«إلى سيدة الغناء العربى أم كلثوم... حضرة السيدة الفاضلة كوكب الشرق أم كلثوم المحترمة... بعد التحية... إن لمن دواعى سرورنا دعوة سيدة الغناء العربى الأولى لزيارة أبوظبي، للاطلاع على معالمها عن كثب، ومشاهدة ما حققته من إنجازات خلال فترة وجيزة، كما أنه سيكون مبعث فرح وسرور لنا أن نمتع الأذن بسماع الصوت الشجى والنغم الجميل، آملين أن يتاح لكم الوقت للقيام بهذه الزيارة، وذلك بمناسبة العيد الوطنى لبلادنا، متمنين لكم موفور الصحة، سائلين الله أن يوفقكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله، زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي».
هذا نص الدعوة التى وجهها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لكوكب الشرق أم كلثوم لزيارة أبوظبى عام 1971 لتقديم حفلين غنائيين بمناسبة عيد جلوسه الخامس، والذى تم تأجيله فى ذلك العام من 6 أغسطس إلى28 نوفمبر بسبب ظروف قيام وتأسيس الاتحاد الإماراتى وما تطلبه ذلك من وقت وجهد كبيرين آنذاك.
كتاب «أم كلثوم فى أبوظبي»، الذى أصدره الأرشيف الوطنى التابع لوزارة شئون الرئاسة فى أبوظبى مؤخراً، يرصد تفاصيل تلك الزيارة التاريخية لفنانة العرب الأولى إلى أبوظبى قبل قيام دولة الإمارات بأيام قليلة، حيث بقيت أم كلثوم نحو ثلاثة أيام فى أبوظبى فى ضيافة الشيخ زايد حتى شهدت إعلان قيام دولة الإمارات فى الثانى من ديسمبر عام 1971 . أشرَف على الكتاب الذى يأتى تزامناً مع احتفال دولة الإمارات هذه السنة بالذكرى المئوية لميلاد مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الكاتب والمثقف الإماراتى محمد المر، نائب رئيس مجلس إدارة الأرشيف الوطني.
الثقافة والفنون وقد وثَّق محمد المر من خلال الكتاب زيارة سيدة الغناء العربى أم كلثوم للإمارات عام 1971 فى تأكيد على أن الإمارات ترسخ مكانة الثقافة والفنون بأبهى أبعادها فى عام 2018 "عام زايد". يقول محمد المر فى مقدمة الكتاب: عندما حضرت سيدة الغناء العربى أم كلثوم إلى أبوظبى عام 1971 كان المستمعون والمحبون لغنائها كثيرين، وكانت شعبيتها فى الإمارات لا تقل عن شعبيتها فى دول الخليج والجزيرة العربية وباقى الدول العربية. وأكد أن نص دعوة الشيخ زايد لكوكب الشرق تقدير كبير لفنانة عربية راقية ساهمت فى النهضة العربية الفنية والحضارية، وفنانة وطنية غنت لآمال وآلام بلادها وأمتها، وكان ذلك واضحاً فى جهودها لإحياء حفلات غناء فى مختلف دول العالم، بحيث يعود ريعها لدعم المجهود الحربي.
عشاق أم كلثوم وأشار المر إلى أن المسارح الموجودة فى أبوظبى آنذاك، كانت مسارح دور سينما وأكبر قاعة سينما آنذاك، كانت لا تتسع لأكثر من عدة مئات من المشاهدين وعشاق أم كلثوم بالآلاف، لذلك فقد صدرت الأوامر لكى تقوم وزارة الدفاع بالتنسيق مع باقى الوزارات والدوائر لبناء مسرح مؤقت على أرض النادى الأهلى الذى أصبح فيما بعد نادى الوحدة، وفى فترة قياسية لا تتعدى ثلاثة أسابيع أقيم ذلك المسرح الذى أعد لتكون طاقته الاستيعابية أربعة آلاف كرسي. تضمن الكتاب دراسة وافية عن زيارة كوكب الشرق لأبوظبي، بناء على دعوة من حاكمها آنذاك الشيخ زايد بن سلطان، لتحيى حفلة عيد جلوسه والإعلان عن تأسيس دولة الإمارات، كما ضم دراسات أخرى لكل من الكاتب والروائى ناصر عراق بعنوان «أم كلثوم... السيرة المبدعة»، والكاتب والناقد الموسيقى اللبنانى إلياس سحاب «حفلات أم كلثوم خارج مصر»، وفى خاتمة الكتاب وضعت قصائد تحية لأم كلثوم لكل من الشاعرين سلطان العويس ومانع سعيد العتيبة.
رحلة فوتوغرافية ويأتى الكتاب متضمناً رحلة فوتوغرافية زاخرة بالتفاصيل والحكايا لكل من انضم للحفلين اللذين أقامتهما كوكب الشرق: الأول بتاريخ 28 نوفمبر 1971. والثانى بتاريخ 30 نوفمبر 1971. ويشكل الكتاب وثيقة مهمة لتاريخ الإمارات الثقافى والحضاري، بحسب الأديب محمد المر، الذى أسهم فى رصد تفاصيل اللحظة الساحرة، لحضور كوكب الشرق، عبر الكتاب المتفرد بالصور الفوتوغرافية الخاصة بالحدث، والتى تعد بدورها المرجعية التاريخية الأبرز فى الكتاب. ووفقاً للكتاب زارت أم كلثوم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فى قصر المنهل، بينما أقامت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائى العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية بأبوظبي، احتفاءً خاصاً بمناسبة زيارتها إلى أبوظبي. كما تجولت كوكب الشرق فى أبوظبى خصوصاً منطقة الكورنيش، حيث تعرفت على أبرز معالم الإمارة.
محطات مختلفة
ويوثق كتاب «أم كلثوم فى أبوظبي» ذلك الحدث الفنى والثقافى والحضارى المهم مع صور تتابع الزيارة فى مختلف محطاتها منذ مغادرة أم كلثوم مطار القاهرة ووصولها إلى مطار أبوظبي، والحفل الأول الذى رعاه وحضره المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وولى عهد ابوظبى آنذاك، والعديد من الشيوخ والوزراء والمسئولين وكبار الزوار الذين قدموا من خارج الدولة، كما توثق الصور زيارة أم كلثوم قصر المنهل للسلام على الشيخ زايد. ويعد الكتاب أحد الإصدارات المهمة التى يوثق من خلالها الأرشيف الوطنى العديد من المراحل التاريخية فى تاريخ الإمارات الحديث.
عقد من اللؤلؤ
أثناء زيارة أم كلثوم إلى أبوظبى قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المحب للتاريخ والمقدر للتراث بإهدائها عقداً من اللؤلؤ، وهو العقد الذى تزينت به فى حفلتها الثانية فى أبوظبى، ورصد محمد المر الزيارة لحظة بلحظة، وأسند إلى أحد خطاطى الخط العربى كتابة أغانى أم كلثوم فى حفلتها بالخط العربي، وأبرز صوراً انفعالية لكوكب الشرق، منها صورة، وهى تراقب الجمهور قبل الحفل من ستارة المسرح، وأخرى خلال مقابلتها مع الشيخ زايد وتقليدها منه عقداً من اللؤلؤ ارتدته فى حفلتها الثانية.
صاحبة الفضل الأول
وقال الروائى ناصر عراق: تعد أم كلثوم صاحبة الفضل الأول فى إعادة تقديم الشعر العربى وشيوعه وترديده على ألسنة الجميع، المتعلمين والبسطاء، من خلال القصائد العديدة التى تغنت بها، إذ ساعدها الشاعر أحمد رامى فى بداية حياتها على استيعاب الشعر وتذوقه ولعب أبو العلا محمد دوراً مهماً فى إقبالها على التغنى بالشعر من خلال ألحانه للقصائد وغنائها. ورصد اللبنانى إلياس سحاب حفلات أم كلثوم خارج مصر، بدءاً من أولى رحلاتها إلى بيروت فى العام 1931م، حتى رحلاتها للقدس وحيفا ويافا وتونس وليبيا والكويت والسودان وفرنسا والعراق. وفنَّد الكتاب أغنيات أم كلثوم التى غنتها فى أبوظبي، وهى أغنية «ودارت الأيام» للشاعر مأمون الشناوي، و«الحب كله» من كلمات أحمد شفيق كامل وألحان بليغ حمدي، و«القلب يعشق كل جميل» من كلمات بيرم التونسى ألحان رياض السنباطي، و«أغداً ألقاك» من كلمات الهادى آدم وألحان محمد عبدالوهاب.
صيد الصقور
عاشت سيدة الغناء العربى تجاربها الأولى مع عفوية الصحراء، بمشاهدتها لعدد من الصقور، أثناء زيارتها لقصر المنهل، ولقائها التاريخى مع القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، وذلك - حسب ما رصده الكتاب الذى أشار إلى أنها المرة الأولى التى تشاهد فيها السيدة أم كلثوم منظر الصقور، وعندما ذكرَتْ ذلك للشيخ زايد أخذ يحدثها عن الصيد بالصقور كهواية عربية أصيلة وكيفية تدريب الصقر على عملية الصيد.
التقدير الرسمي
فى ختام زيارة أم كلثوم إلى أبوظبى كتب الأديب محمد المر: «وبذلك انتهت زيارة أم كلثوم التاريخية لأبوظبي، وستبقى تلك الزيارة من أهم محطات زيارات أم كلثوم الفنية الأخيرة، إذ كانت آخر زيارة خارجية لها وحصلت فيها على التقدير الرسمى المميز والإعجاب الشعبى الكبير، وبعد سنة تقريباً توقفت أم كلثوم عن حفلات الغناء وتوعكت صحتها وتوفيت فى 3 فبراير 1975 وقد ودعتها إلى مثواها الأخير جماهير غفيرة من أبناء وبنات الشعب المصري الكتاب مكون من 230 صفحة ومن القطع الكبير وقام بإخراج الكتاب الفنان السورى الكبير محمد شمس الدين عبو.