الحوار مع الدكتور صلاح يوسف أول وزير زراعة بعد الثورة، فتح العديد من الملفات المسكوت عنها والتى تحتاج إلى سرعة المكاشفة لوقف نزيف الهدر والفساد فى قضية استيراد القمح من الخارج، حيث أكد أن مصر لا تحتاج سوى 1.5 مليون طن قمح سنويا لسد الفجوة الغذائية، وبرغم ذلك نستورد نحو 8 ملايين طن، مما يعنى أن هناك 6.5 مليون طن ضائعة، إضافة إلى أن الدولة فى النظام السابق كانت تعطى الأموال لبعض رجال الأعمال لاستيراد القمح نيابة عنها. وكشف عن العديد من القضايا التى تهم المواطن المصرى والعربى، إضافة إلى ضرورة تبنى إستراتيجية زراعية واضحة المعالم تقوم الحكومات المتعاقبة على تنفيذها «الأهرام العربى» فتحت عدة قضايا مصرية وعربية من خلال خيوط هذا الحوار. هل نعانى من أزمة لتوفير احتياجات المواطن العربى من المحاصيل الزراعية؟ بالتأكيد هناك أزمة فى توفير المواد الغذائية وهى تختلف من دولة إلى أخرى طبقا للإمكانات المادية والتكنولوجية والزراعية المتاحة. وماذا نحتاج لتحقيق التكامل الاقتصادى الزراعى العربى؟ لابد من معرفة مفهوم إدارة الموارد، لأننا فى العالم العربى نعانى من أزمة إدارية برغم أننا نستطيع تجاوزها ولا يمكن تحقيق اكتفاء زراعى عربى إلا بعد أن نحقق اكتفاء ذاتيا داخل كل دولة، إضافة إلى إرساء تشريع قانون يسمح للمستثمرين العرب بتادل الاستثمارات داخل الدولة العربية بشكل موحد، وقتها نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتى، لاسيما أن هناك حاليا تعاونا محدودا بين الدول العربية فى تبادل المحاصيل الزراعية، ولكن المشروع يسير على استحياء ويحتاج لبعض الدعم، خصوصا ما يتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح. على ذكر القمح لماذا لم نستطع حتى الآن تحقيق الاكتفاء الذاتى منه برغم ما تتميز به مصر فى زراعته؟ لأن المنظومة السياسية والاقتصادية للدولة تدار بشكل خطأ نحن نستهلك من 9 إلى 10 ملايين طن قمح وننتج 8.30 مليون، وبالتالى نحتاج إلى استيراد 1,30 مليون طن، إلا أننا نستورد 8 ملايين طن بسبب ما يتعرض له القمح من إهدار وتهريب، فمنظومة الفساد منتشرة فى مصر وعرفت خلال عملى بالوزارة أن أغلب ما تستورده الحكومة من الخارج يعانى من شبهة فساد، فبعض المستثمرين فى عهد مبارك كانت الحكومة تمنحهم الأموال من خزينة الدولة لاستيراد القمح لمصر وتشتريه منهم ليحصلوا هم على المكسب من أموال الدولة، وهناك قصص كثيرة فى هذا الموضوع. أثناء توليك الوزارة كيف تعاملت مع بؤر الفساد التى واجهتك؟ أحيانا تستورد الدولة محاصيل لحل مشاكل الفساد، فخلال فترة توليتى الوزارة قررت استيراد أرز برغم أن لدينا فائضا إنتاجيا حتى أكسر الاحتكار وأضع حدا أمام سعى بعض التجار الذين يحتكرون السوق لرفع الأسعار، لأننى لاحظت أثناء عقد إحدى صفقات الوزارة لتوريد الأرز لوزارة التموين أن التجار يسعون إلى رفع الأسعار على المتعارف عليه فألغيت الصفقة واستوردت من الخارج. ما رأيك فى السياسة الاستثمارية العربية فى إفريقيا؟ دخلنا إفريقيا، ولكن ليس هناك سياسة واضحة فوجودنا بها على المستوى التنفيذى يحتاج إلى عمل ودراسة وتعاون على أرض الواقع، ولكن كل ما يحدث ما هو إلا نظريات فحتى مشاركة الدول العربية مثل الإمارات، وقطر، فى الاستثمارات الزراعية فى إفريقيا لا تزال ضعيفة، ومصر لديها الكثير من الإمكانات للاستثمار فى إفريقيا والسودان على وجه التحديد يرحب ولا يضع شروطا، فلو نظرنا إلى المشروعات التى تقوم بها إسرائيل فى إفريقيا لشعرنا بالخزى والعار، وخلال فترة عملى بوزارة الزراعة أنشأنا مزرعة نموذجية بالسودان وزرعناها بالقمح، وعند خروجى وحتى الآن لا أعلم ماذا حدث للقمح الذى زرعناه فنحن فى مصر نعانى من مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل. وما المعوقات التى تواجه العالم العربى للاستثمار فى إفريقيا؟ العالم العربى يحتاج إلى سياسة واعية ومفهوم علمى حقيقى وتعاون وإبداع فى الإدارة والتخطيط ونحن نفتقد ذلك كله، نحتاج إلى العلم ووضع رؤية إستراتيجية واضحة المعالم ونسعى إلى تحقيقها. وما المشكلة التى تطالب بحلها؟ لابد أن تدار الدولة بنظام مؤسسى وليس نظام الأفراد، وهى مشكلة تعانى منها كل دول العالم العربى ويجب على المسئولين عند كتابة الدستور فى مصر مرعاة ذلك حتى يكتب للمشروعات الاستثمرار والنجاح، فكل حكومة تتولى تسعى إلى فرض سيطرتها وتنسى ما قامت به الحكومات السابقة وكأننا فى جزر منعزلة، يجب أن يكون هناك تكامل وتعاون فى كل المجالات بين مختلف الفئات والتخصصات. هل حقا أن حكومة الدكتور شرف تعرضت لمؤامرة؟ هذا الحكم غير دقيق فحكومة شرف وجدت فى ظروف صعبة جدا لأنها تولت بعد الثورة مباشرة، ووزير المالية سمير رضوان فى أول اجتماع لنا أخبرنا بأنه سيمول كل المشروعات التى نسعى لتنفيذها، وبعد أسبوعين من توليه الوزارة اجتمع بنا وقال إن الخزانة فارغة من الأموال، هذا فضلا عن أن المطالب الفئوية عجلت بخروج الوزارة وحولت الثورة عن مسارها الصحيح. لو استمرت حكومة شرف فى الوزارة حتى الآن هل كانت ستحدث فرقا؟ بالتأكد فنحن كنا مجموعة من الوزارء المتناغمين، لكن مشكلتنا أننا لم نعلن عما قمنا به من مشروعات وخدمات لمصر، وحكومة الجنزورى التى أتت بعد خروجنا من الوزارة أدركت ذلك، وأعلنت عما قمنا به نحن من إنجازات وبعد مرور فترة من الزمن سيدرك الشعب المصرى الدور الذى لعبته حكومة شرف، فما حدث لها هو نفسه الذى واجهته حكومة الدكتور عاطف صدقى برغم أنها كانت من أفضل الحكومات فى تاريخ مصر ولم يعرف الشعب قيمته إلا بعد وفاته. وما رأيك فى الحكومة الحالية؟ مشكلتنا أننا نطلب أن نحقق كل أحلامنا بسرعة جدا وهو أمر صعب، فالحكومة الجديدة تحتاج إلى الوقت لتنفيذ المشروعات التى وعدت بها الشعب، ولكن أطالبها بضرورة التعاون والتكامل مع أعضاء الحكومات السابقة لاستكمال المشروعات التى بدأوها معا ولتسير مصر خطوات للأمام، فالمستقبل سيكون بالتأكيد أفضل والاقتصاد سينتعش خلال وقت قريب جداً.