احتل خبر زيارة رئيس المجلس الباباوى للحوار بين أتباع الأديان فى الفاتيكان، الكاردينال جان لويس توران، إلى الرياض، صدارة الأخبار، وتغطيات وسائل الإعلام العالمية التى اهتمت بالخبر وتبارت فى منحه الأهمية التى يستحقها، فأفردت له الصحف مساحات واسعة، وتناولته الفضائيات فى برامج عديدة، وتحدث عنه المحللون، كل يراه من وجهة نظره. الرسالة التى أراد السعوديون إيصالها للعالم كانت واضحة وبسيطة، هى أن بلادهم التى يعتزون بأنها مهد الإسلام ومهبط الوحي، وأرض الحرمين الشريفين، تحرص على إظهار الوجه الحقيقى للدين الإسلامي، وكما أنها تكافح الأعمال الإرهابية، وترفض كل أشكال العنف والتطرف، فإنها فى الوقت ذاته تركز على التصدى لمحاولات القلة الشاذة التى ارتبطت بالإرهاب، وتفند دعاويها بنسب أعمالهم المرفوضة للدين الحنيف، وتعمل بشكل متواصل على إظهار الصورة المعتدلة للإسلام الحق، الذى هو دين الوسطية والاعتدال.
الزيارة إجمالا كانت بمثابة رسالة أخرى، واضحة وجلية، ومثلت أبلغ رد على محاولات الاستهداف، التى ظلت المملكة تتعرض لها من دوائر مغرضة فى الغرب، تبنتها جهات موتورة، وروّجت لها أجهزة إعلام مشبوهة، بعدم وجود مناخ للاعتدال والحريات، وقمع الآخرين، واضطهاد المرأة. وإحقاقا للحق، فإن الخطوات التصحيحية المتلاحقة التى شهدتها السعودية خلال الفترة الماضية، من تمكين للمرأة وتطوير للاقتصاد، وتعزيز لقيم الشفافية والمحاسبة، كانت بمثابة صفعات شديدة القوة على وجوه من ارتضوا الوقوف خلف حملات الإفك، أدت إلى تشتيت صفوفهم، وتبديد أوهامهم، وبعثرة مخططاتهم.
المسئول الباباوى تجول بحريته فى الرياض، وقابل من أراد، وتحدث مع من شاء، والتقى المسئولين فى مركز محاربة التطرف «اعتدال»، واطلع على سير العمل فى المركز، وأبدى إعجابه بما رآه بعينيه، وأشاد بما تحقق من إنجازات مدعومة بالأرقام والإحصائيات، فى فترة وجيزة من عمر المركز. ومثل هذه الزيارات لها مفعول شديد التأثير، يتجاوز تنظيم الندوات وإقامة المؤتمرات، فهى تنقل الواقع حياً أمام من يريد مشاهدته، دون ترتيب أو تنسيق. ومع أن المملكة ليست مطالبة بطبيعة الحال بإثبات وسطيتها للآخرين، وليست فى موضع اتهام حتى تنشغل بالرد والدفاع عن نفسها، لكن تنظيم مثل هذه الزيارات ينطوى على فوائد عديدة، فهى تغنى عن عمل دبلوماسى شاق يحتاج إلى مجهود ضخم، ووقت طويل، وتنقل صورة مباشرة عن الواقع.
فى المقابل فإن خفافيش الظلام، وأرباب الفتنة والضلال لا يريدون مثل هذه الفاعليات، لأنها تفشل مخططاتهم، وتحبط مؤامراتهم، وترد على إفكهم، لذلك ظلوا طوال الفترة الماضية يعملون على إبقاء المملكة فى حالة عزلة وانكفاء وابتعاد عن المجتمع الدولي، واصطناع عداوات مزيفة مع العالم كله، كما ركزوا على حشو أدمغة الذين غرروا بهم بروايات أسطورية عن عداء الغرب لبلادنا، وعودة الحملات الصليبية، والاستلاب الثقافي، إلى غير ذلك من الألفاظ الرنانة الخاوية من أى محتوى، والأدهى والأمر من ذلك، أنهم حاولوا نسب كل ذلك إلى الدين الحنيف، عبر فتاوى مضللة وتفسيرات مغرضة لآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية المشرفة.
المملكة استقبلت الكاردينال، وتفتح أذرعها للعالم كله، وترحب بضيوفها، وتتجه نحو التفاعل الإيجابى مع الجميع، وفق ما يتوافق مع ثوابت دينها ولا يتصادم معه، وما اتفق عليه سكانها من تقاليد راسخة وعادات وأعراف مرعية، وتعمل على الاستمرار كعنصر فاعل فى محيطها القريب وعالمها أجمع. هذه رسالة المملكة للعالم، الذى لن يعجز كل ذى لب عن إدراكها واستيعاب تفاصيلها، انتهى البيان.