لم يختلف المشهد الرياضى السورى عن باقى المشاهد المأساوية الأخرى التى تعيشها سوريا فى ظل الأزمة التى بات عمرها عاما ونصف العام، حيث ألقت بظلالها الثقيلة على كل المفاصل الحياتية للمواطن السورى، ولم تكن الرياضة بمنأى عن هذه الأزمة التى امتدت إليها وكادت أن تعطل الحياة فيها، الرياضة السورية التى فى الأصل تعيش حياة مضطربة مابين الهواية والاحتراف، ومابين الرياضة الجماهيرية والرياضة النوعية، والعوز المادى الكبير، وجدت نفسها تغرق أكثر فى هذه الأزمة التى كادت أن توقف النشاط الرياضى فى أكثر من لعبة، وهاهى بالكاد تسير على عكازين تتأبط آلامها وتصرخ متوجعة ولكن هذه المرة (أن ناديت ميتا يرد.. ولكن لاحياة لمن تنادي). ذلك هو باختصار المشهد الرياضى السورى وفى تفاصيله تتجدد الحكاية القديمة التى جعلتها تصل إلى الحد الذى جعلها منهكة ومتراجعة وتعيش على الطفرات فقط. ربما لايصدق أحد فصول الموسم الكروى الذى انتهى فقط قبل أيام بعد مشوار حافل بالمنغصات، فالدورى الذى خالف فى مشواره الأنظمة واللوائح لم يصل لمحطته الأخيرة إلا بأعجوبة، فبعد المراحل الأولى انسحب فريقا الوثبة والكرامة من حمص ، حيث شهدت المدينة حراكا ساخنا ولم يستطع الفريقان التجمع ولا المشاركة أو السفر فانسحبا من الدورى مع أنهما حققا نتائج جيدة فى دور التصنيف، وبعدهما انسحب فريق أمية من مدينة أدلب التى هى الأخرى كانت متوترة جدا، وتبعه فريق النواعير من حماة التى كانت تشهد أحداثا مأساوية. وبعد تأجيلات كثيرة تابع اتحاد الكرة المباريات وكانت تواجهه صعوبة تأمين الملاعب وصعوبة سفر الفرق من محافظة إلى أخرى، لكنه أصر على المتابعة ، ولعبت الفرق الستة الأولى بينها وتوج من خلالها فريق الشرطة بطلا للدوري، وفى مسألة الهبوط لعبت 7 فرق الأخرى فيما بينها ، وشهدت هذه المنافسات اعتذار فريقى حطين وتشرين من اللاذقية عن بعض المباريات رغم أنهما ينعمان بهدوء فى المدينة ، كما اعتذرت بعض الفرق وبالمحصلة وبعد تجميع النقاط قرر اتحاد الكرة هبوط أربعة فرق هى تشرين وحطين وأمية والنواعير، فما كان إلا أن اعترضت الفرق الهابطة ومازالت تتهدد وتتوعد اتحاد اللعبة إن نفذ قراره وتحت الضغط تم ترحيل القرار لحين انعقاد الجمعية العمومية فى نهاية شهر أكتوبر بعد أن تم تأجيلها عدة مرات، وسط لغط كبير فى هذا الشأن. مسابقة كأس الجمهورية هى الأخرى كانت ضحية الأزمة التى تعصف بالمدن السورية فبعد سلسلة تأجيلات وانسحابات وصلت الفرق الأربعة إلى الدور نصف النهائى ، وهى الاتحاد من حلب، والجزيرة من الحسكة، والوحدة والشرطة من دمشق، وبسبب تعذر السفر وصعوبة اللعب فى المحافظات الأخرى، قرر اتحاد اللعبة أن تقام مباراتا الذهاب والإياب فى دمشق، ولكن المفاجأة كانت بانسحاب فرق الاتحاد والشرطة والجزيرة فيما حضر الوحدة لملعبه وتوج بطلا للمسابقة دون أن يلعب فى هزلية كروية لم تشهدها الملاعب السورية من قبل ، ودون أن تقام مباراتا الإياب وانتظار نتائجها وأعلن اتحاد اللعبة الوحدة بطلا للكأس وسط صيحات الاستهجان. فى الوقت الذى عانت المنتخبات السورية بسبب الأزمة سوء التحضير وكانت ثلاثة منتخبات تستعد فى وقت واحد (ناشئون وشباب ورجال) للاستحقاقات القادمة ولم تتوفر لها المعسكرات الخارجية ولا المباريات الودية اللازمة بسبب اعتذارات الدول عن استقبالها مما جعلها تستبدلها بمعسكرات داخلية مع لقاءات مع فرق محلية فى العاصمة، وإن كانت هذه المعضلة قديمة بالنسبة للمنتخبات السورية بسبب ضعف الموارد المادية وقلة الإمكانات فإنها كانت هذه المرة مؤثرة جدا عليها. دائما يكون موضوع اختيار مدرب المنتخب الأول محل جدل فى سوريا، وما بين اختيار مدرب أجنبى كفء، وتعيين مدرب محلي، يدور نقاش بيزنطى لا ينتهى، ولكن هذه المرة التى تم فيها الاتفاق على خيار المدرب الأجنبى، كانت الأزمة السورية عقبة أسهمت فى ابتعاد أكثر من مدرب أجنبى ورحيله من سوريا ورفضه التدريب رغم الأجر العالى الذى كان مقررا له حينها، ما دفع باتحاد اللعبة لاختيار ما هو متوافر بين يديه من محليين، ومع ذلك كان الفشل يقف فى وجهه بسبب العقبات المادية والأنظمة التى تبيح فتح سقف الراتب للمدرب الأجنبى وتغلقه أمام المدرب المحلى ليكون ضمن حدود (الألف ومئتى دولار فقط) كحد أعلى. بسبب الوضع المتدهور للمنتخب السورى الأول ونتائجه المخيبة وحرمانه من التصفيات المونديالية للأخطاء الإدارية الفادحة التى وقع فيها حينذاك، عندما أشرك لاعبا سوريا محترفا فى السويد ، كان قد لعب لمنتخب شباب السويد وعاد ليمثل المنتخب السورى فتم اكتشاف أمره وعوقبت سوريا بإبعادها عن التصفيات، ونظرا للمستوى والنتائج المخيبة فقد بات ترتيب سوريا على لائحة المنتخبات فى الفيفا متراجعا (148)وهى المرة الأولى التى يصل فيها إلى هذا المستوى. وبسبب الأزمة الراهنة وصعوبة التحضير وعدم القدرة على تأمين المال الكافى للتعاقدات فقد فريق الاتحاد الحلبى (الذى كان صاحب أكبر شعبية جماهيرية فى الوطن العربى بعد الأهلى المصري) لقبه كبطل لكأس الاتحاد الآسيوى وخرج من المسابقة من أدوارها الأولى وتابع بعده فريق الشرطة الذى كان يعتبر أكثر الفرق السورية تحضيرا وإمكانات، لكنه هو الآخر خرج على يد الفريق التايلندى المتواضع (تشونبوري) وخسر بمباراة الإياب 2/4، وكان قد تعادلا ذهابا 1/1. حرمت الأزمة السورية منتخباتها وأنديتها من اللعب على أرضها بقرارين من الاتحاد الدولى والآسيوى، فكان أن لعبت كل الفرق والمنتخبات فى أرض الأردن بعيدة عن جماهيرها وملاعبها .