تامر عبدالرؤوف - داخل قبة يعلوها الصليب وتظللها أغصان شجرة زيتون يمتد عمرها لعشرات السنين.. رقد البابا شنودة الثالث فى سلام، بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، وفى إحدى القلالى بذات الدير الذى ترهبن بداخله كان خليفته البابا تواضروس الثانى، يعتكف لمدة 3 أيام يؤدى الصلوات قبل إجراء القرعة الهيكلية واختياره البابا رقم 118 ليقود سفينة الكنيسة القبطية. «نصلى فى أماكن متعددة وبروح واحدة، ونشتاق لأن يختار الله إنسانا خادما لا يعمل بمفرده، وإنما يعمل فى محبة مع كل شعب الكنيسة»، بهذه الكلمات وصف البابا تواضروس أجواء الانتخاب، وهدف ورسالة البابا الجديد، قبل أن يتم اختياره. وللتعرف على البابا تواضروس الثانى عن كثب تتبع مجلة «الأهرام العربى» حياته ونشأته فى عيون أصدقائه والمقربين منه والتى كان لها أكبر الأثر فى تشكيل شخصيته. فداخل منزل بسيط بأحد شوارع دمنهور استقرت عائلة المهندس صبحى باقى سليمان، والذى انتقل من محل مولده بالمنصورة للعمل فى مديرية المساحة بدمنهور، لكنه سرعان ما رحل عن الدنيا تاركًا طفله وجيه وشقيقتيه برفقة والدتهما. وجد الطفل وجيه فى “كنيسة الملاك “الصدر الحنون الذى عوضه عن رحيل الأب، وظل يتردد عليها منذ صغره برفقة والدته، حتى أصبح خادمًا بها، وبعد سنوات من العمل الكنسى ومحبة الجميع اختارته القرعة الهيكلية ليكون البابا رقم 118 ويعتلى رئاسة المقر الباباوى. عن ذلك يقول الأب بولس نعمة الله راعى كنيسة الملاك “كثيرًا ما كنا نلعب معًا ونحن أطفال فى حوش كنيسة الملاك، لكن وجيه أو البابا تواضروس كان شغوفًا بالقراءة، ويفضل الهدوء والجلوس داخل مكتبة الكنيسة والاطلاع على ما فيها من كتب فى شتى المجالات، وهو ما كان يجعلنا نشعر بالغبطة من ثقافتة العالية". وكان متفوقا طوال حياته يذاكر فى دأب ويجتهد فى تحصيل الدروس وهو ما جعله يلتحق بكلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية فى عام 1975. ويضيف: كان معروفًا بين أصدقائه بسرعة البديهة والذكاء، فضلًا عن التواضع الجم وحبه للأطفال والشباب، حتى أنه عمل مقررًا للجنة الطفولة فى المجمع المقدس. يتذكر بولس أنه أثناء انتقاله إلى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون لقضاء فترة قدرها حوالى 40 يوما للرهبنة خلال الثمانينيات، لم يأخذ كفايته من الملابس الثقيلة للوقاية من برد الشتاء، وفوجئ فى اليوم التالى لقدومه إلى الدير بصديقه تواضروس يقدم إليه لفافة من الملابس الثقيلة لحمايته من البرد. أما الأب «ثاؤفيلس نسيم» الصديق الحميم للبابا تواضروس بكنيسة الملاك بدمنهور فيقول: بدأت علاقتى بقداسة البابا تواضروس الثانى منذ أن كنت فى المرحلة الإعدادية وكان هو فى المرحلة الثانوية، حيث كنت خادما فى كنيسة الملاك بدمنهور، وكان هو أمين الخدم وقتها، وتوطدت علاقتى به عندما ألم بى مرض شديد فى المرحلة الثانوية، وفوجئت بوجيه أو البابا تواضروس يزورنى كل يوم عقب الامتحان للاطمئنان على، ويحثنى على المذاكرة، ومن يومها ولم نفترق سوى فى الفترة التى دخل فيها سيدنا الدير من 86 حتى عودته للخدمة بمدينة دمنهور سنة 90». ويكشف أن ال 18 شابا الذين كان يخدمهم البابا تواضروس خلال فترة شبابه بكنيسة الملاك بدمنهور، قد سلكوا جميعا السلك الكهنوتى، مما يعطى دلالة على التأثير القوى للبابا تواضروس منذ صغر سنة على المحيطين به. وبتابع: البابا تواضروس يتمتع بروح الإبداع، ولنظرة المستقبلية، ورؤية الفنان للأمور كما يعشق حاجة اسمها مصر، ويتحدث إلينا كثيرا عن الانتماء لها. كما يكشف أن البابا تواضروس كان يرفض فكرة الترشح لمنصب البطريرك ، ويقول الأب ثاؤفيلس نسيم “وكلما تحدثت إليه عن ذلك، كان يرفض قائلا: الكنيسة مليئة بالمواهب والكفاءات، وهناك الكثير ممن هم أكفأ منى"، لكن محبة الأساقفة له جعلتهم يرشحونه لهذا المنصب. أما القمص ميخائيل جرجس، راعى كنيسة الملاك بدمنهور، فيوضح أن البابا تواضروس كان منذ صغر سنه فى حركة دءوب ونشاط دائم داخل الكنيسة، وظل يحضر مدارس الأحد ويقول: «كنت أب اعترافه -أى مرشد روحى له- وطوال تلك الفترة كان متوفقًا فى دراسته وظل يخدم فى مدارس الأحد، حتى أصبح أمين الخدمة وأمين الشباب ثم درس فى المعهد الإكليريكى بالإسكندرية، وبعد تخرجه عمل بمصنع الأدوية بدمنهور التابع لوزارة الصحة، وحقق نجاحاً كبيراً فى إدارته ونال حب جميع العاملين من أخوته المسلمين والمسيحيين حتى تم اختياره من قبل وزارة الصحة لبعثة لدولة بريطانيا». وأكد أن أحد كبار الصيادلة فى دمنهور فى ذلك الوقت ويدعى الدكتور كمال مسعد، عرض عليه العمل داخل صيدليته خلال فترة المساء وتقاضى أى مبلغ، إلا أنه رفض لاهتمامه بالتربية الكنسية للأطفال داخل الكنيسة وحتى يجد الوقت الكافى لها. أما الدكتور بشارة عبدالملك عضو المجلس الملي، فأشار إلى أن البابا تواضروس كان معروفا بين زملائه بكلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية، بقدرته على تسجيل المحاضرات التى يلقيها الأساتذة حرفيا وبكل دقة نقلا عن المحاضر فى تنسيق وخط جميل للغاية، ولهذا كان يستعين بدفتر مذكراته التى يسجل فيها المحاضرات، وعبر بشارة عن فرحة كل الشعب القبطى باختيار البابا تواضروس قائلا: يكفى أنه تربية وتلميذ الأنبا باخوميوس الذى تزامن يوم اختياره كبابا بيوم مولده. أما عن علاقة البابا تواضروس بالأنبا باخوميوس، فقد قال البابا تواضروس خلال أول تصريح له «إذا كنا قد سعدنا بقيادة الأنبا باخوميوس للكنيسة خلال 6 أشهر، فقد تتلمذت على يديه طيلة 40 عاما». كما كتب البابا تواضروس فى آخر رسالة للكنيسة قبل أيام من أختيار القرعة الهيكلية له كبابا «أن كنيسة دمنهور مرت عليها عصور عديدة ومتنوعة لكن من آواخر 71 هل عليها فجر جديد بسيامة الأنبا باخوميوس فى باكورة السيامات الأسقفية التى لأبينا البطريرك البابا شنودة الثالث». أضاف تواضروس: «كان من نعم المسيح أن الأسقف الجديد لإبراشية البحيرة يقوم فى كنيسة الملاك بدمنهور قرابة العشر سنوات من 71 حتى 80 وكانت الفرصة لكى ما يعرفنا نحن الخدام بالكنيسة ومن المواقف التى لا أنساها عندما كنت طالبا بالسنة الثالثة من كلية الصيدلة أن سيدنا أعطانى مسؤلية ترتيب مكتبة الكتب حيث يقيم، وكان ذلك آواخر 73 حيث ليالى الشتاء الباردة وأثناء جلوسى على الأرض وترتيبى الرفوف السفلية فوجئت بسيدنا يأتى نحو من الخلف ويقدم لى مشروبا ساخنا" كوب كاكاو باللبن" وينحنى نحوى لأتناوله منه وكم كنت فرحا بهذا الاهتمام وهذه المحبة". ويتابع تواضروس: «وأثناء ترتيبى للمكتبة الذى استغرق عدة أيام كنت أطالع الكثير من الكتب التى كنت لا أعرفها وقتئذ، منها كتاب قاموس الكتاب المقدس، وكان يطبع فى بيروت وغير متوافر فى الأسواق سوى بعض النسخ المصورة وعندما شاهدته وعرفت عنوان المكتبة التى تبيعه لأشتريه منها ولكن فى نهاية عمل ترتيب الكتب والاستئذان بالانصراف فوجئت بسيدنا يقدم لى نسخة من الكتاب هدية وكأنه سمع همس قلبى ورغبتى فى الحصول عليه».