ومن رواية فاوست (Faust) الشهيرة للكاتب المسرحى الألمانى “يوهان جوته” المستوحاة من القصة الشعبية فاوست الساحر الألمانى وهو طبيب كيميائى حقق نجاحات كثيرة فى مهنته وحياته، ولكن لم يشعر بالسعادة أو مشاعر الرضا قط، وفى ذات ليلة أبرم مع الشيطان عقداً ليسلمه روحه بعد مماته، مقابل أن يعطيه المعرفة المطلقة والاستمتاع بجميع الملذات الدنيوية والقوة. وحتى لا يحتار القارئ ما بين اسم المقالة وتلك الافتتاحية سأوضح سريعاً لماذا استحضرت تلك الرواية فى هذا الموضع السياسى البحت، لأننى سوف أعرض هنا كيف تبنت تلك الدول نظرية، أثرت وما زالت هى المحرك الأول لرجال السياسة فى العالم بكل توجهاتها وإرشاداتها، ولكل من عمل أو اهتم أو كان مراقبا لما يدور على مسرحها الكبير.
نظرية «الأمير» ميكافيلى (The Prince) وسواء اختلفنا أم اتفقنا مع تلك النظرية السياسية المختلفة تماما مع جميع العقائد والمثل والمبادئ الإنسانية البحتة، فلا يمكننا أن ننكر مدى تأثير وتحقق بنودها حتى الآن فى عالمنا السياسى من ألاعيب ومؤامرات ودسائس على الرغم من مرور خمسة قرون على وضعها.. وبالعودة إلى استحضار تلك النظرية وربطها بفاوست.. لعل ظلال شخصية كاتب هذه النظرية ميكافيلى التى أحيطت بكل النواقص والشبهات هى ما جعلت ذلك الرابط حتميا لتقريب مفهوم كيف يمكن لشخصية مريضة ومضطربة أن تظل مسيطرة على عقول العديد من الساسة فى العالم بل وتعيش فى ظلالها الشعوب! لدرجة أن معظم النقاد والمشتغلين بالسياسة قد أطلقوا على ميكافيلى لقب “مفيستو فاليس” أى الشيطان كما جاء فى رواية “فاوست” ... ولطول تلك النظرية وتعقيداتها سأعرض عليكم جزءاً بسيطاً يوضح الفكرة العامة لها، حيث إنه قد أوضح سبل الوصول إلى الإمارة أو الحكم وهما سبيلان فقط وليست لهم أى علاقة لا بالحظ ولا بالكفاءة !!
أول سبيل هى الوصول إلى الحكم عن طريق اتخاذ كل وسائل النذالة والوقاحة وحلقات طويلة من الغش والخيانة ويبرر لهم كيف يظلون فى الحكم على الرغم من ارتكاب كل الفظائع والجرائم بإطلاق اسم “الطريقة الحسنة” !! وفيها يستخدم الشر للوصول إلى الحسن.
ولعل بريطانيا كانت من أوائل وأكثر الدول التزاما بمبادئ تلك النظرية عندما اتبعت سياسة فن اعتلاء خشبة المسرح السياسى لفترة طويلة حتى الآن.. وقدراتها الهائلة على انتقاء وتدريب وصنع كوادر بمنتهى الدهاء لإدارة العلاقات الدولية من خلال أبواب خلفية من المفاوضات والمساومات والحوار بشكل بالغ المرونة والمناورة المدروسة. وفى لحظات شفافية عديدة لكثير من الشخصيات المؤثرة والفاعلة سياسياً أو على المستوى الصحفى أو كتاب عالميين، يخرج علينا من يفضح تلك المؤامرات كمحاولة أخيرة للتخلص من عبء المعرفة وثقل محاسبة الضمير.. لتظل الإنسانية على الرغم من كل التوحش حولنا باقية.
فى عام 2010 صدر كتاب من أخطر الكتب السياسية تأثيراً “التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين” للكاتب الصحفى “مارك كورتيس” عرض فيه بالوثائق الرسمية البريطانية التى رفعت عنها السرية، كيف حافظت بريطانيا العظمى على وجودها من خلال نفس المفهوم الذى قد أشرت إليه مسبقاً لميكافيلى مفهوم “النذالة”. وإلى أولى حلقات السرد الأسبوع المقبل