سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 9 يونيو 2025    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    إسرائيل تستجوب ناشطى سفينة مادلين فى قاعدة أسدود    استشهاد 8 فلسطينيين جراء إطلاق الاحتلال النار على المنتظرين للمساعدات غرب رفح    مباريات اليوم.. تصفيات أوروبا لمونديال 2026    ضحى بحياته لإنقاذ الآلاف.. الحزن يخيم على الدقهلية بعد دفن شهيد الشهامة    إستمرار الموجة شديدة الحرارة بالأقصر اليوم رابع أيام العيد    أمن "الحج" بالمدينة: جاهزون لاستقبال الحجاج القادمين من مكة    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    سيو ستورم قائدة فريق Fantastic Four في النسخة الجديدة للفيلم    براتب 9400 ..إعلان 135 وظيفة شاغرة في قطاع الصيدلة و تسويق الأدوية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    استقرار أسعار النفط قبل المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    عاهل الأردن يؤكد ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لتهدئة شاملة بفلسطين    موعد ورابط نتيجة الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 القاهرة وباقي المحافظات    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الإثنين 9 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    حديد عز يتجاوز 39 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 9-6-2025    لأول مرة.. رحمة أحمد تكشف كواليس مشاهد ابنها ب«80 باكو» (فيديو)    الجيش الروسي يسقط 24 مسيرة أوكرانية    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    قوارب سريعة تحاصر سفينة مادلين وتطالب نشطاءها برفع أيديهم قبل اعتقالهم    الاحتجاجات تتصاعد في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    صحة المنيا: 21 مصابًا ب"اشتباه تسمم" يغادرون المستشفى بعد تلقي الرعاية    الحبس والغرامة لعدم تسجيل الشقق والمحال المؤجرة    "لن يعود حيا" .."أبو عبيدة" يكشف محاصرة الاحتلال لمكان تواجد أسير إسرائيلي    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    لاعب إسبانيا يتحسر على خسارة دوري الأمم الأوروبية أمام البرتغال    طريقة عمل طاجن اللحم بالبصل في الفرن    المنيا: وجبة مسمومة تنقل 35 شخصا إلى المستشفى في ملوي    «أسطول الحرية»: القوات الإسرائيلية تختطف المتطوعين على السفينة «مادلين»    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    وفاة شخص إثر إصابته بطلقٍ ناري بالرأس في مشاجرة بالفيوم    غادر مصابا أمام باتشوكا.. جراديشار يثير قلق الأهلي قبل كأس العالم للأندية    باتشوكا يهزم الأهلي بركلات الترجيح في البروفة الأخيرة قبل مونديال الأندية    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    مكسل بعد إجازة العيد؟ إليك نصائح للاستعداد نفسيًا للعودة إلى العمل    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    فسحة العيد في المنصورة.. شارع قناة السويس أبرز الأماكن    أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص ترعة الدقهلية    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    خالد عيش: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع يعكس الالتزام بالمعايير الدولية    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهكم فى الفن يسقط الهيبة ويزوّر التاريخ.. تدمير الرموز والقيم بالقوة الناعمة العمياء
نشر في الأهرام العربي يوم 04 - 07 - 2018

نمط المدرس البهلوان على المسرح مهد الأرض للفوضى الاجتماعية

صورة الصهيونى الزائفة فى الفن خدعت الجمهور المصرى

السينما ضربت هيبة «العمدة» والتليفزيون وقع فى الفخ

السخرية هى عادة عند المصريين منذ أيام الفراعنة حتى الزمن الحالى، وقد فطن المستشرقون الذين تخصصوا فى دراسة التاريخ المصرى إلى أن هذا السلاح من الممكن أن يصيب كبد الدولة، وأنه من الأفضل تطويعه لصالحهم، خصوصا فى المناطق التى يفكرون فى بسط نفوذهم عليها، فالسخرية المقصودة تستطيع تمهيد الأرض قبل التدخل سواء السياسي أو العسكرى، ثم بعد ذلك محو الآثار الجيدة للشخص المستهدف حتى لا يكون بطلا شعبيا على الأقل فى الفترة الزمنية المعاصرة لذلك، وخير مثال على ذلك فى التاريخ المصرى الحديث هو «الخديو إسماعيل» فالمتتبع لمشوار «إسماعيل» يجد أنه تعلم فى فيينا ثم باريس وتأثر بالثقافة الفرنسية، وكان عمه «سعيد» يعتمد عليه فى المفاوضات السياسية مع نابليون الثالث، وعندما تولى حكم مصر كانت له رؤية واضحة فى تطوير هذا البلد فى مجالات متعددة، فهو أول من أنشأ مجلس شورى القوانين وقام بتحويل الدواوين إلى نظارة «وزارة»، وأول من استخدم نظام «البرق» البريد المعتمد على السكة الحديد، ثم الانتهاء من حفر قناة السويس، وأنشأ دار الأوبرا الخديوية، حتى إن الإمبراطورة أوجينى عندما حضرت حفل افتتاح قناة السويس قالت إن مصر أصبحت على أعتاب الدول المتقدمة.

نتيجة لاندلاع الحرب الأهلية الأمريكية ارتفع سعر محصول القطن المصرى بشكل لافت للنظر، وأصبح هناك فائض فى الميزانية، فقام إسماعيل باستدعاء المهندسين الذين بنوا مدينة "باريس" حتى يقيموا مدينة على نفس الطراز فى المنطقة الواقع بين بركة عابدين وبركة الأزبكية، التى تسمى الآن منظقة وسط البلد، التى تتشابه فى التخطيط مع العاصمة الفرنسية باريس، لكن كل هذا لم يكن بعيدا عن عين الاستعمارين البريطانى والفرنسي اللذين لهما مطامع فى مصر، وبالتالى وجود إسماعيل بهذه العقلية التنويرية أصبح حجر عثرة، فاستغلوا الديون التى تراكمت عليه بسبب تراجع إيرادات القطن بعد توقف الحرب الأهلية الأمريكية فجأة، وحاولوا محاصرته للقضاء على شعبيته أولا وتمهيد الأرض قبل التدخل المسلح، فعملوا على إشاعة بعض المقولات الساخرة التى تقول إن إسماعيل أخذ أموال الدولة ليبنى بها قصورا لنفسه ويأتى بالجوارى من أوروبا، ويجذل العطاء للمطربين الذين يحيون حفلاته كل يوم، وظل هذا الحديث مثار سخرية العامة فى مصر حتى استطاع الإنجليز التأثير على حكومة الباب العالى فى الآستانة التى قامت بعزله، وإمعاناً فى القضاء على شعبيته سهلت الحكومة البريطانية استخدام بعض الدمى مثل الأراجوز الذى لا يزال يحمل صورة الخديو إسماعيل حتى الآن للسخرية منه وعدم الخوض فى نضاله لصالح استقلالية مصر، حتى يتم القضاء على الشعور الوطنى والتفكير فى العودة إليه، الغريب أن هذه السخرية من الخديو إسماعيل ظلت قرابة قرن من الزمان، فبعد تطور وسائل الاتصال الجماهيرى وظهور السينما قدم المخرج الراحل حلمى رفلة عام 1959 فيلم بعنوان “ألمظ وعبده الحامولى” ظهرت به شخصية الخديو إسماعيل مشوهة تماماً، فعلى مستوى العمر ظهر الفنان حسين رياض فى الفيلم كأنه رجل يناهز السبعين من العمر، برغم أن التاريخ يخبرنا أن إسماعيل من مواليد 1830 وتولى الحكم فى عمر 33 عاما، وتم عزله ولم يكمل عامه ال 49، الأمر الآخر ظهر فى الفيلم كأنه رجل لا هم له إلا البحث عن ملذاته فقط، فكان الفيلم معول هدم مساعد للسخرية من شخصية تعتبر رقم اثنين فى ترتيب بناء مصر الحديثة بعد محمد على، وهكذا نجح البعض فى النيل من رموز أثرت التاريخ المصرى، لكن بعد قرن من الزمان على وفاة الخديو إسماعيل قام الكاتب محفوظ عبد الرحمن، والمخرج إبراهيم الصحن بعمل مسلسل درامى بعنوان “بوابة الحلوانى” يعتبر الوحيد فى التاريخ الذى أنصف مشوار الخديو إسماعيل وقدمه بما له وما عليه.

مدرسة المشاغبين
قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا ..كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا ..أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي.. يبني وينشئُ أنفساً وعقولا.
بهذه الأبيات بدأ أمير الشعراء أحمد شوقى قصيدته فى بداية القرن العشرين، التى يمدح فيها المُعلم ويرفع من شأنه لدرجة تقترب من مصاف الرسل، لأنه يبنى أجيالاً من الصغار وينقل لهم العلوم المختلفة التى تشكل عقولهم، فالعلم فى الصغر كالنقش على الحجر، وكان شوقى ينادى بانتشار العلم، لأنه الطريق الوحيد لتقدم الأمم، وعلى نفس النهج نادى الإمام محمد عبده وأحمد لطفى السيد الذى قاد حملة التبرع لإنشاء الجامعة الأهلية، التى أصبحت فيما بعد جامعة القاهرة، وكان من بين طلابها الأوائل طه حسين الذى تخرج فيها وذهب فى بعثة إلى فرنسا ثم عاد بأفكاره التنويرية، وقال كلمته الشهيرة “العلم كالماء والهواء” لدرجة أن أول قرار يوقع عليه بخاتمه عندما تولى وزارة المعارف فى منتصف القرن، هو قرار مجانية التعليم، ومنذ تلك الفترة ويحظى “المُعلم” باحترام كبير بين جميع فئات الشعب المصرى، فالكل ينظر له على أنه معلم الأجيال والمثل الأعلى للطلاب منذ المراحل الابتدائية حتى الجامعة، وظلت الحال هكذا فى مصر حتى نهاية ستينيات القرن العشرين، كانت مصر تعتبر منارة العلم فى الشرق الأوسط، وقد اهتمت ثورة يوليو بإنشاء المدارس، وبالتالى خرجت الجامعات والمعاهد عددا كبيرا من المعلمين أضافت إلى البنية التحتية فى العملية التعليمية والثقافية الكثير، لكن فى عام 1968 قدم نجما الكوميديا فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى مسرحية بعنوان “السكرتير الفنى” كان الفصل الأول منها مخصصا للسخرية من شكل المعلم وهيئته وتأثير ناظر المدرسة عليه، لأن الطالب يدفع 360 قرش سنوياً فلا بد أن يعيد النظر فى قرار حصد درجاته، وكأنه يساوى بين المُعلم وبين بائع فى أحد المحال التجارية، الذى يجب أن يعلم أن الزبون دائما على حق، وعرضت المسرحية نموذجا آخر من المُعلم متمثلا فى شخصية “الشيخ خميس” التى قدمها الراحل الكبير عبد الوارث عسر الذى يخاف على لقمة عيشه ويحافظ عليها بأى شكل. ومع بداية عصر السبعينيات ظهرت على السطح مسرحية مترجمة من الأدب الأمريكى تم تقديمها باسم “مدرسة المشاغبين” مصرها الكاتب الراحل على سالم وكانت تناقش وضع بعض الطلاب فى مرحلة الثانوية العامة، وكيف كانوا يتعاملون مع الأساتذة والمديرين فى المدرسة لدرجة أظهرت خوف الناظر من الطلبة وليس العكس، وحتى يتم تقديم بعض المواقف الكوميدية الساخرة مال الكاتب إلى تقديم بعض النماذج لشكل المُعلم الذى ظهر كأنه بهلوان أو أراجوز فى يد الطلاب مثلما ظهر الفنان عبد الله فرغلى فى المسرحية، ورغم نجاح المسرحية على المستوى الجماهيري وإذاعتها باستمرار للتنفيس على مشاهدي التليفزيون فإن شريحة الطلبة أخذت فى تقليد بعض حركات وكلمات أبطال المسرحية والتعامل مع الأساتذة بهذا الشكل مما أفقدهم الكثير من الهيبة والاحترام، وتجرأ الطلبة عليهم بشكل كبير، هكذا وببساطة شديدة نجد أن القوى الناعمة متمثلة فى المسرح والتليفزيون أسهموا فى السخرية من شخصية المُعلم والتقليل من شأنه وتجرؤ الطلبة عليه، لكن المتتبع للحركة الثقافية والسياسية فى مصر يستطيع أن يرصد أن هذه العوامل التى حدثت مهدت الأرض تماماً لما سيحدث بعد ذلك من تغيرات سياسية واجتماعية على أرض الواقع، فمع منتصف السبعينيات دخلت مصر عصر الانفتاح الاقتصادى الذى كتب عنه الراحل أحمد بهاء الدين الانفتاح سداح مداح نظراً للتغيير الذى أحدثه هذا الانفتاح فى طبقات المجتمع المصرى وانتشار “الفهلوة “ البعيدة كل البعد عن الخطوات العلمية المدروسة، التى تزامنت معها هجرة بعض أصحاب الحرف إلى الدول العربية والعودة بأموال وفيرة ترتب عليها جذب المعلمين لإعطاء الدروس الخصوصية لأبناء هذه الطبقة والتعامل مع المدرس بالشكل المادى وليس القيمة المعنوية وهو ما فتح الباب لانهيار صورة الرجل الذى ارتفع به أمير الشعراء إلى مصاف الرسل فى بداية القرن العشرين، وكانت القوى الناعمة المتهكمة أحد معاول الهدم سواء عن قصد أو دون قصد فى هذه العملية التى استمرت فى تخريب المنظومة التعليمية بعد ذلك .

العمدة وكسر الهيبة
هناك بعض الشخصيات المركزية فى المجتمع المصرى التى كانت تعتمد على الهيبة والقوة فى التعامل مع الآخرين، من هؤلاء شخصية العمدة التى تعتمد بالضرورة على الحزم والحسم فى الأمور الحياتية داخل القرية، فمن الصفات الأساسية أن يهابه الآخرون ويعملوا له ألف حساب خصوصا عندما يحكم بين الناس، لكن السينما المصرية خلال الستة عقود الماضية أظهرت هذه الشخصية بشكل مختلف وساخر فى بعض الأحيان، ففى فيلم الزوجة الثانية بطولة شكرى سرحان وسعاد حسنى وصلاح منصور وسناء جميل، إخراج صلاح أبوسيف، كانت الشخصية المحورية فى العمل هى شخصية العمدة “صلاح منصور” الذي ظهر بصورة تظهر طمعه وجشعه فى الاستيلاء على أراضى الفلاحين المقهورين، وظل يبحث عن رغباته فى الزواج من المرأة الحسناء “سعاد حسنى”، لدرجة أنه ساوم زوجها أبو العلا إن لم يطلقها سوف يزج به فى السجن بتهم متعددة، وبلغ عنفوانه بعد الطلاق بلحظات أن يكتب كتابه على الزوجة المطلقة، وعندما رفض المأذون وقال لا بد أن تفى بالعدة الشرعية رد العمدة قائلا: لا بأس الدفاتر دفاترنا والورق ورقنا، فى إشارة لتحكمه فى مصير كل شىء، وبرغم كل هذا العنفوان تستطيع المرأة الصغيرة المقهورة أن تدمر كيانه وتجعله يمشى فى الطرقات يحدث نفسه، لدرجة أن أهل قريته كادوا أن يستخفوا به لولا مرضه الشديد ثم وفاته، هذه المعالجة التى تمت فى الفيلم الذى أنتج فى فترة الستينيات كان لها أثر كبير فى حالة السخرية من منصب العمدة الذى كانت له حتى تلك الأيام مكانة كبرى، هذه السخرية تحولت إلى حالة من الترياق قضى على الصورة الذهنية الصحيحة للعمدة وأصبح الموروث الشعبي يستشهد بشخصية صلاح منصور فى الفيلم ورسمها على أى عمدة، مما أطاح بهذه الوظيفة القديمة التى أصبحت بعد ذلك ليست لها مكانة فى المجتمع، خصوصا أن هناك أفلاما أخرى ذهب فى نفس الطريق مثل فيلم “الأرض” للمخرج يوسف شاهين عن رواية الأديب عبد الرحمن الشرقاوى، الذى أظهر العمدة “عبد الوارث عسر” فى ثوب الموالى للسلطان والمحافظ على صحة “كلب “ البيه، والذي يضرب الفلاحين ويستخدم طرقا ملتوية فى إغفالهم حتى لا ينتبهون لحقوقهم، مثلما فعل فى مشهد حبس رجال القرية فأرسل من يأتى له “بالشيخ شعبان” الذى كان أشبه بالدجال الذى تذهب إليه نساء القرية كى يعمل لهن أحجبة تساعدهن على الزواج ممن تريد، وهو ما يؤكد على رسم صورة ذهنية معينة لشخصية العمدة الذى لم يتحمل تكاتف الفلاحين ضده وضد ولي نعمته فتوفى فى الحال، أيضا فى فيلم «أدهم الشرقاوى» بطولة عبد الله غيث ولبنى عبد العزيز وشويكار والذى يحكى عن ملحمة بنفس الاسم فى تاريخ مصر فى بداية القرن العشرين الذى أصبح أيقونة فى الحرب ضد الإنجليز، قدم الفنان محمد رضا دور العمدة الموالى لابنة الباشا والذى يظلم الفلاحين وأهل قريته، وبرغم سطوته الكبرى دخل إليه أدهم فى البيت فوجده نائم وعندما رآه أصبح العمدة فى موقف الخائف من الموت، والذى يريد أن يفدى حياته بأى ثمن وتم إذلال العمدة.
هذه الأفلام الثلاثة عرضت فى فترة زمنية متقاربة خلال عقد الستينيات، وبعد عرضها سينمائيا أصبحت تعرض فى التليفزيون الذى دخل البيوت منذ عام 1960 وأصبحت له قاعدة عريضة من المشاهدة مما جعل الشريحة الكبيرة من المجتمع فى ذلك الوقت تنظر بعين الشك والريبة لأى شخص يتقلد منصب العمدة، وبالتالى أصبحت السخرية من هذا المنصب، والتى ساعد الفن بشكل ما فيها ولم يكتف بالموالاة فقط إنما أظهر العمدة على أنه شخص جاهل لا يجيد القراءة والكتابة، وينفق أمواله ببذخ لإرضاء رغباته، حتى عندما حاولت الدراما التليفزيونية فى مسلسل «ليالى الحلمية» تقديم شكل مختلف للعمدة بعيداً عن الموالاة للسلطة، لم تستطع أن تقدمه بشكل متوازن، إنما خرج بشكل كوميدي كما حدث مع العمدة سليمان غانم "صلاح السعدنى" الذى كان أشبه بشخصية كشكش بيه، ومع نجاح المسلسل بشكل فاق التوقعات، أصبحت هذه الشخصية تشكل موروثا مهما جداً داخل المجتمع المصري انتهى بأن ذهب البريق عن هذا المنصب ولم يعد له احترام برغم أهميته فأصبح مثار سخرية .

النمطية فى صورة "اليهودي"
فى منتصف القرن السادس عشر ولد الكاتب الإنجليزى وليم شكسبير الذى يعتبره الكثيرون رائد الدراما الحديثة ومجددها بعد عصر الإغريق، كتب شكسبير 38 مسرحية تعتبر مرجعاً أساسياً لكتاب الدراما الحديثة حتى الآن، تناول خلالها العديد من الشخصيات والمواقف مثل “عُطيل وماكبث وهملت” وغيرهم، ولا نستطيع أن نفصل شكسبير عن الفترة الزمنية والحراك المجتمعى أثناء كتابته لتلك الأعمال، لذلك سنتوقف عند مسرحية “تاجر البندقية” أمام شخصية “تشايلوك” التاجر اليهودى الخبيث الذى يبطن عكس ما يظهر، ففى ذلك الوقت كانت أوروبا تعانى من مشكلات طائفية بين المسيحيين واليهود، خصوصا أن طبيعة الشخصية اليهودية تعيش فى “الجيتو” وتبتعد عن التعامل مع الآخرين وتحاول السيطرة على الاقتصاد بالكامل والإعلام، وبالتالى هي شخصية مكروهة لأنها لا تحب الاندماج فى المجتمعات،كل هذه المشكلات استطاع شكسبير أن يضعها فى شخصية "تشايلوك" ومع النجاح الباهر للمسرحية، أصبحت هذه الشخصية ذات قالب محورى لم يتغير منذ ذلك الحين حتى الآن، وقبل بداية القرن العشرين بخمس سنوات ظهرت السينما فى فرنسا على يد الأخوين لوميير ثم انتقلت للولايات المتحدة، وهناك أصبحت مدينة "هوليوود" هى منارة السينما العالمية وبدأت فى تحويل بعض المسرحيات والروايات الأدبية إلى شريط سينمائى، واستطاعت تطوير معظم الشخصيات لكنها توقفت أمام الشخصية اليهودية ووضعتها فى قالب أصبح مع مرور الزمن كأنه "اسطمبة" نمطية، سواء على مستوى الشكل والملابس والهندام أم على مستوى التعامل والضحكات الصفراء التى تبطن خلفها الكثير من الغل المجتمعى، هذا القالب فى السينما العالمية امتد ليشمل أيضا السينما المصرية التى بدأت فى الإنتاج منذ نهاية العشرينيات فى القرن الماضى، والغريب أن المجتمع المصرى فى ذلك الوقت كان يعيش فيه المسلم والمسيحى واليهودى جنباً إلى جنب، لكن يظل اليهودى يحمل هذه الصفات ولا تتغير من مجتمع لآخر، لذلك قدم الراحل العظيم نجيب الريحانى مع المؤلف بديع خيرى مسرحية “حسن ومرقص وكوهين” التى تحولت إلى فيلم بنفس الاسم وحقق نحاجات كبرى، هنا سنجد أن بديع خيرى أضفى الصفات الشكلية وطريقة الحديث وأمراض الطمع والاستغلال على شخصية كوهين كما هى معروفة لدى الشعب المصرى، بعدها بسنوات قليلة قدمت السينما المصرية العديد من الأفلام التى تبرز الشخصية اليهودية مثل فيلم “آخر شقاوة “حيث قدم الفنان إستيفان روستى دور الخواجة “كوهين”الذى أظهره كيهودي بخيل لا يجد حرجاً في أن يشوه سمعة ابنته ويدعي أنها أنجبت طفلاً غير شرعي من شاب لأسرة غنية، حتى يدفع له أهل الشاب مبلغاً من المال كي يتكتم على الخبر، وبعد سنوات وفى منتصف الثمانينيات قدم التليفزيون المصرى الجزء الأول من مسلسل “رأفت الهجان” شارك بالأحداث العديد من الشخصيات اليهودية التى تعيش فى مصر فى فترة منتصف الخمسينيات، منها على سبيل المثال دور الخواجة “صروف” الذى لعبه باقتدار الفنان الراحل نبيل الدسوقى، حيث قدم الشخصية على مستوى الشكل الخارجى بالنظارة المدورة التى يلبسها اليهود، وكذلك البدلة والباريه، وهو الشكل المقولب للشخصية اليهودية، وعلى مستوى المضمون قدم الدسوقى شخصية الخواجة صروف التى تتحدث بصوت منخفض وأحياناً بالقوة، وتتعامل مع الأمور بمنطق المصلحة الشخصية ومصلحة الجالية اليهودية فى مصر، كذلك عمله فى التجارة فى حى الموسكي الذى يسيطر علي مقدراته بالكامل، ورغم أن المسلسل قدم شخصيات يهودية مختلفة مثل “شارل سمحون وعيزرا” فإن شخصية صروف كان لها النصيب الأكبر فى محور الأحداث، لذلك ترسخت فى ذهن الجمهور بنفس القالب المتعارف عليه منذ زمن، وهكذا ساعدت القوة الناعمة على قولبة شخصية لم تتغير منذ مئات السنين برغم التطور الذى طرأ فى كل شىء إلا هذه الشخصية النمطية، التى تبين بعد ذلك أنها أقل قدرا من كل هذه المبالغات التى أسهمت فى تخويف المشاهد العربى من شخصية اليهودى وبالغت فى ذكائه وحذره وحسه الأمنى.. وهو ما نفته الأجزاء التالية من المسلسل الذى دارت أحداثه داخل إسرائيل، بل قضت على أى من مفرداته تلك الهزيمة المرة التى تكبدها اليهود فى وضح النهار فى حرب أكتوبر 1973.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.