سؤال واحد فقط يفرض نفسه بقوة على الشارع الرياضي في مصر وهو، من المسئول عن إخفاق المنتخب المصري الأول في مونديال روسيا؟ لاسيما أن الفراعنة عادوا من هناك بخفي حنين، والخسارة في ثلاث مباريات أمام أوروجواي وروسيا والسعودية، دون تحقيق نقطة واحدة ترفع رصيد اللاعبين عند الجماهير التي منت النفس بفرحة مونديالية غائبة منذ 28 عاما، وبات الأمر أكبر من رحيل المدير الفني والبحث عن آخر، بل إنه ملف شائك يكشف عن عدم احترافية لاتحاد كرة يديره أحد الشخصيات القيادية في الاتحاد الدولي "فيفا"، وبات الملف على طاولة وزير الرياضة الجديد الدكتور أشرف صبحي، وهو من كتب تغريدة على موقع تويتر أكد فيها أن الأمر لن يمر بسهولة. تعيش الرياضة المصرية في سيناريو متكرر، خصوصا في لحظات الإخفاق، فقبل مرور عامين قامت الدنيا ولم تقعد بسبب عدم تمكن البعثة المصرية من تحقيق الإنجاز الذي تشدق به المسئولون في دورة الألعاب الأوليمبية (ريو دي جانيرو)، وعادت البعثة بثلاث ميداليات برونزية لكل من، هداية ملاك في التايكوندو وسارة سمير ومحمد إيهاب في رفع الأثقال. عقب هذا الإخفاق تحدثت وسائل الإعلام عن شبهات فساد وتقصير في الإعداد وأزمات للاعبين وعدم الاهتمام بالبطل الأوليمبي، وتلك الأزمات تتردد مع كل بطولة أوليمبية، وخصت البرامج التليفزيونية ساعات وساعات للحديث عن الفساد وأعوانه، لكن دون أن نسمع عن محاسبة مسئول واحد، وتتجدد التساؤلات هل كل ما يحدث مجرد ادعاءات على مسئولين لا يخطئون، أم أن نفس المسئولين يجيدون ترتيب الأوراق بما لا يضعهم تحت المساءلة والإدانة؟ كما أن التصريحات نفسها نسمعها من أصحاب الحق في المساءلة دون أي نتائج، فقد قال رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب فرج عامر: إن المنظومة كلها أثبتت فشلها ولا نعفي اتحاد الكرة من مسئولياته، وإن مجلس النواب لا يملك حل اتحاد كرة القدم، لكن وجب على الاتحاد أن يرحل، وإن أي تدخل من جانب وزير الرياضة أو مجلس النواب سيكون ضد قوانين الاتحاد الدولي. وأوضح رئيس لجنة الشباب والرياضة البرلمانية، أن لجنته ستشكل لجنة تقصي حقائق لبحث ملف كأس العالم، وعشرات طلبات الإحاطة، ولن نسكت عن أي تجاوز وسنستخدم كل الآليات، ومن واقع مسئوليتنا نطالب اتحاد الكرة بالرحيل. الطريف أن فرج عامر نفسه تعرض للهجوم واتهمه البعض بأنه تكفل برحلات لعدد من أعضاء مجلس النواب إلى روسيا لمشاهدة المنتخب في المونديال، والمشوار كله لم يخل من الاتهامات والانتقادات، خصوصا لأعضاء اتحاد كرة القدم المصري، بداية من الزي الرسمي للبعثة مرورا بمكان الإقامة في جروزني وتذاكر المباريات التي بيعت في السوق السوداء، حتى الهزيمة أمام المنتخب السعودي، وتفرغ مسئولو "الجبلاية" للرد على الاتهامات ببيانات رسمية منافية. وطالت الأجواء غير الملائمة للنجاح، والإدارة غير الاحترافية نجم منتخب مصر وفريق نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، والذي وجد نفسه بين عشية وضحاها معرضا لأزمة سياسية صنعتها الصحف الأجنبية، مستعينة بمشهد للاعب مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف المتهم بانتهاك حقوق الإنسان في بلاده، لذا فالنتيجة التي خرج بها المنتخب الوطني تبدو بديهية بالنظر إلى هذه الأجواء. وترك مجلس اتحاد الكرة ورئيسه هاني أبوريدة أنفسهم عرضة لاتهامات بالتربح من وراء الشركة الراعية، والبحث عن الأموال على حساب مصلحة المنتخب والتي هي في الأساس مصلحة دولة بأكملها وحقوق الملايين من مواطني هذه الدولة. وكانت الهزيمة أمام المنتخب السعودية في الجولة الثالثة من دور المجموعات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لأنه وبعد هزيمتين متتاليتين أمام منتخبي أوروجواي وروسيا (المضيف)، انتظرت الجماهير فرحة تحقيق انتصار وحيد يحفظ للاعبين ماء الوجه، ويبقي على البقية الباقية من عشقهم لكرة القدم التي هي مصدر السعادة، غير أن اللاعبين والجهاز الفني كان لهم رأي آخر بأداء مخز. وظهر لاعبو المنتخب بصورة أقل من المتواضعة أمام الأخضر السعودي، وأضاعوا فوزا سهلا بل منحوا المنافس الفوز الثالث في تاريخهم المونديالي، وكذلك أن المنتخب السعودي هو صاحب أول فوز لمنتخب عربي في المونديال بعد إخفاق مصر وتونس والمغرب في تحقيق ذلك، واكتفى منتخب الفراعنة بإنجازات شخصية وهي حصول اثنين من لاعبيه على جائزة أفضل لاعب وهما الحارس محمد الشناوي واللاعب محمد صلاح، والأخير بات هداف مصر في المونديال برصيد هدفين، متفوقا على مجدي عبد الغني صاحب هدف مصر الوحيد في مونديال 1990، كما أن الحارس الدولي المخضرم عصام الحضري (45 عاما) بات أكبر اللاعبين سنا يشارك في تاريخ المونديال. سافرت البعثة من لاعبين وجهاز فني وطبي وإداري ومعهم أعضاء اتحاد الكرة، حاملين انتقادات بسبب الزي الرسمي للبعثة، وقد تجاوز البعض في النقد، لكن آخرين تحدثوا عن تغليب الاتحاد المصالح الشخصية في التعامل مع أي شركات متعاونة، وفي روسيا لم تتوقف أسهم النقد بسبب الأداء وخطة كوبر أو ما تسرب من أخبار عن بيع أحد أعضاء الاتحاد لتذاكر المباريات، وكذلك تصوير اللاعبين في غرفهم الخاصة مقابل مبالغ مالية. رحيل كوبر قد يكون تسبب في تهدئة حالة الاحتقان الجماهيري، خصوصا أنه حتى هذه اللحظة دافع باستماتة عن خطته الدفاعية، وقال بهدوء شديد في المؤتمر الصحفي الخاص بمباراة مصر والسعودية، إنه لولا هذه الخطة ما استطاع منتخب مصر الصعود إلى المونديال. وأمام كل هذا فقد كان طبيعيا أن يعود أفراد البعثة محاطين بسياج أمني في مطار القاهرة الدولي، حفاظا عليهم من بطش الجماهير التي تدفع وحدها الثمن.