كانت فى سابق عهدها، فلاتزال ذاكرتى تحتفظ بكلمات نيلسون مانديلا فى خطابه بجامعة ميرلاند بأمريكا بالمحاضرة السنوية لأنور السادات التى امتدت لمدة 45 دقيقة أمام 8 آلاف شخصية مهمة قائلا لهم: وقت أن كنتم تعتبروننا ضمن دائرة النسيان كان لدنيا مكتب بالقاهرة فى عهد ناصر لتأييد حركات التحرر وشارع طه حسين شاهد على ذلك، هذا على الرغم من أن نصف الحضور لم يكن يعلم من هو ناصر والنصف الباقى يكن له مشاعر الكراهية. كذلك أنور السادات اتخذ قرار الحرب إراديا وليس بقرار من مانحى السلاح. وهكذا تكون الريادة المصرية فكريا وليس بالضرورة ماديا، كما كانت فى العالمين العربى والإفريقى بصرف النظر عن جنوح بعض الرؤساء يمينا أو يسارا، لكنها لا تكون رد فعل للدولة العظمى.
أخيرا تأتى خطوة تحديد الأهداف والأولويات تبعا لمناطق العالم جغرافيا والتى أقسمها لدوائر ثلاث، الدائرة الأولى وتشمل دول الجوار الطبيعى «ليبيا والسودان وفلسطين»، دول الهوية وهى الدول العربية ،ودول حوض النيل، حيث الموارد الطبيعية مع إدارة العلاقة معها بحساسية خاصة وتحديد أهدافنا بيقين أنها ذات عائد إيجابى للطرفين على المدى البعيد.
أما الدائرة الثانية فتدخل فى نطاقها دول الدائرة الأولى بالإضافة إلى الدول المحورية فى الوضع الدولى أو فى نطاق مصالحنا المباشرة كالدول الأوروبية، باقى دول القارة الإفريقية، الدول النووية الخمس، بجانب القوى الصاعدة كالبرازيل، الهند والصين ذات التأثير الجزئى فى مصالحنا وإن لم يكن يتجلى فى كل الأزمات، هذا فضلا عن أمريكا بطبيعة الحال وباقى دول مجلس الأمن الدولى لامتداد نفوذها بشكل يفوق المدى الطبيعى على البساط الدولى.
وأخيرا نتحدث عن الدائرة الثالثة التى تشمل ما سبقها فى دائرتين، بالإضافة إلى باقى دول العالم وتحتاج إلى علاقة ذات شكل خاص فى ظل العولمة، وتشعب جميع العمليات التجارية مثلا، والخلاصة أنه لابد أن نعكف فى العام الحالى على الدراسة، وضع تصور مستقبلى، تبنى فلسفة جديدة فى ضوء الثورة، اعتماد سياسة خارجية ذات شفافية عالية، تحديد الأهداف بوضوح تبعا لأهمية الدول بالنسبة لنا وليس من منطلق الاتفاق أو الاختلاف معها، بل مدى حساسيتها لنا لإدارة الاختلاف معها بنجاح، ووضع عصارة تلك الخطوات فى كتاب أو دراسة يطلع عليها من هم فى دوائر صنع القرار و المواطن الذى يملك حق محاسبتهم.
مع التفوق اللافت للأحزاب ذات الصبغة الإسلامية فى مجلس الشعب الأقدم، تعالت أصوات تطالب بإسقاط شرط أن يكون وزير الخارجية ابنا للمؤسسة الدبلوماسية تماشيا مع المناداة بأن يكون وزير الداخلية مدنيا.. كيف ترى ذلك؟
كمواطن مصرى عايش تفاعلات الثورة فى مراحلها الأولى أفضل أن يكون شخص وزير الخارجية غير حزبى، خصوصا أن الخارجية تتمتع بميزة خاصة كونها جهازا غير حزبى لا يسمح لأعضائه بالعمل الحزبى وإن كان يمنحهم حق التصويت، وذلك تجنبا لانعكاس أيديولوجية الحزب على رأيه.
وفى اعتقادى أن المشكلة ليست فى انتماء وزير الخارجية لحزب من عدمه، وإنما فى تحرره من التوجهات الحزبية عند ممارسة عمله.
ما تأثير صعود الحرية والعدالة خاصة والتيار الإسلامى عامة للسلطة على السياسة الخارجية المصرية؟ وما توقعاتك لشكل العلاقة مع إيران وإسرائيل تحديدا؟
لكى أكون صادقا وتلك هى عادتى فى الصعوبة بمكان تحديد التأثير المتوقع طالما أن تلك الأحزاب لم تعلن بعد عن الملامح العامة للسياسات الخارجية التى سوف نتبناها، ومن ثم فإن إجابتى تأتى فى نطاق التطلعات لا التوقعات، وذلك فى ضوء رصد التأثير الذى تجلى حتى الآن فى مجاهرة من كان يتردد فى السابق بالخارج بالإعلان عن اتصاله بالإخوان، بل لقد وصل الأمر أنه ما من مسئول أجنبى زار مصر أخيرا إلا وطرق بابهم باعتبار أن حزب الحرية والعدالة سيكون طرفا ما فى المواقف السياسية المقبلة، وقد سبق وقلت عام 2008 بأمريكا «من السذاجة تصور أنه لا توجد اتصالات بينكما».
أعتقد أن التركيز الحزبى لن يكون خارجيا فى المرحلة الحالية، كما ذكرت بشكل عام فى البداية أن العام الحالى لن يكون عام مبادرات، بل ردود أفعال، وكلما بدأنا بالكيان الداخلى وإعادة ترتيب البيت من الداخل، اكتسبت سياستنا الخارجية مستقبلا مريدا من القوة أيا كان الحزب الذى حظى بالأغلبية البرلمانية.
وبالنسبة للعلاقة مع إيران فإن تطورها مرهون بإقامة حوار فيما يمثل الجسر الوحيد لحل الأزمات والمشاكل العالقة بين البلدين، سواء اتفقنا أم اختلفنا، فلابد من إعداد ملفاتنا جيدا لبدء هذا الحوار أيا كانت تشكيلة الحكومة المقبلة.
أما بشأن العلاقة مع إسرائيل، فقد أيقنت بعد الثورة أهمية الشارع المصرى، و لابد لصانع القرار هناك أن يضع فى اعتباره وزن الرأى العام بمصر من الآن فصاعدا، فضلا عن القوى ذات الأغلبية بالبرلمان، ولقد أشرت إلى أن الشارع أضحى رقما مهما فى معادلة العلاقات المصرية - الإسرائيلية، عبر الكلمة التى ألقيتها بمؤتمر مدريد منذ عدة أيام، حيث قلت بالحرف الواحد: لقد كنتم تطالبون المؤسسات الرسمية العربية بمخاطبة الرأى العام الإسرائيلى، وبات عليكم اليوم التوجه بخطابكم إلى الرأي العام العربى.
هذا بجانب أهمية مواصلة عملية السلام الشامل فى الشرق الأوسط سعيا لحل القضية على المسارين السورى والفلسطينى بالتفاوض كهدف وخيار إستراتيجى.
أما بشأن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، فأرى ضرورة تعديل الملف الأمنى لارتباطه أساسا بوضع كان قائما منذ 30 عاما وأضحى غير ملائم اليوم.
كما أرى أن ردود أفعالنا لأية تجاوزات إسرائيلية يجب أن تتسم بالقوة والوضوح وفقا للحالة وبما يتناسب مع كل حادث، لأن عدم اتخاذ رد فعل قوى يبعث برسالة ضعف للطرف الآخر، وأخيرا يجب على من يتحمل مسئولية القرار أن يتذكر دائما أنه يمثل الشعب بأكمله.
فيما يتعلق بالجزئية الخاصة بإيران، تجدر الإشارة إلى أنه فى عام 1994 اصطحب السيد عمرو موسى، وزير الخارجية آنذاك نظيره الإيرانى كمال خرازى إلى المطار، واتفقوا على ورقة مصرية وأخرى إيرانية، وذهب خرازى وذهبت المبادرة مع الريح، ثم شهدت القمة العربية عام 1996 محاولة من جانب السيد فاروق الشرع باءت هى الأخرى بالفشل، فهل الأسباب التى أدت إلى وأد المحاولات السابقة لاتزال قائمة بعد ثورة 25 يناير؟
فى العمل الخارجى والداخلى تظل احتمالات الفشل أو النجاح قائمة ولو حتى جزئيا، لكن عوامل فشل إقامة علاقة مع إيران فى الماضى ترجع إلى وجود تيارات سياسية بإيران لم تكن ترى داعيا لذلك، ولم تكن لديها الرغبة للدخول فى علاقة حقيقي مع مصر، ثم عندما دخلت عملية السلام مرحلة معينة بمجىء أبوعمار ورابين هدأت إيران لأنها وجدت تحركا لا تملك إيقافه، إلى أن تعثرت عملية السلام وتبدلت المعطيات على الساحة الإقليمي بانفجار حرب الخليج الثانية، ثم الغزو الأمريكى للعراق، وما نجم عنه من زيادة نفوذ إيران واتساع دورها بالبحر الأبيض المتوسط، إذا لم تكن هناك جدية متصلة من الطرف الإيرانى لإقامة علاقة مع مصر.
أيضا على الجانب المصرى كان الاستعداد موجود لكن لم تكن الرغبة متوافرة، ووقعنا فى خطأ النظرة الأمنية لإيران برهن الحوار معها بحل المشاكل الأمنية، والتى لايزال جزء منها قائما حتى الآن ويجب علينا أن نبدأ اللعب مبكرا.
أشرت أو بالأحرى قمت بصك مصطلح «القوة الفكرية للدولة»، وهو ساحة تميز لمصر لا يقارعها فيها أحد حضاريا وثقافيا، لكن على الجانب الآخر هناك الدور المتزايد لمنظمات حقوق الإنسان، الملكية الفكرية، تبادل المعلومات، والمجتمع المعرفى، فنحن أمام مظهر قديم قوى وآخر حديث ضعيف فكيف يمكن تفعيل القوة الفكرية للدولة فى هذين الاتجاهين؟
لن يكون من السهل استعادة زمام القيادة الفكرية المصرية للمنطقة انطلاقا من النقطة التى وصلنا إليها بفعل أخطاء الماضى الذى ألقى بالرأى الآخر تحت المائدة، فأصبح الرأى القائم ديماجوجيا، مكررا وغير خلاق هذا من ناحية أولى.
ثانيا، يجب ألا نتعامل باستخفاف بقدراتنا الخلاقة التى كشفت عنها ثورة 26 يناير النقاب، كقطعة ألماس كانت مختبئة تحت الزى وتبحث عمن يعيد اكتشافها، ولقد شاهدت هذا البريق ضمن المجموعة التى كانت تجتمع بدار الشروق وأطلق علينا البعض «مجلس الحكماء» دون ادعاء مننا بذلك، لكن المهم أن الشباب الذى يحضر معنا كان رائعا مبهرا، وأغلبه من أبناء التعليم الحكومى المصرى.
ثالثا، تتمتع مصر بميزة فريدة تتجسد فى ديناميكية التفاعل بين مختلف فئات وتوجهات الشعب، فيما يعد عنصرا أصيلا لتعريف القوة الفكرية بخلاف المدلول الثقافى الذى لايزال حاضرا بقوة فى الصورة العامة لمصر، واللافت للنظر غياب تلك التركيبة الفريدة عن باقى الدول العربية، فتونس مثلا وإن كانت شريحة الطبقة الوسطى لديها أعلى من مصر، لكنها تفتقد للتنوع المذكور فكريا، فضلا عن اتساع نطاق العلاقة المنفتحة على العالم مصريا عنه فى تونس، وهو الأمر الذى يفسر فوز 4 شخصيات مصرية بجائزة نوبل، فيما عدا اليمن أخيرا بحصول الناشطة توكل كرمان على نوبل للسلام.
ولاتزال مصر فى المقدمة من حيث الريادة الفكرية، ويجب طرح النموذج القدوة بتبنى قيم الحرية والعدالة، وأنا أتعجب هنا دون تسمية أشخاص بعينهم، حتى تصريحات السادة المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية التى ترفع شعار الريادة المصرية دونما تحديد آلية تنفيذ ذلك.
ما رؤيتك لوضع الدستور قبل الانتخابات الرئاسية؟
أدى غياب خارطة طريق واضحة إلى المطبات التى تتعثر فيها أقدامنا اليوم، وأرى أنه كان يجب وضع الدستور أولا ثم انتخاب الرئيس، أو كما فعلت تونس اختيار رئيس مؤقت بجانب مجلس دستورى لإعداد الدستور، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك لأن الشعب الذى قام بالثورة رغم اختلاف انتماءاته السياسية ومشاربه الفكرية، فإنه التف حول هدف ومطلب واحد مشترك ألا وهو المشاركة فى اتخاذ القرار وخلق حالة من توازن القوة وتوافق الأهداف وهو ما دفع الجيش للنزول بجانب الثوار.
هذا بالإضافة إلى عامل آخر يبرر الرأى الذى نادى بوضع الدستور أولا بهدف الاحتفاظ بالتوافق أطول فترة ممكنة، وهو ما لم يكن يتأتى إلا بالتركيز على الدستور كوثيقة توافقية، أما الانتخابات فإنها بطبيعتها خلافية تنافسية ناهيك عن عدم استعداد جميع الأطياف السياسية والأحزاب الجديدة لخوض تلك التجربة المهمة فى تاريخ مصر. لكن على أية حال لقد انتهت تلك القصة الجدلية.
والأهم من شخص رئيس الجمهورية إعداد الدستور الذى أرى حزمته توفر 4 مبادئ عامة تطبق على جميع الأمور مثار الجدل وتحسمها كدور الدين فى الدولة، ميزانية المؤسسة العسكرية، سلطات رئيس الجمهورية.
أولا الشفافية لحماية المواطن والسلطة معا منعا لتفشى الشائعات وغياب المعلومات، وهذا لا يعنى علانية جميع الجلسات بل شفافية اتخاذ القرارات.
ثانيا، المحاسبة لتحجيم الفساد الذى يوجد فى كل مكان وزمان، لكنه يستشرى لغياب المحاسبة وعدم وجود مرجع للمعلومات.
ثالثا، الشمولية أو ما يسمى المواطنة، فالدستور للجميع، لكل المواطنين وإن كانت الأغلبية إسلامية لكن الكل يجد له مكانا بصرف النظر عن الدين أو العرق أو النوع.
رابعا. التنافسية بمعنى عدم تأسيس نظام يشرع للمركزية.
كيف يمكن العمل على إقامة لوبى مصرى فى أمريكا؟
هذا السؤال فى محله تماماً إن معضلة اللوبى المصرى بأمريكا أننا نقترب من الفكرة عبر البوابة الخطأ وهو ما جعل المحاولات الماضية تبوء بالفشل لأن هذا الواقع يجب أن يخلقه العرب أو المصريون الأمريكيون، وهذا بالإضافة إلى ضرورة فهم وتقدير حجم المشكلة والتحدى والقدرات لأنك تتعامل مع قارة تصل حجم الجالية المصرية بها إلى حوالى800 ألف مصرى من كل الأجيال، والتعامل معهم بالصفة الأمريكية لا يعد من قبيل التخوين بل إنه يخولهم الحق فى الدخول فى جدال مع نواب الكونجرس بشأن القوانين الأمريكية وليس فقط التركيز على القضايا الكلاسيكية كالقدس رغم أهميتها.
ومن المفارقات أن أحد أصدقائى من النواب الأمريكيين قام بالتصويت ضد مصر فى كل القرارات الصادرة على مدى السنوات التسع التى قضيتها بأمريكا، برغم أن أشد النواب عداء لنا يتجاوزون الأمر وإن يكن مرة واحدة وعندما سألته أجاب :أنا مقتنع بكلامك، لكن فى دائرتى 80 ألف مصرى أمريكى وأقل من 30 ألف أمريكى يهودى يمينى، والفريق الأول لا يقوم بالتصويت ولا يقدم تبرعات، فإن لم أؤيد موقف الفريق الثانى ربما لن أتمكن من مقابلتك مرة أخرى!.. هذا بالطبع لا ينبغى تقدم عرب أمريكا وتطور منظماتهم كلجنة مناهضة التمييز العنصرى ،ADS والمجلس العربى الأمريكى خصوصاً بالولايات ذات الكثافة العربية العالية مثل ولاية ميتشتجان.
ولكن للأسف لم ينتخب عبر التاريخ مصرى أمريكى بالكونجرس برغم انتخاب أمريكيين من أصول شامية بل وفلسطينية، والمدخل لذلك كما قلت ينبع من هناك وليس من هنا.
ما السيناريوهات المتوقعة من الجانب الأمريكى للتعامل مع الثورة المصرية، على خلفية الشد والجذب فى قضايا مختلفة لعل أبرزها ملف التمويل الخارجى ومنظمات المجتمع المدنى؟
هذا السؤال أيضاً على قدر كبير من الأهمية لأنه على الجانب الأمريكى هناك حالة من الحيرة تبدت فى سؤال عكسى طرحه خبير أمريكى فى الشرق الأوسط عبر حوار دار بيننا أخيراً، ولكن برغم ذلك لديهم ملايين السيناريوهات حتى قبل اندلاع الثورة كان لديهم سيناريو الوفاة، التوريث، انهيار الدولة واحتمالات أخرى، السيناريو الوحيد الذى سقط سهواً من حساباتهم هو “الثورة" التى فاجأت الجميع.
وبالنسبة لأزمة المجتمع المدنى، فأنا أؤكد هنا مبدأ ثابتا يتمثل فى ضرورة احترام كل منظمة أجنبية تعمل داخل مصر للقانون المصرى ويجب على من قام بالثورة النظر إلي موضوع المجتمع المدنى بفلسفة جديدة إلى جانب حسم الموقف الرسمى من طلبات الترخيص لتلك المنظمات، وعدم ترك الأمر معلقاً، لأن هذا يفسح لها المجال لممارسة نشاطها.
ومنذ عدة أيام جاءنى وفد أمريكى يذرف الدموع على ما آلت إليه تلك المنظمات، ولكننى ألقيت باللائمة عليهم لعدم احترامهم القانون الذى ينبغى أن يطبق على الجميع ويحترمه الأطراف جميعاً.
هل هناك احتمالات لممارسة المجتمع الدولى ضغوطاً على مصر للتأثير على سير محاكمة الرئيس مبارك، على خلفية الأصوات التى تعالت أخيراً تندد بعقوبة الإعدام؟
من الناحية القانونية لا يوجد اتفاق بين أطراف المجتمع الدولى بشأن عقوبة الإعدام، فأمريكا مثلاً تطبقها، أما أوروبا فتعارضها، لذلك لن نجد موقفاً موحداً من ناحية تلك العقوبة كجانب للقانون الإنسانى، وأما الموقف السياسى فيعتمد على مدى الاهتمام بالقضية وهو ما يرى خارجياً وداخلياً، ولدينا فى هذا الصدد نموذج مانديلا بجنوب إفريقيا والذى واجه اتهامات قتل ونهب وسرقة دونما أحكام صادرة ضده، والنقيض فى ذلك نموذج القذافى وتقع الحالة المصرية فى الوسط بين النموذجين، وفى النهاية الأمر برمته يرجع إلى المحكمة.
ما رؤيتك لما يموج به المشرق العربى من تغييرات عما يجرى بسوريا، حديث البعض عن سايكس بيكو جديدة،و إثارة موضوع الأقليات كيف تقيم الوضع الحالى؟
يمر المشرق العربي بتغييرات جذرية، بداية من الغزو الأمريكى للعراق، والحديث عن مخططات لإعادة تقسيم ورسم المنطقة ووجود مؤامرات قد توجد وقد لا توجد، لكن الحقيقة الثابتة أن المنطقة العربية سوف تظل فريسة للمؤامرات الخارجية طالما أن الكيان الداخلى ضعيف ،وهذا ما يفسر عدم تعرض مناطق أخرى غنية بالموارد الطبيعية لمؤامرات مماثلة، وسوف يسأل البعض من هما الأطراف الضالعة فى المؤامرات، ومن البديهى أن تكون الإجابة فى أطراف ثلاثة مبدئياً، وهى من له مصلحة فى استمرار تدفق النفط، وإسرائيل التى تسعى لتجنب أية مواجهات محتملة سياسياً أو عسكرياً، وإيران لأسباب تاريخية قديمة أو توازنات جديدة.
ولكننى لا أقبل تخوين أى طرف عربى أو اتهام الثورة السورية بالتعاون مع الغرب، فأنا أرفض التخوين فضلاً عن غياب الأدلة والمعلومات، ومن ثم يمثل هذا الاتهام ظلما بينا للطرف السورى الثائر، والوضع بسوريا فى منحدر خطير للغاية كما عبر عنه د. نبيل العربى، أمين عام جامعة الدول العربية بأنهم على مشارف حرب أهلية، وتحرك الجامعة العربية جاء لمنع تدويل الأزمة، ولكن القضية ليست فى التدويل من عدمه بل فى الحرب الأهلية، وتدمير سوريا، كبقية الموازنة بين الحفاظ على وزن سوريا الإستراتيجى، والخلافات الداخلية السورية السورية والذى لا سبيل لحله سوى عبر الحوار.
وهناك محاولات لتفكيك المنطقة من أطراف غير متآمرة مع بعضها البعض، لكن جميعها متآمر علينا والبعض متآمر مع البعض، ولكن هذا لا يعنى أن المواطن العربى متآمر مع الآخرين، والأطراف المتأمرة تذهب إلى مناطق الضعف إلى الساحات المتاحة كالدول العربية التى تعانى مشاكل بدرجات ونسب مختلفة تسجل درجات عالية فى الدول التى شهدت ثورات كمصر، وتونس، وليبيا، ما الذى يجعل تلك الثورات تشتعل وتشهد تحركا نحو الإصلاح بالمغرب، اضطرابات باليمن وبالبحرين لوجود 3 مشاكل بنسب مختلفة.
أولاً غياب الحكم الرشيد، ثانياً العالم العربى متوسط العمر به 26 سنة، ٪56 من الشعب المصرى 25 سنة فأقل، الشباب عامة يريد التغيير، ثالثاً العالم العربى شاء أم أبى هناك حقيقة واقعية تتمثل فى التبادل المفتوح للمعلومات عالمياً وسجلت سوريا موقعاً متأخراً فى هذا المجال.
وبعض تلك العناصر قائم فى عدد من الدول الآسيوية وبعض دول أمريكا اللاتينية، لكنها لا تعانى غياب الحكم الرشيد كما هى الحال فى الدول العربية على النحو الذى تؤكده تقارير التنمية العربية.
وأخيراً أود أن أختم بأمرين فى غاية الأهمية، الأمر الأول يتمثل فى الفرصة القائمة بليبيا لتقديم الدعم الفنى لها عبر لجنة قومية من الخبراء لمساعدتها فى بناء مؤسساتها، فالعلاقة بيننا يجب ألا تتمحور حول العمالة فقط، وهو أمر عائده كبير بتكلفة بسيطة، الأمر الثانى يتمثل فى التعاون مع الدول الإفريقية المجاورة، فالتجربة المصرية فى إفريقيا كانت قائمة بالأساس على الريادة الشعبية سواء من جانب ناصر أو السادات، ومستقبلاً ينبغى تنشيط الاستيراد فى إفريقيا لأنه فى نفس قوة الاستثمار بها وإن يكن أوفر، وبحيث نصبح سوقاً للمنتج الإفريقى لخلق روابط مشتركة وتحديداً استراد اللحوم.
يجب علينا الدخول فى علاقات مع الدول الأخرى، وفى أذهاننا الأهداف المرجوة بوضوح وليس تبادل شكلى للزيارات فلابد أن ينتهى عهد التقاط الصور والمصافحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.