شاهيناز العقباوى - حذر الدكتور على لطفى، رئيس وزراء مصر الأسبق، من استمرار ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع الدين العام إلى 1.2 تريليون جنيه، بما يساوى الناتج المحلى الإجمالى تقريبا، هو ما يضع مصر فى دائرة الخطر. وأكد خلال حواره مع "الأهرام العربى" أن الوضع الحالى لعجز الموازنة يتطلب فرض ضرائب تصاعدية وتفعيل قانون الضريبة العقارية وإعادة النظر فى الصناديق الخاصة، وتحصيل المتأخرات الضريبية التى وصلت إلى 50 مليار جنيه، وأكد أن قرض صندوق النقد الدولى يعد بمثابة شهادة حسن سير وسلوك للاقتصاد المصرى، وهو أمر مطلوب لأسباب عدة. قضايا كثيرة طرحناها على الدكتور على لطفى فإلى التفاصيل.. لو كنت رئيس وزراء مصر حاليا كيف ستتعامل مع أزمة عجز الموازنة؟ عجز الموازنة العامة للدولة السبب الرئيسى للدين العام، لأن الحكومة تغطى العجز عن طريق أذون الخزانة التى تكتتب البنوك فى معظمها، وتحصل على قروض خارجية لسد العجز، وعلاج عجز الموازنة أمر مهم وضرورى، وإلا سيظل الدين العام يرتفع ويسجل معدلات غاية فى الخطورة، حيث وصل إلى 1.2 مليار جنيه دينا داخلياً، لكن البعض مازال يرى أننا حتى الآن لم نصل إلى حد الخطر، وهذا الكلام غير صحيح، لأننا بهذا الرقم نكاد نكون وصلنا إلى 100 % من إجمالى الناتج المحلى، فى حين أن حجم الخطورة المسموح به يكون ما بين 60 % إلى 70 % من الناتج المحلى الإجمالى، ومصر لها خصوصية فيما يتعلق بموضوع الدين العام، وهى أن الأقساط والفوائد التى تتحملها الموازنة عن الدين العام تأخذها من الإيرادات الخاصة بالموازنة العامة للدولة، وهى تمثل ربع الإيرادات، نحو 120 مليار جنيه، وهو موضوع فى منتهى الخطورة، لأن هذا الرقم يكاد يساوى الباب الأول من الموازنة الخاص بالأجور، ومعنى هذا أننا لن نستطيع مضاعفة الأجور والرواتب طالما هناك دين عام . شخصتم المرض ..فما العلاج؟ نعالج ذلك من خلال ترشيد النفقات الحكومية وتخفيض عدد السفارات والمكاتب، لأننا أكبر دولة فى العالم لديها سفارات متخصصة ونفقاتها مرتفعة جدا، ومصر ليست بالدولة الغنية التى تستطيع تسديد كل هذه الأموال، يأتى بعد ذلك موضوع الصناديق الخاصة، فعندما تحدثت عنها وطالبت بضرورة معالجة مشاكلها، اتصل بى الدكتور ممتاز السعيد، وزير المالية وأخبرنى بأن هناك دراسة تجرى حاليا لتخصيص 20 % من إيرادات الصناديق وضمها إلى الخزانة العامة، لتخفيف العجز فى الموازنة، وسيتم تطبيق ذلك بداية من موازنة هذا العام، وهو قرار متميز لأنه حتى الآن لا يوجد رقم دقيق يحدد حجم الأموال التى توجد فى الصناديق، ننتقل بعد ذلك إلى موضوع الضراب، وهو مهم جدا، لأن تطبيق الضريبة التصاعدية لابد أن يتم بسرعة، مع تنفيذ مشروع الضريبة العقارية والمطلوب لتنفيذه تعديل مادتين فى القانون، الأولى تحديد الحد الأدنى المعفى من الضريبة من نصف مليون جنيه إلى مليون مثلا، ليخرج منها الفقراء، وبذلك سنحصل على إيرادات كبيرة وستتحقق العدالة الاجتماعية. وثمة محور آخر لابد من النظر إليه وهو تحصيل المتأخرات الضريبية والتى وصلت إلى أكثر من 50 مليار جنيه، ثم العمل على محاربة التهرب الضريبى، صحيح هو عمل غير شرعى، لكننا نحتاج إلى هذه الأموال، وأخيرا علينا الاهتمام قليلا بحل مشكلة الدعم، لاسيما أنه تجاوز ال 1200 مليار جنيه، وهى عبارة عن منتجات بترولية لابد من البحث عن علاج سريع وحاسم لها، ولن يكون ذلك إلا بالتحول التدريجى من الدعم العينى إلى الدعم النقدى، لأن المواطن المصرى ليس قاصرا. وكيف ستتعامل مع ما تمر به مصر حاليا من مشاكل زراعية وصناعية؟ مطلوب خطة سريعة لاستصلاح الأراضى، لأننا نحتاج إلى أكثر من 200 ألف فدان حتى نحد من ارتفاع الأسعار، وأذكر أننى قرأت فى مشروع النهضة أن الإخوان يهدفون إلى استصلاح 3.5 مليون فدان خلال الفترة المقبلة، وهو هدف نبيل، لكن تنقصه الدراسات التى تدعمه حول توافر مصادر المياه، أما بالنسبة للصناعة، من الضرورى تدعيم الصناعات الصغيرة لمناهضة الفقر ومعالجة مشكلة البطالة والصندوق الاجتماعى للتنمية يقدم العديد من الخدمات، لذا يحتاج إلى بعض الدعم مع دعم القطاع الاقتصادى. ما دامت هناك حلول داخلية لحل العجز فى الموازنة فلماذا نلجأ إلى الاقتراض الخارجى؟ الحلول التى طرحناها سابقا جيدة ومطلوبة، ولكن غير كافية لمواجهة عجز الموازنة العامة بالكامل، لأن العجز وصل إلى 135 مليارجنيه، ومن المتوقع أن يصل إلى 170 مليار جنيه، لذا يجب أن نقترض لأسباب كثيرة منها أن القروض الداخلية عن طريق أذون الخزانة التى تمولها البنوك لا تكفى، لأن الأموال الموجودة لدى البنوك لشراء أذون خزانة تقدر بنحو 75 مليار جنيه من إجمالى 135 مليار جنيه عجزا، وبالتالى نحتاج إلى 60 مليار جنيه، من أين نحصل عليها؟ ليس أمامنا إلا الاقتراض من الخارج، هذا فضلا عن أن أذون الخزانة بالجنيه ونحن نعانى نقصا فى العملة الأجنبية وعجزا فى الميزان التجارى وصل إلى 50 مليار جنيه، وميزان المدفوعات يصل إلى 11 مليارا دولار، ونقصا فى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى الذى انخفض من 36 مليار دولار إلى 15 مليارا حاليا، هذا بالإضافة إلى أن سعر الفائدة على الاقتراض من البنوك يصل إلى 16 %، أما من الخارج فلا يزيد على 1.1 % وسحب أموال البنوك سيؤثر بشكل كبير على الاستثمارات الخاصة، لأن الحكومة تستولى على كل الأموال ولا تترك فرصة للقطاع الخاص للاقتراض، كما أن الاقتراض من صندوق النقد الدولى سيمنح مصر شهادة حسن سير وسلوك اقتصادية، وسيزيد من الاستثمارات الخارجية العالمية والعربية، أو بمعنى آخر شهادة ملاءة مالية. ما رأيك فى الشروط التى يضعها صندوق النقد الدولى لمنح مصر القرض؟ لقد تفاوضت مع الصندوق قبل ذلك، وفى الماضى كانت لدى الصندوق شروط ثابتة، لكن الآن اختلف الأمر وأصبح لديهم شرط واحد، وهو وضع برنامج للإصلاح الاقتصادى يضعه المصريون بأنفسهم، أى ليست هناك التزامات ولا شروط مجحفة، بل الأمر متروك لكل دولة فى أن تحدد البرامج الإصلاحية الخاصة بها، لكن المهم أن تلتزم مصر بالبرنامج الذى وضعت. مشكلة أغلب الاستثمارات أنها تنظر إلى مصر بمفهوم تجارى وليس استثماريا.. فما العمل؟ أتفق مع هذا الرأى، فبعض الاستثمارات غير مفيدة للاقتصاد المصرى، لكن الاستثمارات العقارية الحالية مجدية جدا لو تم تدعيمها ببعض المشروعات الصناعية، وأظن أن القطاع العقارى يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات الخليجية، لأنه سيحقق العديد من الفوائد سواء للاقتصاد المصرى أم للمستثمر الخارجى. ما المطلوب بشكل محدد لجذب المزيد من الاستثمارات العربية لمصر؟ تبسيط الإجراءات الحكومية التى مازالت معقدة، وعدم رجوع الحكومة فى العقود التى سبق وأن أبرمتها مع الشركات العربية، ثم العمل على منح المستثمرين المزيد من الإعفاءات الضريبية والحوافز، خصوصا أننا فى حاجة ملحة إلى ضخ موارد جديدة فى شرايين الاقتصاد، وهذا يدفعنا أن نحترم تعاقداتنا مع الآخر. أكثر من 50 عاما ونحن نتكلم عن السوق العربية المشتركة، هل من الممكن تحقيق هذا الحلم؟ هناك عدة محاولات لكنها غير ناجحة، هناك عائق أساسى وهو عدم توافر الإرادة السياسية، فمعظم الملوك والرؤساء العرب يرفضون الفكرة من الأساس، لاسيما دول الخليج، فأغلبهم لن يفرق معه اقتصاديا إنشاء السوق من عدمه، لكننا نحتاج إليه بشدة، لأننا أصبحنا نعيش فى عصر الكيانات والتكتلات الاقتصادية الضخمة، ومن الضرورى أن يفيق الرؤساء من غفوتهم وإلا سنضيع. كيف تعود مصر إلى إفريقيا بمنتجات محترمة ذات جودة عالية؟ من خلال تحسين جودة المنتج وترشيد تكاليف الإنتاج حتى نستطيع المنافسة ونحرز قصب السبق، كما أن إفريقيا هى السوق الأمثل لمصر، ولدينا العديد من الاتفاقيات مع الدول الإفريقية، لذا يجب أن نستغل المزايا النسبية لمصر للدخول إلى كل الأسواق الإفريقية التى تعد الباب الواسع للصادرات المصرية. تلقت مصر العديد من الوعود العربية لدعم الاقتصاد ولم يتحقق منها إلا القليل.. ما سبب ذلك فى رأيك؟ ما تحقق من الوعود قليل جدا، هذا أمر سئ للغاية، لذلك أرجو من الدول العربية أن تمد يد العون والمساعدة السريعة لمصر، ونحن لا نطلب منحا، بل نسعى إلى استثمارات عربية مشتركة تحقق مصالح مصر ومصالح المستثمر العربى، لأن مصر لديها سوق استهلاكى كبير، وبها العديد من المزايا يمكن أن تحقق العائد المناسب لأى استثمار.