لا صوت يعلو هذه الأيام وسط ضيوف الرحمن على كلمات الإشادة بالتنظيم الدقيق الذي اتسمت به أعمال الجهات ذات العلاقة بشعيرة الحج، والسلاسة المتناهية التي أدت بها جموع الحجيج مناسكها، لدرجة لا أكون مبالغا إذا قلت إنها فاقت تصورات الجميع، وهذا نتاج طبيعي لعمل دؤوب لم يعرف القائمون عليه التثاؤب، وتخطيط دقيق يعود إلى شهور طويلة مضت، ومتابعة لصيقة من المسؤولين. فقد تسابقت كل الجهات المشاركة في هذه المناسبة العظيمة على تجويد عملها وتفوقت على نفسها وأدت المطلوب منها على الوجه الأكمل والصورة الأمثل. فكان أن اختفت مشاهد الحجاج النائمين على الأرصفة، حيث نجحت الخطة التي أشرف عليها أمير مكةالمكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل في منع الافتراش، والحد من دخول الحجاج بدون تصاريح، وهو ما كان يعيق الحركة في المشاعر المقدسة، لاسيما في منى، ويضيع الجهود المبذولة. ومما يزيد من السعادة بنجاح أعمال حج هذا العام بهذه الصورة المبهرة، أن ذلك التفوق أتى في خضم دعوات مغرضة روجت لها جهات كانت تراهن على غير ما تحقق، وحاولت شن حملة تشكيك وتشويه لصورة المملكة بمزاعم تتنافى مع الأجواء الروحانية التي ينبغي أن تسود في مثل هذه الأيام التي جعلها الله موسما للتسامح والغفران والعفو، لكن من أدمنوا السباحة عكس التيار، والتغريد خارج السرب، سعوا إلى غير ذلك، وطفقوا يهرفون بما لا يعرفون، ويزعمون أن المملكة تسييس أعمال الحج، وتضيق على بعض الدول، وهي دعاوى غريبة ومستهجنة، وجدت الرفض من الجميع. ولأني كنت شاهد عيان على ما جرى، إذ أكرمني الله بأداء فريضة الحج هذا العام، فقد سعدت بمقابلة بعض الإخوة القطريين الذين رفضوا التجاوب مع هرطقات نظامهم، وتمسكوا بأداء فريضة الحج، ووصلوا الديار المقدسة، وأكدوا لي أنهم ظلوا ضيوفا أعزاء على هذه البلاد، وحظوا برعاية استثنائية، وتعامل راق من المسؤولين على أعلى درجاتهم، ولولا خوفي من تعرضهم للمضايقة في بلادهم لأوردت أسماءهم ونقلت شهاداتهم. كان المشهد مهيبا في صعيد عرفات الطاهر، ورجال الأمن وكافة العاملين ينذرون أنفسهم لخدمة الحجيج، يساعدون هذا ويأخذون بيد تلك، يقدمون الماء لمن يحتاجه، تسبقهم ابتساماتهم وكلماتهم الطيبة. لذلك انصرف الجميع للدعاء وطلب العفو والمغفرة، حتى إذا كانت ساعة النفرة تم تفويج الحجيج بمنتهى السهولة واليسر، وما هي إلا ساعات قلائل وكان ضيوف الرحمن يبيتون بمزدلفة. وكذلك في منى تحدثت الإنجازات عن نفسها، وأفصحت عن مقدار الجهد الفائق الذي تم بذله، فقد كان جسر الجمرات بطوابقه العديدة عنوانا للنجاح، حيث أدى جميع الحجاج مناسكهم بسهولة ويسر. أما في الحرم الشريف فقد كانت الصورة أكثر اكتمالا، وأشد وضوحا، وتمكن الحجاج من أداء ركني الطواف والسعي، وفق تنظيم دقيق لم يترك ثغرة لأي تزاحم أو تدافع.. هذا النجاح الباهر والتفوق الظاهر الذي صاحب أعمال حج هذا العام، على مختلف المجالات، ألقم حجرا في أفواه من لم يسأموا ترديد الأكاذيب والترويج للإشاعات التي لم تلق لها السلطات بالا، وانصرفت لأداء المهمة الأكبر التي شرفهم بها الله عز وجل بخدمة ضيوفه وتيسير أمورهم، فسخَّرت المملكة – كعادتها – كل إمكاناتها الضخمة، ماديا ولوجستيا وأمنيا لتحقيق ذلك الهدف، ووظفت خبراتها المتراكمة على مدار عشرات السنين في إدارة الحشود، فكان نتاج ذلك أن نال الحجيج اهتماما متعاظما ساعدهم على أداء شعائرهم ومناسك حجهم في أجواء مثالية، حفها الأمن والسلام، والراحة والطمأنينة.