لا بد أن تكون هناك برامج توعوية للحفاظ على موروثنا الشعبى يعتبر رمضان الشهر الوحيد فى السنة الذى يوحد العرب جميعا، فمع أذان المغرب يبدأ الجميع فى الإفطار ، ومع ظهور التكنولوجيا والوسائط الرقمية، هناك العديد من المتغيرات التى طرأت على الفانوس، والمسحراتى وحلوى رمضان، وحكايات فى التراث العربى. لذلك قررنا أن نتوجه للدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبى بجامعة القاهرة، للاستفسار عن طقوس هذا الشهر، وما صاحبه من ظهور مدفع الإفطار والياميش والمشروبات الرمضانية ومدى أهميتها. فإلى تفاصيل الحوار.. لشهر رمضان تجليات وروحانيات وطقوس خاصة عند كل الشعوب العربية والإسلامية، وهناك عادات متأصلة فى تراثنا ما زلنا نتبعها حتى اليوم رغم الكثير من المتغيرات الاجتماعية فكيف ترى هذا الأمر؟ فعلا شهر رمضان له خصوصية كبيرة عندالشعوب الإسلامية، وله طقوس وممارسات ترتبط جليا به، لها طعم ومذاق خاصان على المستوى الدينى والشعبى، لأنه يعوض أشياء كثيرة تنقصنا على مدار العام فهو شهر اللمة، والتواصل الاجتماعى والتكافل. متى عرف المصريين حلوى الكنافة، ولماذا ارتبطت بهذا الشهر الفضيل؟ هناك روايات عدة حول ظهور حلوى الكنافة، بعضها يرجع لعهد معاوية بن أبى سيفيان، فهناك من يقول: إنه كان يفضل السحور بالكنافة حتى لا يشعر بالجوع طيلة نهار رمضان، وهناك من يقول إنها ترجع لعهد المعز لدين الله الفاطمى، حيث استقبله المصريون بالحلويات “الكنافة”، ورواية أخرى تقول إنها ترجع لعصر الدولة الإخشيدية، وأن أسماء بنت خماوريه أدخلتها مصر عندما جاءت من بلاد الشام، وأكلتها هناك واستحسنت طعمها، طبعا فى الوقت الحالى الكنافة أخذت أشكالا عدة، خصوصا التى تصنع آليا. طبعا تعلم أن هناك أطعمة شعبية ومشروبات نتناولها فى رمضان لكن علم التغذية يؤكد أهميتها وفائدتها على الصحة العامة، خصوصا فى هذا الشهر الفضيل من أين عرف المصريون فؤائد هذه الأطعمة؟ فى المأثورات الشعبية المعارف تفوق العلم، الذى يأتى بعد ذلك ويؤكدها على سبيل المثال الطب الشعبى كان يقوم بوظائف تغنى عن الطب التعليمى، هذه الخبرات أدركت من خلالها الشعوب أنه طالما هناك صيام فهناك أشياء لابد أن نفعلها لكى تمنع العطش خلال نهار رمضان، فالعرب كان لديهم الفراسة بالتأثيرات الصحية للمشروبات والأطعمة الرمضانية التى تعودنا عليها باعتبارها موروثات ثقافية شعبية. وهناك من يتناولها باعتبارها جزءا من الموروث الشعبى واخرون ينظرون لفوائدها الصحية. واضح أن هذا الشهر فوائده الصحية كثيرة فالصوم جنة يحافظ على المعدة وأيضا للصلاة ولحركة السجود والركوع الدورية فوائد على العظام والغضاريف؟ فعلا فوائد هذا الشهر الصحية كثيرة من ناحية تناول أغذية صحية، الصوم نفسه له فوائد كثيرة، كذلك العبادة والتجليات الروحانية وكل هذا له وقع جيد على النفس. نلاحظ فى رمضان إقبالاً شديداً على الأماكن الشعبية وبيوت أولياء الله الصالحين، سيدنا الحسين والسيدة نفيسة، وهى أيضا من الموروثات التى ارتبطت بهذا الشهر؟ فعلا طبعا هى أماكن روحانية لنسل السيدة فاطمة الزهراء، وتعد أكثر الأماكن شعبية فى هذا الشهر، وهذا يرجع للعصر الفاطمى. واضح أن كل مظاهر الاحتفالات فى مصر ارتبطت بالعصر الفاطمى فلماذا إذن؟ هذا العصر يعتبر صاحب فضل على المصريين، العصر الذى تضاعفت فيه البهجة عندهم خصوصا أن طبيعتهم المحبة للانبساط والسعادة والفرح. فمثلا ليلة الرؤية كانت مصحوبة باحتفالية شعبية كبيرة، وهذا الاحتفال يعود للعصر الفاطمي، كان يخرج المصريون لمشاهدة ليلة الرؤية وعندما يتأكدون أن غدا رمضان كان يهللون ويغنون: «هليت وجيت يا رمضان....ونورت علينا البيت» اللافت للنظر أن الرجل المصرى كان لا يسمح للمرأة بالخروج، باستثناء ليلة الرؤية، كانت النساء تخرج وتغنى لاستقبال هذا الشهر، ونظرا لحرص بعض الأسر على خروج بناتهن ليلة الشك، كتبوا هذا شرطا فى عقد الزواج. ماذا عن الأغانى المرتبطة بهذا الشهر؟ انتشرت العديد من الأغنيات المرتبطة بشهر رمضان وهى: «يا رمضان يا صحن نحاس يا داير ع بيوت الناس سقت عليك أبو العباس لا تبات..» وماذا عن مسحراتى رمضان فى الموروث الشعبي؟ المسحراتى كانت مهنة وفن فى الوقت ذاته، طبعا المسحراتى يرجع لعهد الرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان بلال بن رباح يؤذن للسحور، وعبد الله بن كلثوم يؤذن للفجر. وهناك روايات تقول إنه كان الحكام فى العصر الفاطمى يرسلون الجنود لإيقاظ الناس للسحور، وفى عام 238ه كان ابن إسحاق يقوم بإيقاظ الناس بنفسه، ومن هنا بدأت حكاية المسحراتى وبدأ يستخدم آليات إيقاعية مصحوبة بغناء «قوم يا نايم وحد الدايم رمضان كريم اصحى يا نايم وحد الرزاق» وفى آخر شهر رمضان يغنى المسحراتى قائلا: ما أوحشك يا شهر الصيام. هذه الآونة لاحظنا اختفاء للمسحراتى بشكله تقليدي؟ فعلا ظهور التلفزيون والوسائط الرقمية والقنوات الفضائية أثر على دور المسحراتى، أيضا الكثير من الأسر أصبحت تتجه لتناول السحور خارج المنزل، وبالتالى يظلون طوال الليل فى الشارع حتى الفجر، كل هذا جعل دور المسحراتى يتقلص تدريجيا. لكنه موجود على استحياء فى المحافظات والقرى، لأنه جزء من هويتنا الثقافية. وماذا عن ظهور وارتباط المدفع بوقت الإفطار؟ هو من الحاجات المميزة لهذا الشهر الفضيل، هناك ثلاث روايات تبين فترة ظهور المدفع منها واحد تقول إنه ظهر فى العصر المملوكى كانوا يجربون المدفع فجاء بالتزامن مع أذان المغرب، فاستحسنوا الفكرة، فأمر الحاكم وقتها بضرب المدفع طيلة الشهر قبل المغرب بثوانى. رواية أخرى تقول إن محمد على باشا كان يجرب المدفع وقت الإفطار ومن وقتها قرر ضرب المدفع وقت الإفطار والسحور. ورواية ثالثة تؤكد أنه يعود لعصر الخديو إسماعيل عندما ضرب المدفع وقت الإفطار. قديما ارتبط الحكواتى بشهر رمضان فماذا عنه وسط زحمة الفضائيات؟ فعلا المقاهى فى رمضان قديما كانت عامرة بالمنشدين وحكايات ألف ليلة وليلة، وكانت تصاحبها ألعاب نارية ولعب الأطفال بالبمب. لاحظنا فى الفترة الأخيرة أن الفانوس بدأ يأخذ أشكالا مختلفة وغزا الفانوس الصينى السوق، فهل هذا مؤشر على اختفاء الفانوس بالشكل المتعارف عليه فى موروثنا الشعبى؟ الفانوس ارتبط بشهر رمضان بشكل وثيق صحيح، بدأ يتغير ويتطور فى شكله لكن لا يختفي، هو بدأ يتحول من فانوس صامت لناطق لجذب الأطفال، فالفانوس يرجع تاريخه للعصر العباسى، وطبعا كان موجودا منذ زمن الرسول لإنارة المنازل، طبعا فى العصر الفاطمى أخذ شكلا تراثيا ووقتها استقبل المصريون المعز لدين الله الفاطمى بالفانوس وبدأ يتغنون: وحوى يا وحوى. ما مدى التأثير السلبى الذى لعبته التكنولوجيا الحديثة على االتراث؟ بالفعل أثرت التكنولوجيا الحديثة بشكل سلبى على التراث، لكن المصرى كما ذكرت من قبل بطبيعته عفوى يميل دائما لموروثاته التى ارتبطت معه بمراحل الطفولة. كيف نحافظ على تراثنا وموروثاتنا الشعبية؟ من خلال التوعية بأهميتها وهذا يقع على عاتق وزارة الثقافة. تحديدا الهيئة العامة لقصور الثقافة لا بد أن تكون هناك برامج توعوية لأهمية الحفاظ على مورثنا الشعبى.