فرحت بخبر دخول روايتى القائمة الطويلة أكثر من القصيرة العراق بلد منتج إبداعيا ولن يتوقف فى كل الأحوال
عبرت الروائية العراقية الشابة شهد الراوي، عن سعادتها لردود الأفعال على روايتها الأولى «ساعة بغداد» التى صدرت منها عدة طبعات ولاقت نجاحا طيباً ووصلت حاليا للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية «البوكر»، وتضيف الراوى أنها رواية الشباب التى احتفلوا بها بطريقة مدهشة لم تتوقعها، وأن الشباب العراقيين تعاملوا مع صدور «ساعة بغداد» مثلما يحدث مع صدور نسخة جديدة من «الآى فون» ونحن شعب مثقل بالجراح والآلام، لكننا - ولحسن الحظ - نملك أملا بلا حدود وتاريخ بلدنا يساعدنا على تجاوز أعقد مراحل حياتنا، العراق كلمة غامضة عصية على التفسير. كيف استقبلت وصول الرواية للقائمة القصيرة لجائزة البوكر؟ استقبلت خبر دخولها القائمة الطويلة بفرح وبهجة أكبر من دخولها فى القائمة القصيرة، فى القائمة القصيرة شعرت كما لو أننى اقتربت من مسئولية إضافية، أن تكون تحت الأضواء فى بداية مشوارك الإبداعى مسألة تنطوى على بعض شعور معقد، أما عن ردود الأفعال فلا أستطيع أن أقول لك إننى راضية أو غير راضية، فهناك دائما ردود أفعال متباينة تجاه أى عمل روائي، ربما تكتسب بعض الروايات أهميتها من حدة تباين ردود الأفعال هذه. دار جدل كبير حول وصول روايتك للقائمة القصيرة، حيث تداول كثيرون صفحات منها واستشهدوا ببعض المقاطع رأوها ضعيفة فنيا فما ردك؟ الرواية أثارت جدلا منذ صدورها، ومن ثم بعد خبر ترجمتها، فى أحد المواقع العربية المعروفة هناك تحقيقان صحفيان تفصل بينهما سنة ونصف السنة (ضع خطا تحت سنة ونصف السنة) يبدآن بنفس العبارة: رواية «ساعة بغداد» تثير ضجة فى الشارع العراقي، مرة عند صدورها والثانية عند ترشحها للقائمة الطويلة. إذن، هذا الجدل ليس جديدا، وهو أمر جيد عادة كما قلت سابقا، ولكن المضحك فى التحقيقين الصحفيين أن اغلب المدافعين عن الرواية والمهاجمين يبدأون حديثهم بعبارة: فى الحقيقة أنا لم أقرأ الرواية ولكن. وبعد هذه ال (لكن) يتحدثون بحرية وثقة عن شيء لا يعرفونه، هذا أمر غريب، أعتقد أنه لا يحدث فى مكان آخر فى العالم، أن تبدى رأيك بحماسة فى كتاب لم تقرأه، فهذا ما سميته على صفحتى الشخصية ذات يوم «بغريزة التعليقات» أما بخصوص تداول صفحات من بداية الرواية وردت على لسان طفلة تتهجى العالم لأول مرة وبناء رأى يخص رواية من 266 صفحة، فهذه ممارسة أخرى لا تحدث إلا لدى مدمنى مواقع التواصل الاجتماعى الذين يفقدون تدريجيا ملامحهم الشخصية وطريقة صنع آرائهم الخاصة، الجميل فى الأمر أن بعض التعليقات ظريفة بخفة دم رائعة وأنا لا آخذها على محمل الجد، باستثناء بعض الآراء المحترمة لقراء لم تنسجم الرواية مع توقعاتهم فانتقدوها بعد القراءة وليس قبلها. هل هناك أى مجاملة لوصول الرواية للقائمة القصيرة؟ من يجامل من؟ ولماذا؟ لو كانت البوكر العربية جائزة مجاملات لما استمرت كل هذه الفترة، ولما تدافع للحصول عليها سنويا هذا العدد الكبير ومن مختلف الأجيال، الذين يعتقدون أنها جائزة مجاملات عليهم مراجعة كل نتائجها منذ تأسيسها إلى الآن. هل قرأت الروايات التى تتنافس مع (ساعة بغداد) على البوكر؟ قرأت أربع روايات من القائمة الطويلة، للأسف اثنتان منهما لم تترشحا للقصيرة. روايتان مدهشتان لم يحالفهما الحظ. بالإضافة إلى روايتين موجودتين فى المنافسة، وسأحاول أن أجد الوقت لقراءة الروايات المتبقية من القائمة القصيرة، كل ما يمكن قوله إن المنافسة صعبة جدا وأنا فى هذه الحال أتمنى ولا أتوقع. الوصول للقائمة القصيرة هو فوز بحد ذاته، إذ تصبح حدود الترجيح بين رواية وأخرى ليست بعيدة. ترجمت روايتك «ساعة بغداد»، فما الذى أضافه ذلك إليك؟ أن يلقى عملك الأدبى اهتماما من دار نشر حصلت على ال (مان بوكر) البريطانية ثلاث مرات، وفازت فى نفس العام كأفضل ناشر بريطانى فهذا مكسب مهم جدا، أن تنتقل الرواية إلى مساحة قراءة جديدة بلغة عالمية دليل على أن ما كتبته يحمل قيمة إبداعية إنسانية قابلة للحياة فى لغة أخرى، عدا الإنجليزية، فإن الرواية ترجمت إلى الكردية وهى فى طريقها إلى لغات أخرى كالتركية والإندونيسية وكل هذا حدث قبل أن ترشح للبوكر. «ساعة بغداد» روايتك الأولى.. لماذا اخترت هذا العنوان؟ مهمتى انتهت منذ أن أرسلتها لدار النشر. كل ما يمكننى قوله بهذا الصدد، إنها كانت أياماً ممتعة، وساعات مدهشة. أن تصنع عالما جديدا، أن تعيش حياتين فى الوقت نفسه، أن تهرب من إحداهما إلى الأخرى. بالفعل، إن زمن كتابة رواية هو زمن إضافى تستعمله ضد رتابة الحياة، وحتى تكتمل لديك الصورة، فسأتذكر اليوم الذى انتهيت فيه من وضع آخر جملة وأغلقت الكمبيوتر، نظرت من نافذة بيتى شعرت بفراغ هائل يتجسد أمامى مثل صحراء بلا نهاية، أحسست يومها أن عائلتى التى عشت معها زمن الكتابة تتخلى عني، فى هذه اللحظة وحدها انتابنى شعور بحقيقية الشخصيات، كنت أريد أن أعود لهم وأعتذر عن بعض المواقف التى وضعتهم فيها، لم أصدق أن المحلة والهواء والأشجار والطيور والبشر الذين أحببتهم طيلة سنتين من السهر المتواصل هم مجرد مخلوقات من كلمات. ما رأيك فى من يكتب لإرضاء القارئ فقط؟ الرواية ليست معركة ضد كائن افتراضى اسمه القارئ، هى أولا وأخيرا موجهة لهذا القارئ. والذى يدعى أنه لا يهتم للقارئ فليكتب كما كتبت بيداء فى روايتي، التى جلست لوحدها تكتب لنفسها فقط وتحتفظ بروايتها فى رفوف مكتبتها الشخصية. بدون قارئ ليست هناك رواية، أما موضوع إرضاء القارئ فهذا أمر مبهم. هل بإمكاننا معرفة ما يريده القارئ فى الأصل؟ روايتى مثلا استطاعت أن تنال اهتمام قراء مبتدئين، وكانت مقنعة فى الوقت نفسه للجنة متخصصة من الأكاديميين والكتاب فى جائزة البوكر، كيف يمكنك أن توفق بين هؤلاء جميعا دون أن تكون مخلصا لموهبتك التى من خلالها ستعثر على القارئ. فى رأيك هل ستنعكس الأحداث فى العراق على الروايات المقبلة، وهل سينشأ ما يسمى «جيل ما بعد الحرب» فى الرواية؟ من البديهى أن تفرض الأحداث نفسها على أى عمل أدبى حتى لو كتبت خيالا علميا، فإن خيالك محكوم بضرورات واقعية، ومن البديهى أيضا أن الإبداع ليست لديه محطة وصول نهائية إنه نهر دائم الجريان.. والعراق بلد منتج إبداعيا وهذا معروف تاريخيا ولن يتوقف فى كل الأحوال. هل ترين أن الروايات الحديثة والمعاصرة نجحت فى تجسيد مشكلات المجتمعات العربية؟ أنا أمتلك فهمًا أقل تعقيدا للرواية، فهمًا بسيطا نوع ما، لا يحملها أعباء إضافية، الرواية كما أفهمها هى ممارسة فنية أولا، مثل رسم لوحة أو مقطوعة موسيقية مهمتها الأولى هى تقديم شيء من الجمال، لم يرد فى بالى أن أجسد أى مشكلة أو أطرح حلولا، ربما كنت أحاول حماية بعض الأشياء التى تخصنى من النسيان، وهذا أكثر شيء أستطيع أن أقوله بعيدا عن فنية الرواية. ما التطور الأبرز الذى تلاحظينه فى تقنيات السرد فى الرواية العربية؟ قرأت مرة جملة مهمة لمارك توين يقول فيها: إن أفضل تكنيك هو اللاتكنيك. ثم إننى لم أقرأ روايات عربية بشكل كاف لأقول فيها كلاما. وعندما أقرأ فأنا أبحث عن الاستمتاع وليس لاكتشاف تقنيات أو تعلم دروس فلسفية أو حكم مدرسية، هذه إضافات ثانوية. الرواية الجيدة بالنسبة لى هى الرواية التى تمنحنى زمن قراءة ممتعاً أولا. هل هنالك روايات عربية استطاعت الانفلات من التقاليد الأوروبية فى الكتابة؟ قرأت لكونديرا رأيا أعجبنى كثيرا يقول ما معناه: إن الرواية هى الفن النثرى الأوروبى الذى وضع الإنسان العادى موضع البطولة. أنا شخصيا تعلقت بروايات غربية وتعلمت منها، مثلا أغوتا كريستوف التى ألهمتنى مذكراتها فكرة الطفلة التى بإمكانها الحديث عن كل شيء بعدد قليل من المفردات. تعلمت من إيما كلاين ومن جوجو مويس ومن جينى هان وهان كونغ التى أذهلتنى فى رواياتها «النباتية» بتلك اللغة البسيطة والأسلوب غير المتكلف . قبل ذلك قرأت جين أوستن وشارلوت برونتى وإيميلى برونتي. أحببت أليف شافاق فى كتابها حليب أسود أكثر من رواياتها بما فى ذلك قواعد العشق الأربعين، ربما كان لهؤلاء وغيرهم تأثير علي. أتحدث عن نفسى لأننى أعرف هذا. لا يمكننى الحديث عن تجارب الآخرين. ثمة من يعتبر أن النقد العربى مجامل أحيانا، هل أنت مع هذه النظرة؟ لم أقرأ الكتب والدراسات النقدية الأكاديمية والمتخصصة، عادة أقرأ المراجعات التى يكتبها القراء من غير المتخصصين وأشاهد فى اليوتيوب مراجعات يقدمها شباب وشابات عرب وأجانب. من تجربتى الشخصية، إن معظم النقاد الذين كتبوا عن روايتى تعرفت على أسمائهم بعد قراءة وجهات نظرهم، بعضها أدهشنى من ناحية الزاوية التى قرأ منها الرواية وطريقة تأويله الخاصة. ما طبيعة المواضيع التى تستفزك للكتابة عنها؟ الذاكرة المشتركة لأبناء بلدي، دائما أحب أن أكتب عن مشتركات ثقافية تجعلنا أقرب إلى بعضنا. العراق مر بأزمة انقسام مجتمعى كانت حرجة جدا، حتى إننى دعيت للحديث فى (تيدكس بغداد) عن الأمل فى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية. فى صفحتى فى الفيس بوك، كان ذلك ما يشغلنى وربما هو نفسه تسلل فيما بعد إلى روايتي. هل ما زالت الكاتبة تعانى من التضييق؟ المجتمع أصبح متشددا أكثر مما يجب. عانيت قليلا من هذا الأمر فى كتابة الرواية لكننى لم أذهب إلى الرمزية. لم يكن الأمر يستدعى هذا، بطلاتى مراهقات لم يتخطين كثيرا الحدود المقبولة فى عمل أدبي. مع ذلك فإنهن لم يسلمن من الاستهجان. عندما قرأت «صديقتى المذهلة» لايلينا فيرانتى انتابنى شيء من الحسد، لأنها استطاعت أن تتحدث بحرية أكبر عن مرحلة مراهقتها وصديقاتها ومن دون ابتذال. تواجه المرأة الكاتبة عموما تهمة جاهزة وهى إغراقها فى الذاتية، هل تعتبرينها تهمة؟ فى دراستى الأكاديمية تعلمت أن أكون موضوعية. أما فى الكتابة الإبداعية فمن غير الممكن أن تكون موضوعيا. اختيار المكان والزمان والشخصيات ومصير كل منهم عمل ينظمه الخيال، وهو بعيد عن الموضوعية. لكن هذا لا يجعل منها قضايا غير إنسانية. ما الذى تطمح له شهد الراوى؟ طموحى ككاتبة هو أن أنجز روايتى الثانية بنفس الشغف الذى كتبت به «ساعة بغداد».