انطلقت من العاصمة الروسية موسكو المشاورات المصرية الروسية فى إطار (صيغة 2+2) بين وزيرىّ دفاع وخارجية البلدين، التى تعقد على نحو منتظم للمرة الرابعة. وتناولت المباحثات سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، استنادًا إلى الطفرة التى شهدتها العلاقات بين البلدين فى أعقاب زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى مصر فى ديسمبر 2017، التى شهدت التوقيع على عقود إنشاء محطة الضبعة النووية، وما أعقبها من استئناف الطيران المباشر بين البلدين فى إبريل الماضى.
واستعرض الوزيران القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك، والأزمات فى كل من سوريا وليبيا واليمن، والاتفاق النووى الإيرانى، والمواقف المصرية والروسية إزاءها، فضلًا عن كيفية تطوير أطر التعاون والتنسيق بين البلدين فى مجال مكافحة الإرهاب.
يذكر أنه جرى تفعيل الحوار الإستراتيجى بين مصر وروسيا ب (صيغة 2+2) عام 2013، لتصبح مصر الدولة السادسة التى ترتبط معها روسيا بمثل هذا الإطار المهم من المباحثات الإستراتيجية، على مستوى وزيريّ الخارجية والدفاع بعد الولاياتالمتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، وهو الأمر الذى يعكس خصوصية العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، وقد عقد الجانبان 3 اجتماعات فى إطار هذه الصيغة، الأول بالقاهرة فى نوفمبر 2013، والثانى بموسكو فى فبراير 2014 والثالث بالقاهرة فى مايو 2017.
وتعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ نحو 74 عامًا منذ عام 1943، حيث دشنت أول سفارة لمصر فى موسكو، وسفارة للاتحاد السوفيتى فى القاهرة وقنصلية عامة فى الإسكندرية، منذ ذلك التاريخ، وأصبحتا شريكتين على الصعيد الثنائى والدولى.
وفى أغسطس عام 1948، وُقعت أول اتفاقية اقتصادية بين البلدين، حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي، وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة، ففى أعقاب ثورة يوليو 1952، وثق الاتحاد السوفيتى علاقاته على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والتجارية.
وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وقتما كان الرئيس جمال عبد الناصر على سدة الحكم، حيث ساعد آلاف الخبراء السوفيت فى إنشاء المؤسسات الإنتاجية فى مصر، بينها السد العالى فى أسوان ومصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى، ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية، وتم إنجاز 97 مشروعًا صناعيًا بمساهمة الاتحاد السوفيتي، وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينيات بأسلحة سوفيتية.
وتعد مصر من طليعة الدول التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، وتطورت على إثرها العلاقات السياسية على مستوى رئيسى الدولتين والمستويين الحكومى والبرلمانى.
وقد أبدت روسيا موقفاً مؤيداً لثورة 30 يونيو، وما تلاها من تطورات بما فى ذلك كل محطات خارطة الطريق، ومن هذا المنطلق فإن روسيا أيدت عودة مصر بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، وتدعم مشاركتها فى جميع المبادرات الإقليمية، وتقاوم أى محاولة لتهميش الدور المصرى، وهو ما برز جلياً فى الأزمة السورية وأزمة غزة، الذى وصل للمطالبة بضم مصر للرباعية الدولية لتفعيل دور مصر.
وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين طفرة عقب ثورة الثلاثين من يونيو، تمثلت فى زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر يوم 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيرى الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومى 12 و13 فبراير 2014، حيث تم عقد المباحثات السياسية بصيغة «2+2»، بما يجعل مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تبنت موسكو معها هذه الصيغة.
وعززت زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا والرئيس بوتن لمصر من العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، حيث عكست حرص البلدين على تبادل الدعم السياسى على المستوى الإقليمى والدولى، فى ظل ما يواجهه الطرفان من تحديات خارجية وداخلية تستهدف النيل من الاستقرار السياسى وتهديد الأمن القومى لكليهما، وتشاركهما فى رؤية موحدة فى مواجهة الإرهاب، وتحقيق مصلحة مشتركة فى دعم النمو الاقتصادى فى البلدين والفرص الاقتصادية التكاملية.
العلاقات العسكرية
ارتبطت القاهرةوموسكو بعلاقات عسكرية تاريخية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد كان للاتحاد السوفيتى الدور فى إعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية بعد نكسة 1967، وما حصلت عليه مصر من عتاد عسكرى، مكنها من خوض حرب الاستنزاف وحرب 1973 تحريرًا للتراب الوطني.
وتجددت قوة العلاقات فى أعقاب ثورة 30 يونيو، حيث بدأت زيارات الرئيس السيسى لموسكو منذ أن كان وزيرا للدفاع فى أغسطس العام 2013، والتى بدأت معها اتفاقات لتحديث الترسانة العسكرية المصرية، وتزويدها بالسلاح الروسى فى إطار خطة تنويع مصادر التسليح التى أعلنتها القيادة السياسية، وتعمل عليها الأمانة العامة للقوات المسلحة وفقا لاحتياجاتها فى منطقة تموج بالتحديات وتتزايد فيها التهديدات على جميع المحاور الإستراتيجية، وتعددت الصفقات العسكرية المصرية - الروسية، وإلى جانب الصفقات العديدة التى تمت بين البلدين تخطى التعاون بينهما إلى الإهداءات، حيث نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع المصرية، فيديو للقطعة البحرية الروسية من طراز "مولنيا" b32، التى أهدتها موسكو لمصر فى إطار التعاون العسكرى بين البلدين، حيث ظهرت السفينة الحربية التى تعتبر من أحدث القطع البحرية الروسية، وهى تبحر فى قناة السويس الجديدة مع عدد من قطع القوات البحرية المصرية.
والسفينة "مولنيا" تمثل إضافة قوية للبحرية المصرية لما تتمتع به من إمكانات قتالية عالية لوجود منصة صواريخ سريعة وبعيدة المدى "بحر - بحر"، بالإضافة للتكنولوجيا المتطورة فى وسائل الاتصال الحربي، والأنظمة الدفاعية الحديثة.
وفى 9 سبتمبر 2017 أجرت عناصر من وحدات المظلات المصرية وقوات الإنزال الروسية فاعليات التدريب المشترك "حماة الصداقة 2"، الذى استضافته روسيا، وفى أكتوبر 2016 كانت قد استضافت مصر فاعليات "حماة الصداقة" للمرة الأولى، ويعد أحد التدريبات المشتركة المهمة لوحدات المظلات بما يمثله من بيئة خصبة لتبادل الخبرات التدريبية المختلفة، ويشتمل على العديد من الأنشطة والفاعليات من بينها تنفيذ إعمال الإسقاط للأفراد والمعدات والمركبات المدرعة، كذلك التدريب على أعمال قتال القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب وفقا لأرقى النظم التدريبية الحديثة وفى 22 فبراير 2016، أثناء زيارة وزير التجارة والصناعة الروسى دينيس مانتوروف لمصر، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين شركة Egyptian Leisure المصرية وشركة سوخوى للطيران المدنى الروسية وشركة NAVARTA، حيث تنص مذكرة التفاهم على توريد 10 طائرات مدنية لاستخدامات النقل الداخلى إلى شركة Egyptian Leisure.
وفى 25 نوفمبر 2015 قامت السفينة الحربية الروسية "الأدميرال فلاديميرسكى"، بزيارة ميناء الأدبية بالسويس خلال الفترة من 25 وحتى 27 نوفمبر2015، تأتى الزيارة تأكيدا لعلاقات الشراكة والتعاون العسكرى الإستراتيجى بين القوات المسلحة المصرية والروسية، ودورهما الحيوى فى دعم ركائز الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمى والدولى.
التعاون الاقتصادى
أنتج التعاون الاقتصادى المصرى الروسى شركات المراجل البخارية وأفران الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم، وشركات الكيماويات والسلع الهندسية والآلات، ويبقى السد العالى ذروة التعاون المصرى الروسى الذى يشكل شاهدا على عمق العلاقات بين الدولتين ومنفعتها العظيمة للشعب المصرى. وتشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا تطورا ملحوظا منذ زيارة الرئيس السيسى لروسيا عام 2015، حيث تم تذليل الكثير من العقبات التى كانت تعترض انسياب حركة التجارة بين البلدين . وبلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا خلال ال 7 الأشهر الأولى من عام 2017 نحو مليارى و526.8 مليون دولار مقابل 2 مليار و221.4 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2016 وبلغت الصادرات المصرية خلال ال 7 أشهر الأولى من عام 2017 حوالى 387.9 مليون دولار مقابل 304.6 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2016 بمعدل زيادة بلغ 27.3% محققة أول نمو للصادرات المصرية إلى السوق الروسى منذ عام 2014، كما تخطت هذه القيمة إجمالى قيمة الصادرات المصرية إلى روسيا خلال عام 2016 كاملاً، حيث بلغت قيمة الصادرات 373.4 مليون دولار. بلغت الاستثمارات الروسية فى السوق المصرى نحو 62.8 مليون دولار فى 417 مشروعاً تعمل فى مجالات السياحة والقطاعات الخدمية والإنشائية والاتصالات، وتعمل 416 شركة روسية فى مصر برأسمال تجاوز 60 مليون دولار.
محطة الضبعة النووية
فى 11 ديسمبر 2017 شهد الرئيسان عبد الفتاح السيسى وفلاديمير بوتين رئيس روسيا، التوقيع على وثيقة يتم بموجبها إعطاء إشارة البدء فى مشروع الضيعة النووى، حيث أنجز الخبراء المصريون والروس العمل الخاص بإعداد اتفاقية ثنائية حول الاستخدام السلمى للطاقة النووية، حيث وقعت الحكومة المصرية والروسية اتفاقية تعاون تقضى بإنشاء موسكو أول محطة نووية تضم أربعة مفاعلات لإنتاج الطاقة الكهربائية فى منطقة الضيعة فى 19 نوفمبر 2015، بفضل قرض روسى كذلك.
السياحة
بحسب بيانات وزارة السياحة، حققت السياحة الروسية 2.5 مليار دولار إيرادات لمصر، من أصل 7.4 مليار دولار، حققها قطاع السياحة عام 2015 بنسبة 33.8% من إجمالى إيرادات السياحة، وأن إنفاق السائح الروسى يتراوح بين 55 إلى 60 دولارا فى الليلة، وتأمل مصر استعادة هذه المستويات العالية من السياحة الروسية، بعد إعادة روسيا العمل بخطوط الطيران بين القاهرةوموسكو إبريل الماضى.