تضامن عربى واسع قابلت به الدول العربية الموقف الذى اتخذته السعودية باستدعاء سفيرها من أوتاوا للتشاور، واعتبار السفير الكندى فى الرياض شخصا غير مرغوب فيه، وإمهاله 24 ساعة للمغادرة، ردا على البيان المسيء الذى أصدرته السفارة الكندية، واتبعته تصريحات وزيرة خارجيتها بحق المملكة، وتدخلها فى شئون القضاء السعودى ومحاولة التأثير عليه. فالجامعة العربية أكدت وقوفها مع المملكة فى هذا الموقف، ونفس القرار اتخذه مجلس التعاون الخليجى وعدد من الدول الأخرى، مما يثبت وجود حالة استياء واسعة لدى العديد من الدول العربية من محاولات التدخل فى شئونها، التى تقوم بها عدد من الدول الغربية، بذريعة حماية حقوق الإنسان التى أصبحت ورقة سياسية يحاول البعض استغلالها لتحقيق أهداف أخرى، وممارسة الضغوط وتنفيذ الأجندة. هذا التعاطف يوضح بجلاء أن دولنا العربية بحاجة إلى اتخاذ موقف جماعي، يوفر لها الحماية ضد تلك التدخلات، ويصون وحدتها وسياستها واستقلالها. بيان السفارة وتصريحات الوزيرة الكندية وقعا فى أخطاء ساذجة أثارت حيرة المراقبين والمتابعين، فقد احتوى على معلومات مغلوطة ما كان التثبت منها سيستغرق وقتا طويلا، لأن توقيف بعض المتهمين فى المملكة – وهو موقف سيادى لا خلاف عليه – تم بناء على أوامر قضائية، وليس لاعتبارات سياسية، ولم يتعد الأمر التوقيف توطئة لإحالتهم إلى التحقيق القضائي، فهل هذا تجاوز لحقوق الإنسان؟ وهل هناك من هو فوق سلطة القانون حتى يعتبر توقيفه انتهاكا لحقوقه؟ وجه الغرابة الآخر هو كيف قطعت السفارة الكندية بحدوث تجاوزات بحق الموقوفين الذين لم يمر على توقيفهم سوى ساعات محدودة؟ والسؤال الأكثر إلحاحا هو: كيف نصَّبت كندا نفسها وصية على بقية الدول ومن الذى أعطاها هذا الحق كى تحاكم الآخرين وتصدر أحكامها المسبقة؟ وهل هى مؤهلة للقيام بهذا الدور وهى التى يشكو مواطنوها ذوو الأصول الإفريقية من التمييز السالب بحقهم فى الدراسة والعمل وسائر الحقوق؟
ومما يثير الحسرة والأسف، أن مواقف معظم الدول الغربية تتبدّل وتتناقض بحسب مواقفها السياسية، مما يؤكد أن الهدف منها سياسى بالدرجة الأولى، والأكثر غرابة أن تلك الدول لا تجرؤ على التفوه بكلمة واحدة عندما يتعلق الأمر بدولة غربية أخرى، فمن الذى لم يشاهد الدول الأوروبية وهى تغلق حدودها فى وجوه عشرات الآلاف من المهاجرين، وتتركهم وعائلاتهم وأطفالهم فريسة للجوع والاستغلال؟ أليس ذلك أكبر انتهاك لحقوق الإنسان؟ ومن الذى لم ير – سواء بعينيه أو على شاشات التليفزيون – الممارسات العنصرية ضد من ترجع أصولهم إلى دول آسيوية أو إفريقية، رغم أنهم يحملون جنسيات تلك الدول التى تتذرع بالحضارة وتزعم الدفاع عن حقوق الإنسان؟ فإذا كان التغافل عما يحدث فى تلك الدول سببه هو أنها دول كبرى، فليشهد التاريخ أننا نرفض منذ اليوم التعامل معنا على أساس أننا دول صغيرة، لأننا لسنا كذلك.