سعيد فرحات - عاشت ليبيا سنوات من القهر تحت حكم القذافى، حرم الشعب خلالها من كل شىء، حتى من أبسط حقوقه، فقد زج الأخ العقيد قائد ثورة الفاتح بالعديد من المبدعين فى السجون، منهم من مات نتيجة التعذيب، ومنهم من كتب أفضل إبداعاته داخل السجن. ليبيا القذافى لم يكن بها نجم غير القذافى، فقد استأثر بكل شىء وحرم المبدعين من أبسط حقوقهم، لكن بعد رحيله هناك ليبيا جديدة فى مرحلة انتقالية عنوانها الإبداع والتألق، حيث يرى العديد من المثقفين الليبيين أن بلدهم يستعيد مكانته الثقافية خلال فترة وجيزة. «الأهرام العربى» التقت عددا من المبدعين الليبيين واستطلعت آراءهم حول المشهد الثقافى بعد رحيل القذافى. يشير الدكتور عبدالرحمن هابيل - وزير الثقافة والمجتمع المدنى - أن ليبيا تقف الآن على مرحلة جديدة فى شتى المجالات بعد حرمان دام سنوات من الحرية والإبداع، ليبيا سوف تتبوأ مكانتها السياسية والاقتصادية والثقافية والإبداعية. والمرحلة الحالية هى مرحلة نفض الغبار عن سنوات الظلام، فالجميع يستعيد دوره فى المجتمع، ومن ضمنهم المثقفون والمبدعون والكتاب و الشعراء. ليبيا الجديدة الآن تتهيأ لاستعادة مركزها فى الساحة الثقافية، وسيكون للمثقف دور كبير فى المرحلة المقبلة، وسيكون هناك العديد من الأنشطة الثقافية والأدبية العربية والعالمية «فنحن الآن فى مرحلة تشييد». وأكد وزير الثقافة الليبى، أنه بصدد تنفيذ خطط طويلة المدى لعودة بلاده لدورها الثقافى عربيا ودوليا، مضيفا، نحن نحرص على تعويض ما فاتنا بعد 40 عاما من التهميش، ألقت بظلالها على المثقف الليبى، الذى عانى خلالها التهميش والاضطهاد، لكن شيئا فشيئا تبدأ الأمور فى التغيير. أما محمد أحمد وريث، رئيس مجمع اللغة العربية، فيرى أن هما كبيرا يقع على عاتق المبدعين والمثقفين من أجل استعادة مكانة ليبيا الإبداعية التى كانت عليها خلال فترة الستينيات، موضحا أن القذافى حرم الجميع من التنفس وليس من الإبداع فقط، فمن لم يمجده ويسبح بحمده كان مصيره المعتقل، لأنه اختزل ليبيا فى شخصه، وجعل نفسه الكاتب والأديب والمبدع والفنان والروائى الأوحد، ليس فى ليبيا فحسب بل فى إفريقيا، لدرجة أنه أضفى على نفسه صفات إلهية وكان مصيره الهلاك. حرية فكرية ويقول الدكتور وريث: إن المشهد الثقافى اليوم يختلف كثيرا عن الأمس، حيث الحرية الفكرية والإبداعية مكفولة للجميع، وهذا ما كان مفقودا، ليبيا سوف تكون مركزا للإشعاع الفكرى والثقافى والشعرى فى فترة وجيزة، وسيثبت المثقفون الليبيون أنهم ليسوا أقل من إخوانهم المبدعين العرب فى المشرق أو المغرب، وسيسهم المفكرون والمبدعون الليبيون فى جميع المناحى الأدبية والثقافية، وستشهد الساحة الأدبية فى ليبيا ازدهارا غير مسبوق. أما الروائى الليبى أحمد إبراهيم الفقيه، فيرى أن المشهد الثقافى بعد رحيل القذافى فى مرحلة انتقالية، مرحلة تحول، مرحلة تأسيس كيان جديد، مؤكدا أن القذافى كان جدارا عازلا بين الإبداع وبين الحرية، وكان يشن حربا علنية ضد الفكر والثقافة وضد كل مفردات الإبداع من مسرح وشعر ورواية، إلى قصة وغيره من شتى أنواع الفنون، كان القذافى يقول دائما: لا نجومية فى الجماهيرية، ماذا يعنى ذلك؟ يعنى لا إبداع ولا فكر ولا مفكرين، القذافى كان يريد مجتمعا مطموسا، لا تفوق فيه ولا مجال للفن والإبداع فى جماهيرية القذافى. مركز إشعاع ليبيا اليوم بعد رحيل القذافى تعيش حالة من صحوة إبداعية فى شتى المجالات - يقول د. الفقيه - خصوصا النواحى الفكرية والإبداعية، ليبيا بها حضارة من آلاف السنين وبها تاريخ ومفكرون ونوابغ، وهى مؤهلة لأن تكون مركز إشعاع فنى وفكرى وأدبى فى منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربى. ويعترف الفقيه بأن إنجازات فى المستوى الفكرى والثقافى تحققت أيام القذافى، لكن هذه الأعمال كانت نوعا من التحدى لمعطيات البيئة، وللاستبداد وللطغيان، وللنظرة القاصرة والإجرامية التى كان يعامل بها القذافى المبدعين والمفكرين، انتصرت ليبيا الإبداع، لأن الإبداع باق، ولأن القذافى جاء من الظلام وذهب إلى الظلام، لأنه نكل بالمبدعين وقتل الكثيرين. ويوضح أن هناك مبدعين استطاعوا أن يبدعوا تحت عسف القذافى أمثال عبدالله القويرى، خليفة التليسى، على صدقى عبدالقادر، بشير الهاشمى، وغيرهم فى شتى أنواع الفنون، فى الغناء والموسيقى، رغم البطش رغم الظلام والقهر، فهناك كثيرون أبدعوا وأخرجوا أفضل ما لديهم من فن فى السجون، رغم الإجرام والتعذيب، الذى حكم ليبيا لأكثر من أربعين عاما، بالنار والحديد، فقد أباد القذافى أجيالا، وستظهر ليبيا بوجهها الحضارى بفضل مبدعيها وكتابها وأدبائها وفنانيها. أما الشاعرة مريم سلامة، فتؤكد أن أجمد ما فى ليبيا الآن بعد رحيل القذافى، هو هذا البراح من الحرية والطمأنينة، رغم كل شئ، رغم الجراح والشهداء، والتضحيات التى قدمت من أجل الحرية والخلاص، من الظلم والقهر والاستعباد لجميع أطياف المجتمع الليبى، وعلى رأسهم الكتاب، رسل الحضارة، لذا كان لابد أن يطفئ القذافى شعلة تنير للناس دروبهم. فى ليبيا اليوم تحس بأنك إنسان لك كيان، ومساحة تنطلق فيها بدون خوف، بدون إشارات حمراء، وأن نشعل شمعة فى هذا العهد الجديد خير من أن نلعن ظلمة العهد البائد، لأننا بحاجة إلى العمل والعطاء، ليبيا الآن بحاجة إلى البناء فى كل ثانية، ضاع الكثير وكفانا إهدارا للجهد والوقت، فقد مرت عقود من الجفاف الإبداعى والفراغ واليأس، والسبب تعنت وعنجهية الديكتاتور الذى كان لا يريد أى إبداع ولا أى تطور ثقافى. وتواصل سلامة: ليبيا العهد الجديد ستكون أفضل، لأن بها حرية ومساحات للإبداع فى شتى أنواع المعرف، والمشهد الثقافى يسير إلى الأمام، لأن المبدع لا يحتاج إلا إلى الحرية، وهو ما كان مفقودا أيام القذافى. وتقول الشاعرة فريال بشير الدالى: إن المشهد الثقافى بعد رحيل القذافى بدأ يسلخ عنه ثوب العبودية، وصار المثقفون والكتاب والشعراء والفنانون التشكيليون يعبرون عن حاجاتهم بطريقة صريحة دون مواربة. وترى أن المشهد الثقافى الليبى فى هذا الوقت القصير ينمو بشكل جيد، عبر العديد من الأنشطة الثقافية، فبالأمس القريب أقيم مهرجان عالمى للشعر شارك فيه العديد من الأدباء والمثقفين من شتى بقاع الدنيا، وبعد رحيل القذافى أنجز العديد من الأنشطة الثقافية، وشارك الأدباء والمثقفون الليبيون فى كثير من النشاطات الخارجية، منها معرض الكتاب فى القاهرة. «المشهد الثقافى الليبى يتعافى مما أصابه خلال سنوات القهر»، هكذا تختتم فريال بشير الدالى كلامها، ونحن نأمل معها بالتعافى الثقافى لكل الدول العربية، فالثقافة هى رافعة الأمم نحو النهوض والتقدم