تشير رواية «الزوجة المكسيكية» الصادرة حديثا عن دار الشروق، للكاتبة إيمان يحيى إلى إمكانات روائية مهملة فى فن كتابة التحقيق الصحفى، فالرواية التى يمكن أن تقرأ على أنها رواية وثائقية لا تعطى عالمها بالكامل لهذه التقنية التى جربها صنع الله إبراهيم، وصاغ بها الكثير من أعماله، لكنها تقارب فى سعيها رواية «الرجل ذو البدلة الشركسية» للكاتبة الصحفية لوسيت لينادوا، والتى صدرت ترجمتها العربية قبل سنوات عن دار الطنانى، وذلك من حيث قدرتها على وضع إطار خارجى معاصر لقصة تدور أحداثها فى الماضى، وجانب من مميزات هذه الكتابة ومخاطرها أنها تقاوم طابعها الأدبى، خصوصا على صعيد اللغة وتجذب القارئ عبر طريق مختلف لا يمر عبر اللغة بالضرورة، حيث يكون الرهان على «الحبكة» وعناصرها التشويقية، خصوصا أنها تروى عن أشخاص لهم حضورهم فى الواقع المعاش، إلى جانب لعبة القفز بين زمنين مختلفين للسرد، وظنى أن رواية «الزوجة المكسيكية» نجحت فى تحقيق هذا الطموح وأعادت الحياة لقصة يقوم الكاتب بتحقيقها تخص زواج الكاتب يوسف إدريس فى شبابه من فنانة مكسيكية هى روث ابنة فنان الجداريات دييجو ريفيرا، زوج الفنانة الشهيرة فريدا كاهلو، كذلك أعاد إيمان يحيى الاعتبار لعمل أدبى قد تعرض لظلم كبير هو رواية (البيضاء) التى كتبها يوسف إدريس عام 1959، على خلفية هذه التجربة، وهذه الرواية واحدة من جواهر الأدب العربى المنسية، والتى لم يلتفت إليها أخيرا سوى الناقد الصديق د. خيرى دومة، الذى كتب عنها بحثا متميزا فى مجلة (كلية الآداب)، وما يشير إليها هذا البحث الكثير من التفاصيل المتعلقة بظروف نشر الرواية التى تزامنت مع نشر رواية «أولاد حارتنا» وربما لهذا السبب راحت فى زحامها أو لسبب آخر يتعلق بنبرتها فى نقد اليسار المصرى خلال محنته التى مر بها فى العام 1959، وهو أمر لم يغفره النقد اليسارى ليوسف إدريس الذى أجل نشر الرواية مرة أخرى حتى العام 1970، وظلت الرواية فى غموض فرص تلقيها حتى نشرت نهاية الثمانينيات ويسهل على قارئها اليوم إيجاد صلة بين بطلها يحيى ومؤلفها وهى الصلة التى صاغ منها إيمان يحيى عالمه الفنى الذى وازن فيه بين الواقعى والمتخيل، وغيب فى أوقات كثيرة المسافة بينهما تاركا القارئ فى متاهة التلصص وليس فقط على علاقة الأستاذ الجامعى فى الرواية بتلميذته التى جاءت من أمريكا، وإنما أيضا على جميع التفاصيل والملامح التى تعيد رسم صورة يوسف إدريس، الذى وقع فى غواية البيضاء التى حيرتنى أنا وخيرى دومة إلى أن ارتضينا، بما اكتشفه عبد الرحمن الأبنودى فيما صاغه من أشعار كمقدمة لمسلسل أعد عن الرواية منطلقا من الجملة الفولكلورية (وجننتينى يا بنت يا بيضا) وهكذا تريد الزوجة المكسكية التى تنجو بالبيضاء من السباق التخوينى الذى تورطت فيه.