يروى أن جورج برنارد شو، الكاتب الساخر، وهو يقدم العرض الأول لمسرحيته «بيجماليون» التي أخرجها بنفسه، أرسل إلى السير ونستون تشرشل - وكان على خلاف فكري دائم معه - بطاقتي دعوة وقد أرفقهما ببطاقة كُتب فيها: «لقد أرسلت لك بطاقتين كي تحضر العرض مع صديق... إن كان عندك صديق!». وإذ فهم تشرشل مغزى هذه العبارة، رد البطاقتين إلى شو مع بطاقة كُتب فيها: آسف لأنني لن أتمكن من حضور العرض الافتتاحي. آمل بأن تُرسل لي بطاقتين للعرض الثاني إن كان هناك عرض ثان». علي الرغم من أنه بدأ حياته ضابطا بالجيش البريطاني لتمضي به الحياة ويصبح من أشهر القادة السياسيين، فإن السير ونستون تشرشل الذي كان رئيس وزراء المملكة المتحدة في الفترة ما بين عام 1940م و 1945م، ثم عقب الحرب العالمية الثانية في عام 1951 عاد لهذا المنصب وظل فيه حتى عام 1955م انفرد بين الزعماء بالأسلوب الساخر الذي نافس به أشهر الكتاب في عصره ذلك لأنه كان يتميز بأنه كاتب ومؤرخ وفنان ولهذا يعد رئيس الوزراء الوحيد الذي نال جائزة نوبل في مجال الأدب. لكن لماذا يلجأ قائد و زعيم مثل تشرشل في حياته إلي السخرية، خصوصا أنه لديه القدرة علي مواجهة أعدائه ومواقفه الحرجة بطرق أخري مختلفة؟ ربما نجد في محاولة ألفريد آدلر لتحليل السخرية ما يجعل شخصيات مثل تشرشل تتجه إلي هذا النوع من الأسلوب الذي قد يؤدي إلي تحطيم أفراد معنويا. وألفريد آدلر “7 فبراير 1870 – 28 مايو 1937” هو طبيب عقلي نمساوي ومؤسس مدرسة علم النفس الفردي. وقد حاول أن يرجع السخرية أو يحللها – كانفعال مركب – إلى الغرائز البسيطة التي تتركب منها، فقال:”هي خليط من انفعالين هما الغضب والاشمئزاز: فنحن إذ تثور فينا غريزة النفور نشمئز، فإذا عدا الشيء الذي أثار اشمئزازنا على صفاء عيشنا، من أية ناحية من النواحي، بعثت فينا غريزة المقاتلة والانفعال المقترن بها، وهو الغضب، فدفعا بنا إلى السخرية مما بعث اشمئزازنا أو ممن أثاره في نفوسنا. ولا يخلو هذا من عنصر الزهو، لأننا ننزع إلى الرضا عن أنفسنا والاسترواح إلى شعورنا، عقب مطاوعة السخرية والانسياق معها”. ومن ناحية أخري ، إذا فتحنا أي معجم لغوي سنجد أن معني السخرية اصطلاحا هو الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه. وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل وقد يكون بالإشارة والإيماء. كما يري البعض أن السخرية تمتزج بالهجاء من ناحية الوظيفة وكلاهما يفترقان من ناحية المادة أو الطبيعة التي يشتمل عليها كل منهما. فالهجاء طريقة مباشرة في الهجوم على العدو، ولكن السخرية طريقة غير مباشرة في الهجوم. كما تعتمد السخرية علي التلاعب اللفظي. وفي ذلك يفسر الخبراء أن الأساس فيه هو محاولة المتندر أن يكسب الألفاظ معاني غير معانيها الواضحة. فإذا ما اكتشف السامع أن ما يقصده المتكلم هو هذا المعنى الغريب يسخر من فهمه الأول لمعنى الجملة فيضحك. ويكون التلاعب اللفظي: باختصار الفكرة أو بالإضافة إليها بحيث تخرجها عن معناها الأصلي أو بتبديل الكلمات المكونة لها أو بنحت بعض ألفاظها أو بتقسيمها أو بالعبث بإعجامها. وأخيرا وحتي نطبق ما يمكن ان فهمناه عما قيل في السخرية، يجب أن نعود إلي أفضل أقوال ونستون تشرشل، ربما تقرب لنا ما أراد المتخصصون و الخبراء توصيله لنا.