عملت إماما وخطيبا بوزارة الأوقاف، وكان الإمام والخطيب، لا سيما الذى يحافظ على كرامته وعمله ويشارك الناس الأفراح والأحزان. يتمتع بمكانة بين أهالى المنطقة التى يعمل بها، كنت حريصا على ذلك، وكنا ندرك أن الناس يمكن أن يتغافلوا، لك بعض التقصير إذا كنت مهموما، بما يعانون فرحا بما يسعدهم. وكنت وما زلت أرى أن الاختبار الحقيقى لعمل الإمام هو شهر رمضان المبارك. فهو شهر العبادة، وإذا كان الإمام والخطيب يدعو الناس إلى المزيد من التقرب إلى الله، فمن باب أولى لزاما عليه أن يكون قدوة لهم من خلال أداء الأعمال المكلف بها. ففى رمضان عار كبير أن يترك الإمام مسجده فى أى فرض، والحجة أن عمله يبدأ من صلاة العصر حتى العشاء. فقد كنت وأمثالى نحرص على الوجود فى أيام الشهر الفضيل، وفى كل الفروض بداية من صلاة الفجر وحتى ما بعد صلاة التراويح. علاوة على الدروس اليومية التى كانت تؤدى وتدور جميعها تقريبا حول الأحكام الشرعية الصلاة والصيام والزكاة وصدقة الفطر. الإمام الناجح هو من يكون رفيقا لمسجده أيام شهر رمضان. لا يمكن أن أنسى مشايخ القرية من حملة كتاب الله،وكانوا يتطوعون ويتسابقون للمشاركة فى إمامة الناس فى صلاة القيام. أذكر منهم من رحل عن دنيانا إلى الدار الآخرة، وآخرون ما زالوا أحياء ورحم الله الشيخ ذاكر يوسف عبد الحميد والشيخ أحمد عبد الرحمن وغيرهم كثير، أما الأحياء فما زال الشيخ طه بكر يؤدى دوره متطوعا فى خدمة المسجد مؤذنا وإماما عند غياب الإمام الراتب. الذاكرة متخمة بالأحداث الرمضانية بعد صلاة القيام كنا نلتقى عقب الانتهاء من صلاة القيام فى الشقة المجاورة للمسجد وكانت مخصصة للإمام، فقد كان الراحل الدكتور الأحمدى أبو النور، يشترط لضم المسجد أن تكون به شقة للإمام والخطيب، وهذا ما حدث فعلا. كنا نلتقي نتناول المشروبات الساخنة. علاوة على الكنافة والقطايف التي كان الجميع يحرص على الإتيان بها. شخصيات كثيرة ارتبطت بها فى المسجد، رحم الله من رحل منهم الحاج طلبة أبو شعبان، والراحل عمر سليمان البقرى، والحاج عبد الرحمن خضر، وعمى بلال مجاهد البقرى وغيرهم، كثير لا يتسع المجال لذكرهم. كانوا جميعا نبلاء أنقياء أصفياء.. كانوا رجالا يعيشون بالفطرة، كما يقولون لم يعرف أحدهم الكذب أو التكلف أو التملق، بل كانوا كما ولدتهم أمهاتهم حيث الطيبه والأدب والاحترام والتقدير والتسامح. كنت خادما للجميع وأتذكر أننى عندما كنت أريد أن يقوم أحد الزملاء مكانى بخطبة الجمعة، كانوا يقولون نريدك أنت ولا نريد آخر.. رحم الله من كانوا لنا زادا وكانوا عناوين مضيئة.