تستيقظ الأحداث من رقادها التاريخى باكتشاف الجديد منها، خصوصا إذا جاء ممن عاشوها أو كانوا شهود عيان عليها، وها نحن مع شخصية رفيعة من هذا الطراز، تكلم ليدهشنا بالجديد فيما جرى للعراق فى فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين وذروة أحداث الاحتلال الأمريكى، إلى جوار ماواجهه هو من الإفلات من الموت تارة والإعدام تارة أخرى، وقال: لو أردنا عنواناً لما حدث فى العراق لا نجد سوى كلمة «الخيانة»، وهناك شخصان فقط سبب كارثة العراق، وكانا مقربين جداً من الرئيس، ووصف ما بثته أجهزة الإعلام عن طريقة القبض على صدام حسين بأنها «فبركة» أمريكية كعادتهم. عموماً الجزء الثالث من الحوار مع اللواء الدكتور محمد عاصم شنشل مدير المكتب الخاص للرئيس صدام حسين، والذى شغل أيضاً مدير المكتب الخاص لعُدىّ صدام، ملىء بما يستحق القراءة فإلى نص الحوار: تحدثت المصادر عن شراسة معركة مطار صدام العراق حالياً وخسارة الأمريكان الفادحة ، كيف حدث ذلك؟ هذه المعركة قائدها الرئيس صدام شخصياً ومعه الفريق سلطان هاشم، والمعروف أن المطار كان به 14 مدرجاً لهبوط الطائرات عليه، تم إتلاف سبعة منها عراقياً، وتم إغراق المدارج الأخرى بالمياه ونثر الفسفور الأبيض مع الماء، وهو مادة شديدة الاشتعال حال لمسها، وبالفعل عندما هبطت عشر طائرات أمريكية تحمل 2250 مقاتلاً أمريكياً انفجرت وساحت بمن فيها ولم ينج أحد منهم، وجاءت الأوامر بانسحاب القوات خارج المطار خوفاً من ضربة انتقامية، وبالفعل حدثت خيانة أخرى وتم ضرب القوات بطائرة عراقية بالفسفور الأبيض ومات 400 مقاتل عراقى ، وسميت المعركة الكمياوية. حدثنا كيف نجوت من هذا الجحيم المنتشر فى كل مكان؟ بعد هذه الأحداث تم التحقيق معى 50 ساعة متواصلة من جانب قوات الاحتلال لم يسمح لى فيها بالراحة إلا ساعة واحدة، لاستفزازى واستنزافى للبوح بما عندى من أسرار، وكانوا عندما يأتون بطعام يقولون: هل نأكل منه حتى تطمئن أنه غير مسمم، قلت لهم ولو كان كذلك فأموت شهيداً، بعدها اختطفنى جماعة مسعود برزانى وعرضوا علىّ تشكيل حكومة مصغرة، فاشترطت أن تكون باسم القوات المسلحة وحزب البعث العربى ولكنهم رفضوا وأعادونى لمنزلى، وبعدها فوجئت بقصف مكثف لمنزلى لا أدرى أهو عراقى أم أمريكى أم مشترك، وكانت الملاجئ عميقة ولم يجدوا من يبادلهم الرصاص، وأراد الله أن أنجو من الموت لأعيش هنا فى أرض الكنانة مصر، وبرغم الإغراءات الآن للعودة إلى العراق، ولكننى أراها خدعة ماكرة لمعرفة ما لدى من خبرة عسكرية ثم تصفيتى بعدها جسديا. فى أول ظهور للرئيس صدام بعد اعتقاله بدا جسمه هزيلاً، وقد فقد نحو نصف وزنه أشعث شعر الرأس طويل اللحية بشكل جنونى، ما السر وراء هذا المشهد الغريب؟ فى أول أيام اعتقال الرئيس صدام والذهاب به فوراً بطائرة خاصة للمستشفى بالقاعدة الأمريكية فى ألمانيا، وبعد التأكد من شخصيته، كانوا يواظبون على تخديره وعدم إعطائه الطعام كى يظهر شاحب اللون ومتخبطا وشاردا الذهن بفعل المخدر، حتى بات هو الذى يرفض الطعام تماماً عندما عرضوه عليه، حتى فقد الكثير من وزنه، فخشوا على موته قبل استكمال السيناريو الذى رسموه لإتمام المحاكمة بالشكل الساخر الذى رآه العالم، وأمام عناده القوى استجابوا لمطالبه وأحضروا له بدلتين وقمصانا وكل مستلزمات الحلاقة، وإحضار الوجبات حسب طلبه، وأيضاً القرآن الكريم الذى كان يلازمه فى جلسات المحاكمة الهزلية والبالطو الأسود الذى كان يرتديه ساعة تنفيذ الإعدام. ألا تتفق معى فى أن تصوير وبث مشاهد إعدام صدام برغم عدم إنسانيتها كرامة من الله، فقد كان يمكن أن تقال عنه الأقاويل ويصدقها الناس؟ نعم برغم وحشية ما حدث ولا قانونيته ولا إنسانيته كرامة من الله عظيمة، فقد شاهده العالم أجمع قوياً صلباً لا يهذى بكلمة ولا يستعطف أحداً، برغم أنه يرى بعينه مشنقة الموت ويسمع كلمات التشفى الغليظة، فقد كان يمكن أن تقال عنه أقاويل بشعة ويصدقها الناس، فقد كان يمكن أن يقال كذباً إنه كان جباناً خائفاً مرعوباً، يخرف فى الكلام، لا يستطيع المشى على قدميه وجروه جراً إلى جبل المشنقة، أو أنه بال على نفسه من هول الموقف ومثل هذه الأقوال الدنيئة، فمواجهة الموت بهذا الشكل الشنيع حدث استثنائى يجوز فيه ما لا يجوز فى غيرها، ولو فطنوا لهذه المكائد والتشويهات لفعلوها، ولكن الله سبحانه أراد أن يختم لهذا الرجل بخير ففعلوا بحماقتهم وغل قلوبهم ما فعلوا، ومات الرئيس صدام كعهدنا به صامداً عملاقاً مؤمناً، آخر كلماته فى الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . قيل إنه تم نقل جثمان الرئيس صدام إلى مكان سرى غير معلوم خوفاً من نبش قبره والتنكيل به بعد الفوضى التى أحدثها تنظيم داعش فى البلاد، ما حقيقة ذلك؟ نعم تم نقل الجثمان خوفاً من استهداف الضريح ونبش القبر والعبث بما تبقى منه، وبالفعل حدث وتم استهداف الضريح وتفجيره بالكامل، وأيضاً تم نقل جثامين عدى وقصى وولده مصطفى إلى مكان سرى غير معلوم. سريعاً وبشكل مكثف كيف ترى دعوة الانفصال الكردية، وإلى أين ستقف؟ هذه دعوة قديمة تعود إلى عام 1981 وقد حصلت على دعم كبير من السيدة دانيال زوجة الرئيس الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران، التى رحلت فى2011 عن87 عاماً، وتسمى «أم الأكراد» فهى يهودية ذات أصول كردية، وبرغم أنهم يتمتعون بالحكم الذاتى تحت العلم العراقى منذ عام 1971 باتفاق بين الرئيس العراقى آنذاك أحمد حسن البكر، وممثل الأكراد العراقيين والعرب مصطفى أبو مسعود، فإن الاضطراب السياسى الآن يمنحهم فرصة مواتية لإحياء الحلم القديم، وبرغم دعم إسرائيل الكبير لهم لا ترحب أمريكا بتحقيق الحلم الإسرائيلى «من النيل إلى الفرات» فها هم يوجدون بشكل مميز عند منابع النيل فى الحبشة، ويعملون على وضع قدم لهم فى العراق، وليس من مصلحة أمريكا هذا التوحش الإسرائيلى وتفريغ المنطقة لصالحها، بعدها لن تستطيع السيطرة على الشرق الأوسط، ولذا لا غرابة فى رفع الأكراد لعلم إسرائيل وفيهم الكثيرون من أصول يهودية، ولا غرابة أيضاً فى رفض أمريكا لوجود دولة كردية تضع فيها إسرائيل قدماً فى النيل وأخرى فى الفرات.