تعودت على الصيام منذ الصغر، ومنذ تعلمته لم أصم خارج مصر أو السعودية فى أى عام فى حياتى باستثناء رمضان عام 1932 هجرية الموافق عام 2011 ميلادية، وكان تحديدا الأول من رمضان هو يوم الاثنين الموافق الأول من شهر أغسطس فى مدينة كوبنهاجن عاصمة الدانمارك، وذلك بحكم الارتباطات الأسرية، والتى اقتضت آنذاك وجود الزوج هناك لمدة أربع سنوات، ونحن العرب عموما والمصريين خصوصا لنا طقوسنا الخاصة فى شهر رمضان، فبخلاف قراءة القرآن نذهب إلى المساجد لأداء صلاة التراويح والتهجد والبقاء فى المسجد حتى صلاة الفجر. لكن فى تلك العاصمة القريبة من القطب الشمالى، التى لم تكن الشمس تسطع قيها أو حتى تظهر أياما طويلة فى فصل الشتاء، تحولت بقدرة قادر إلى نهار دائم فى شهر رمضان، فقد كنا نتسحر وننوى الصيام قبل أذان الفجر فى مصر بأكثر من نصف ساعة تقريبا، ويبدأ النهار بطوله الذى لا ينتهى على الصائم هناك، ومن يعمل هناك يذهب فى مواعيده العادية إلى عمله، وتبقى السيدات اللاتى لا تعمل فى البيوت تمارس نفس طقوس السيدة المصرية من نوم حتى آذان الظهر ثم القيام وعمل الأكل وتجهيزه ومشاهدة التلفاز.
وقمنا بعمل اشتراك فى القنوات الفضائية المصرية والعربية، ولكى أشعر بأجواء رمضان المعتادة فى مصر، لم أغير القناة عن الفضائية المصرية ومتابعة الأخبار العربية، وكان أذان المغرب يؤذن أولا فى السعودية، ثم يؤذن فى مصر ونحن نشاهد التليفزيون وتقام صلاة العشاء والتراويح ونحن ما زلنا صائمين ونفطر فى تمام التاسعة وعشرين دقيقة على توقيت صلاة المغرب فى كوبنهاجن، فالشمس تغرب فى تمام التاسعة وعشرين دقيقة مساء وهى التى لا تظهر أبدا فى الشتاء.
وكان الوقت ما بين الفطار والسحور فى حدود الخمس ساعات فقط، حيث كان الفجر فى الثانية وأربعين دقيقة والإمساك فى الثانية والنصف تقريبا، وكانت فترة الصيام تقارب العشرين ساعة، واستمرت الحال على ذلك ففى الأسبوع الأول من رمضان، لم تحتمل كليتى كل تلك الفترة من الصيام، خصوصا أنى كنت أنام بعد صلاة العشاء والتى كانت فى تمام الحادية عشرة وخمسة وثلاثين دقيقة، وأصحى قبل موعد السحور فى الساعة الواحدة والنصف من فجر اليوم التالى، أى قبل الإمساك بساعة وعشرين دقيقة، وبعد عشرة أيام تقريبا بدأت أعانى آلاما بسبب نقص السوائل فى الجسم.
وكنت من متابعى البرامج الدينية فى الفضائيات المصرية، وسمعت سؤالا يتكرر كثيرا من الأمهات اللاتى سألن عن طول فترة صيام أبنائهن فى الخارج، خصوصا فى دول شمال أوروبا وكندا، وسمعت تأكيدا من فضيلة الدكتور على جمعة أن أى دولة تزيد فيها فترة الصيام عن ثمانى عشرة ساعة ولو بدقيقة واحدة، يفطر المسلمون فيها على توقيت مكةالمكرمة، ولم يقتنع زوجى بتلك الفتوى، واستمرينا على الصيام بتوقيت كوبنهاجن، الذى بمرور الوقت قارب على العشرين ساعة تقريبا بنهاية الأسبوع الثانى من الشهر الكريم. ووصلنا إلى منتصف الشهر الكريم، ولم أستطع تحمل آلام الكلى فقررت الإفطار على توقيت مكةالمكرمة وقرر زوجى الإفطار على توقيت مصر.
وللحقيقة لم أشعر بأى مظاهر تدل على أننا فى الشهر الفضيل، فلم تتوافر لنا تلك الحلوى الشرقية الموجودة على موائد المصريين يوميا من كنافة وقطايف وجلاش ورقاق، فكنا نذهب إلى محلات محدودة فى نهاية الأسبوع لشراء تلك الحلويات والتى كان غالبا أصحابها سوريون، وقررت العودة إلى مصر بعد ازدياد شعورى بالاكتئاب، وقضيت الأسبوع الأخير فى مصر وسط اللمة المصرية، وصلاة التراويح فى المسجد أمام منزلى، وفرحة ليلة العيد، التى غالبا لا ينام فيها المصريون، فالعيد فى مصر له مذاق مختلف عن أى دولة أخرى، وإن كنت قضيت عيدا آخر له مذاق مختلف وأجواء دينية وهو عيد الفطر فى المدينةالمنورة فى عام 1996، فقد صليت صلاة العيد فى المسجد النبوى، بعد أن قضيت العشر الأواخر فى مكةالمكرمة، وكل عام وكل المسلمين والإنسانية جمعاء بخير وسلام.