ماذا تفعل لو كنت مكان الشعب السورى؟ هل ستترك إدلب مدنسة بأقدام مجرمين جاءوا من كل فج عميق، وتضع يدك على خدك وتنتظر فرج التاريخ؟ أم تدير له الخد الآخر أيضا؟ وماذا ستقول لشيخ المعرة أبى العلاء المعرى، النائم فى الأبدية بأرض معرة النعمان، درة تاج إدلب؟ وهل ستشكو للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، صديق أبى العلاء فى أرض الأدالبة؟ إدلب الخضراء.. باتت حمراء بلون الدم، لم تشفع لها أضرحة القديسين والأولياء، ولا حضارة إيبلا العتيقة، ولا بصمات الآشوريين ولا البيزنطيين، ولا الأديرة ولا المساجد، ولا دفاعها المجيد ضد الغزاة الدائمين، ولم يشفع لها ثراؤها الفكرى والفلسفى، ولم يشفع لها 400 موقع من آثار الأجداد البهية، فوقعت ضحية لمخطط عجيب، يطمس ماضيها العتيد، ويشرد أهاليها المحدثين، وكل هذا من أجل تحقيق حلم قديم لأتاتورك، أبو الأتراك بضم شمال سوريا بالكامل إلى تركيا الحديثة، عوضا عن استنزاف مستعمراته العثمانية لصالح المستعمر الأوروبى، البريطانى الفرنسى المزدوج.
لك أن تتصور عزيزى القارئ، وجود أكثر من مائة ألف مجرم مدجج بالسلاح، وكل مجرم لا يعرف من أى أرض جاء أخوه المجرم، ولا يعرف لماذا يقاتل، ولصالح من؟
ولك أن تتصور أن هؤلاء المجرمين تجمعوا من كل البلاد ليستوطنوا إدلب، مفتاح الشرق إلى الغرب، المنكوبة بجيرة الأتراك، والمنكوبة بأطماع الحالمين بعودة الانتداب.
مظلومة إدلب السورية، فأتاتورك أبو الأتراك الجدد كان يؤمن باحتلال شمال سوريا، وجاء أردوغان، السلطان العثمانى فى طبعته الأحدث، ليحقق طموح أتاتورك، ولك أن تتخيل أن أردوغان ليس ابنا شرعيا لوالد الجمهورية الحالية، بل هو ابن بالنسب المختلق لسليم الأول، المحتل الغاشم لأقاليم العرب.
ومن إدلب للإسكندرونة يا عرب لا تحزنوا، فالإسكندرونة إقليم عربى خالص، أهداه الفرنسيون للأتراك، كأنه قدر مكتوب على بلاد الشام بأن تكون معبرا للغزاة الغربيين والشرقيين أينما كنا، وأردوغان لا يزال حالما بشمال سوريا، وظهرت نياته فى اجتماعه فى قمة الغنائم بطهران، مع حسن روحانى رئيس إيران، وفلاديمير بوتين رئيس روسيا ، وفيها حذر أردوغان من الهجوم على إرهابييه فى إدلب، وفشلت القمة الثلاثية غير العربية التى كانت تناقش موضوعا عربيا خالصا.
أما وسائل الإعلام الغربية والشرقية، فبدأت فى إذاعة أفلام عن استخدام السلاح الكيماوى فى جسر الشغور، المدينة الإدلبية الرابطة بين تركياوسوريا، كأن الحرب الكيماوية وقعت، وتم استخدام هذا السلاح بالفعل، ليصبح المبرر الحاسم جاهزا لاستئناف الهجوم الأمريكى البريطاني الفرنسى المشترك على سوريا.
وعزفت فرقة حسب الله فى مجلس الأمن، فلم توفر نايكى هايلى مندوبة أمريكا وقتا أو جهدا لحماية إرهابيى إدلب، ونفس النغمة لحنها جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى، وهكذا رددت باريس ولندن نفس اللحن بعد تصريحات جون بولتون، ليمتد الخط إلى أردوغان، فيدعو مقاتليه من الجيش الحر وأحرار الشام، وفتح الشام، وكل فتح حرام للاستنفار استعدادا للمعركة المقدسة!
تقول وسائل الإعلام الداعية لحرب مستمرة على الأراضى السورية إن سكان إدلب أربعة ملايين نسمة، وتقول إن وقوع الحرب يعنى كارثة محققة، وإن على العالم منع دمشق من تحرير أراضيها، والعالم المعنى هو ثلاث دول لا غير، تساندهم بضع دول فكة.
دمشق نفسها تغرق أكثر فى المستنقع الإيراني، صديق الأتراك السرى فى جرائم المنطقة، وتتماهى تماما مع الدب الروسي، الطامح لعودة زمن القياصرة، ومن يدفع الثمن هو الشعب السورى والأرض ووحدة البلاد، وكل هذا يصب فى صالح إسرائيل الراغبة والعاملة على تفتيت الجبهة الشمالية.
أما ما يحز فى النفس، فهو ذلك التحالف المريب بين أقصى التيارات المتطرفة من اليمين إلى اليسار تحت راية (الثورة)، وما هى إلا حرب عالمية مصغرة، وقودها الأبرياء فى بلاد الشام، وما هى إلا رسالة من مربى الإرهابيين تقول للمغفلين: حافظوا على الإرهابيين الأعزاء.