• نشرت مجلة لوبوان (Le Point) فى 4 مارس 2011 مقالة عن الدبلوماسية الفرنسية فى ليبيا. “تكون الدبلوماسية أحياناً بسيطة، كمكالمة هاتفية تجريها من صالون طراز روكوكو من فندق رفائيل» برنارد هنرى ليفي:”أكلمك لأننى ذاهب غداً إلى ليبيا، إن توصلت هناك إلى اتصال مثير، يمكن أن يكون مفيداً أو أن يوضح لنا الوضع هل يمكن أن أتصل بك من هناك؟. نيكولاى ساركوزى : بالطبع لا تتردد فى ذلك”... • وفى يوم الأحد 27 فبراير ينهى الفيلسوف برنارد ليفى “ هكذا يلقبونه، وهو كاتب فرنسى وإعلامى يهودى الديانة، عرف بمناصرته لدولة إسرائيل، ويقال إنه يعمل لحسابهم سياسياً، وله دور كبير فى البوسنة وأفغانستان وثورات الربيع العربي”. ويحزم ليفى حقائبه ويذهب إلى ليبيا ليتكلم أمام اللجنة الثمانية، ويقول:”أنا على اتصال مع نيكولا ساركوزى، لا أنتمى لمعسكر رئيسى السياسى لكن يمكننى أن أحاول تدبير لقاء لكم معه. ووافق أعضاء المجلس الوطنى الانتقالى الليبى بالإجماع!! وبعد ساعتين أجرى برنارد ليفى الاتصال مع ساركوزى ليحدثه عن ليبيا والفوضى والأمل الذى ينشدونه منهم!! وأجابه ساركوزي: اتصل بجان دافيد لوفيت، وسأستقبل أصدقاءك بكل سرور”... فيرد عليه إنهم مسعود الليبيون “وهم جماعة إسلامية على طريقة أحمد شاه مسعود الزعيم القبلى الأفغاني” صدقنى سيكون ذلك أهم فعل سياسي. هذا المقطع من المقال جُل ما كان يعنينى أن أنقله وأذكركم به، أما سبب استدعاء عقلى لتلك المقالة القديمة فهو عودة ظهور وجوه عديدة منها المألوف ومنها المستحدث على الساحة السياسية الآن!!. إنها حرب المثقفين الوهميين يا سادة المنتشرين والمشهورين بإطلالتهم على شتى وسائل الإعلام، الذين وراءهم آليات ضخمة لتسويقهم أمثال برنارد هنرى ليفى ، جاك أتالى ، لوك فيرى ، آلان فنكيلكرات.. وغيرهم الكثير. فهناك فرق بين القوة العسكرية ووسائلها الدموية الواضحة، والقوة الناعمة كنسخة حديثة تلائم العصر وتحفظ الشكل الديمقراطى للمستعمر، فتأثير الثقافة والترويج للإسراع بالأمور بشكل ثقافى إمبريالى للتقسيم الجغرافى للأرض، كما قرأناه بصراحة يحسد عليها صموئيل هنتنجتون فى كتابه “ صدام الحضارات “ يجعلنا نفهم الكثير مما يحدث حولنا من حروب سلمية !!... فالترويج هو أداة لغزو أى دولة ويطلق عليه “ أنكلو سكسونيا “ أى القوة الناعمة، يقف كل خصم وهو يحمل ملفا يضم رسائل حضارية أعدت بكل دقة بحثية معملية ليتصدر المشهد الساسة والمثقفون والفنانون. هناك مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكى والجميع يعلم، أن هذا المركز هو من يحدد أين ومتى سيشكل اضطراباته العامة ومن هم ضحاياه الجدد وجلادوهم. إنها حرب إعلامية وتدويل أزمات مصنوعة تملأ فاه من يخطط لها بمنتهى السخرية من تكرارها وتصديقنا فى كل مرة! علينا أن ندركها ونتعامل معها بنفس القدر من الأهمية.. حرب الانفعالات الإعلامية متعددة الجنسيات تحت مسمى إعادة الأمل للشعوب وتحت لواء المنقذ “الصقر الأمريكي”. • فى نهاية عام 1992 من أجل حماية موظفى الأممالمتحدة والحفاظ على التجهيزات والمعدات، أنزلت مجموعة من الجنود طلوا وجوههم باللون الأسود وزحفوا ليلاً على الشواطئ الصومالية تحيط بهم كاميراتهم الأمريكية التى كانت فى بث مباشر، وكان معهم “ برنارد كوشنير” وزير الدولة الفرنسى للعمل الإنسانى ويحمل على ظهره كيسا من الأرز كمساعدة إنسانية “لزوم الصورة والدعاية“.. ورد الصوماليون بقتل ثمانية عشر جنديا أمريكيا ومثلوا بالجثث وربطوها فى مؤخرة العربات وطافوا بها فى بلادهم، وكان هذا المشهد من أبشع الردود على غطرسة الغرب. والآن الصومال ما زالت فى نفس الوضع السياسى والإنسانى الصعب، ومع ذلك لا يثيرون تعبئة للرأى العام عنها!!... ببساطة لأنها أصبحت لديهم أرضاً لا تستحق الإنسانية!! هل ما زلنا نذكر جميعاً حرب الخليج 1991 ؟!!. فبفضل الإعلام وقناة الجزيرة وال CNN شاهدنا بأعيننا كفيلم هوليوودى أعد بحرفية شديدة منذ بدئه حينما أعطى المخرج إشارة البدء بل الأكثر، لقد أضافوا عنصر التشويق وجعلوا المشاهدين ينتظرون بدء الضربة الأولى!! وكيف استخدمت الصورة فى التأثير على الرأى العام المقرر للسياسة الخارجية، وحيث ما يقررون أين مكان اللعبة يكون طاقم التصوير مستعدا دائماً. فى ماينمار سمعنا جميعاً عن حوادث القمع اللاإنسانية والمذابح ولم نرها!! ولم تلتقط لها أى صورة!! لماذا؟ لأن المخطط هو من يختار ماذا سيقدم فى نشرة الأخبار وبرامجكم للتوك شو المسائية ومجلاتكم وصحفكم، وتبقى الصورة هى الأهم من التحليل.. ليبقى الأثر النفسى بانفعالاته فى نفس وذهن المتلقى .. هذا التلاعب الإعلامى هو ما قضى على العراق وليبيا وسوريا واليمن وثورات ما يطلقون عليه الربيع العربي!!! بل قد يصل الأمر أحياناً إلى فرض تعتيم إعلامى لقيود الأحداث والجداول الزمنية !! قد يتساءل القارئ: وكيف ذلك؟ “ أجيبه خذ مثلاً حدثاً قريباً مثل كأس العالم، وهو حدث رياضى عالمى يتم الاتفاق على عدم الإعلان عن أى قضايا كبرى سياسية كانت، أو قتل أو إبادة أو حروب سرية طوال معالجة تغطية ذلك الحدث. عبر مر الأزمان قدم لنا من أطلقوا على أنفسهم سادة العالم، أبشع وأعقد صفات إنسانية سطرتها صفحات التاريخ ألا وهى الحروب.. واحتفظوا لأنفسهم بترخيص علنى لقتل البشر وجعلهم كطرائد لابد من قنصها.. بل الأدهى هو إيهامنا، بأن ذلك العنف واللا إنسانية الشكل الديمقراطى لبقاء الإنسان حراً ومتمتعاً بكامل حقوقه فى الحياة!!. • مرت علينا “ الخطر الأصفر “ وهو (وهم صدره نابليون للتحذير من شعوب الشرق الآسيوى الأقصى) .. وأطلق عليه أيضاً “ غيوم الثانى “ وذلك الوهم الكبير كان بغية تبرير مشاركة ألمانيا فى تقسيم الصين، و” البيون الغدارة “ وهو المصطلح الذى أطلقته فرنسا على بريطانيا واتهاماتها لها بأنها منعتها من الاستعمار بشكل هادئ !!... • ولا يخفى على ذهن القارئ تكرار كلمة “ الماسونية “ وما بين مصدق لها عن علم ووثائق ورافض للفكرة فى ذاتها، واعتبارها كما قلت مرات عديدة ضرباً من الخيال وهى ليست كذلك. • إلا أن المؤامرة اليهودية الماسونية للبلورترقراطيين “ أى الأثرياء المتحكمين اقتصادياً فى العالم وباسطين نفوذهم الواسع “ التى ازدهرت ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، واتخذت من الهولوكوست تبريراً لما تلاها من أحداث استعمارية وتشكيل لقوة فى عالمنا وشرعت العديد من الحروب، وخلفت الدمار حيثما وطأت أقدامها وزيفت وعى الشعوب بالديمقراطية والسلام المفروض بالنووى والتلويح بالأزمات الاقتصادية تلك هى عدالة “ إيشلون “ “ وهو رمز استخدمته الاستخبارات الأمريكية للإشارة إلى نظام عالمى لمراقبة الاتصالات الخاصة والعامة، واشتركت معها كندا وأستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا فى إطار اتفاقية “ UKUSA “ كشبكة شاملة تدعمها أقمار صناعية وقواعد التنصت فى العالم كله للرقابة فى المجال العسكرى والسياسي” . فى عام 2002 وتحديداً فى 25 يناير، قدم هذا الاتحاد الشيطانى مثالاً معاصراً، لكيف تصنع أعداء من الخيال !!. فأعلن الرئيس الأمريكى بوش انتشار أسلحة الدمار الشامل فى العراق ... وتم تدمير العراق.. إن بناء وصنع العدو هو عملية اجتماعية وسياسية وإعلامية بحتة يُزج فيها بالنخب السياسية والثقافية لنقل أسرع، ولتشكيل ثوابت داخل عقول الشعوب، وهم بالطبع لا يعلمون نيات تلك الأنظمة التى تقف خلف تلك النخب!!. ولا نريد أن نظل على فرضية اليوتوبيا الفكرية التى فقدناها منذ أزمان ونعتقد أو نتوهم بأن الأنظمة الديمقراطية هى بطبيعتها سلمية. • هل حاول العرب خاصة أو الشعوب العربية بشكل أعم أن يعترض على فكرة “ القدر الواضح “ “ التى تعطى لأمريكا حق الاستعمار والتدخل والتوسع”؟!! إنها تعطى لنفسها حماية وضبط العالم وتحديد أولوياته وسياساته ومستقبله. تحضرنى الآن مسرحية “ ماما أمريكا “ وبالحضور الساخر الممزوج بالمرارة فقد حاول الفنان المثقف محمد صبحى أن يجعل الناس ينتبهون لما يحدث من اتحاد خفى لهذا العالم، ويا ليت الناس قد انتبهوا. • فى يوم ما كتب “ رينيه جيرار “ “ لا نستطيع خداع العنف إلا فى حال عدم حرمانه من أى متنفس وإعطائه شيئاً يضعه تحت أسنانه “ . • أكتب مقالتى هذه إلى الشعوب كل شعوب العالم لينتبهوا لمدعيى الديمقراطية الإستراتيجية والمعاهدات ، لا تصدقوهم فالمعاهدات ليست إلا كلمات تلقى فى مؤتمرات من أجل وضعها فى إطار جميل !!... • معاهدتهم الحقيقية هى نظرية القوة التى تولد نزعة لا واعية للحروب والسيطرة ... وإذا أردتم دليلاً فلتنظروا ملياً إلى بلادكم جميعاً فمن كان معترضا أصبح الآن شريكاً بل منافس لهذا الاتحاد .... لا يوجد على الأرض سلام.