من يتذكر «الرحمة» من يتذكر الآية العظيمة «كتب ربكم على نفسه الرحمة»، أو الراحمون يرحمهم الرحمن، أو: لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقى، هذه المعانى الراقية التى تسهم فى سعادة البشر، دون تحديد جنس أو لون أو دين ينطلق منها كتاب: «رسالة الإسلام.. رحمة وعدل وحرية وسلام»، الذى أعده: على محمد الشرفاء الحمادى، مدير ديوان الرئاسة السابق الإمارات العربية المتحدة أبو ظبى، والكتاب على صغر حجمه، زاخر بالقيم الإسلامية الأصيلة والجوهرية لا القيم الوضيعية التى يرسخها من جعلوا من الإسلام مصدرا للاسترزاق والشهرة والوجاهة فالكتاب، بالأساس ينطلق من التفريق بين الخطاب الإلهى، دعوة للرحمة والتفكير، صادر من الله جل جلاله، مثبت فى القرآن الكريم، منزل على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، فيما الخطاب الدينى هو دعوة للقتل والتكفير، معتمد على روايات تواترت عن الصحابة تناقلتها أجيال متتابعة، ثم تلقفها شيوخ الدين، ليسيطروا على عقول العامة والدهماء، بغية تجييشهم وحشدهم لمكاسب سياسية، وقد وضع المؤلف فى الشكل التوضيحى المشار إليه الخطابين فى مواجهة بعضهما البعض لأن هذا خطاب إلهى، والآخر خطاب بشرى، وفى لمحة بالغة الدقة، بالغة الخفاء يحملها ذلك الشكل التوضيحى، نجد أنفسنا أمام إسلاميين، إسلام نعرفه من القرآن، وإسلام وضعى، وهو تراكم التفسيرات البشرية للإسلام، وتراكم التفسيرات البشرية للقرآن، وبعض كتب الحديث التى يقدسها الناس أكثر من من النص الدينى الأساسى نفسه، حتى تعامل الناس مع هذه التفسيرات على أنها الدين، وهى عن الدين أبعد ما تكون، وكأن الكتاب بتركيزه على الخطاب الإلهى الذى يحمل قيم العدل والحرية والسلام والرحمة يوضح موقفه من الخطاب الأخر. ورسالة الإسلام للبشرية كما رصدها المؤلف تتمثل فى أربع قيم مرتبة ترتيبا يضمن عالمية الدعوة والرسالة، وشمولها، فالرحمة تأتى على رأس تلك القيم، ثم يأتى العدل تاليا، والحرية ثالثا، والنتيجة وهى القيمة الرابعة: السلام فالقيم الثلاث الأولى إن تحققت وانتشرت ساد السلام بين عموم البشر فى أرجاء المعمورة كلها، وليس بين المسلمين المؤمنين بالدين فقط، وهذه هى عالمية الإسلام، كما أرادها الله سبحانه وتعالى، لا كما يروج لها الأدعياء، الذين يتشدقون بعالمية دينهم، من جهة ويحرضون على القتل والكراهية من جهة أخرى حتى أصبح الإسلام بسببهم مرادفا للعنف والقتل والتخريب فى نظر الشعوب غير المسلمة، مع أن النص القرآنى يقول:«وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم». بدأ المؤلف على محمد الشرفاء، كتابه بتحديد عناصر الرسالة كما نزلت على الرسول وهى: خطاب الهدى، كما فى قوله تعالى:«ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين». وحدة الرسالة، كما فى قوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتى موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» سورة البقرة الآية 136. ثم التكليف الإلهى، كما فى قوله تعالى: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدى القوم الكافرين». ثم يستمر المؤلف فى رصد عناصر الرسالة الإسلامية، كما وردت فى النص الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيذكر أيضا: التذكير بالقرآن، أسلوب الدعوة، وحدة البشر، العدل الإلهى، حرية الاعتقاد، لا وصاية فى الدين، ليقف بعد ذلك أمام كل هدف من هذه الأهداف بالشرح والتحليل وبيان عظمة الدين الإسلامى، «إن رسالة الإسلام كما يشرح الشرفاء ص 6 من الكتاب التى بعث بها الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا، يحملها فى كتاب كريم ليهدى الناس كافة سبيل الخير والصلاح، وليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليحررهم من استعباد البشر للبشر، واستعباد الأصنام لعقول الناس. إن دعوتنا -كما يراها المؤلف -كمثقفين، وردت فى كتاب الله فى الآية 13 من سورة الحجرات: «يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، ويرى أنها دعوتنا الآن، بحكم ما يجرى حولنا من مشكلات تتعلق بديننا: تلك دعوة لمثقفى الأمة وعلمائها المنوط بهم الآن إخراج الأمة من مأزقها فى المفاهيم المغلوطة، وتقديس تراث الأولين، واجتهادات لا تلزم المسلمين اتباعها، ولا تتفق مع ما أنزل الله على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم على حساب القرآن، فهى وقفة إذن مسئولة من دون تمييز لطائفة، أو مذهب أو فرقة أو حزب يرتجى منها التعاون والبحث الجاد المتجرد، وصولا لمفهوم موحد تلتئم عليه الأمة، حين الوقوف على أصل ما عنته وقصدته وبينته آيات القرآن الصريحة فيما هو خير للإنسانية، وترك ورفض لحشد الروايات المبعثرة والمزعومة. ينتقل المؤلف بعد ذلك شارحا ومحللا، ومستندا إلى القرآن الكريم، ليفرق بين خطابين، فى قسم: الخطابان والمقصود بهما، الخطاب الإلهى، والخطاب الدينى، فالأول رحمة وعدل، والثانى كراهية وتكفير، وهما فى رأيه: طريقان لا ثالث لهما، طريق الحق، وطريق الضلال، فمن اتبع طريق الحق، وهو الخطاب الإلهى للناس كافة بلغه رسول أمين سيكون حسابه كقوله تعالى:«ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما»، ومن اتبع طريق الضلال فى الخطاب الدينى البشرى، فسيكون عقابه كما قال تعالى:« ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى». فى الفصل الثالث والأخير من الكتاب، يحدد المؤلف أركان الإسلام، وهى كما يرى تتمثل فى ثلاثة محاور، الأول العبادات كما هى معروضة فى حديث بنى الإسلام على خمس، والمحور الثانى منظومة القيم والأخلاق، وتشمل بر الوالدين والعلاقة الزوجية وحقوق اليتامى، وضوابط الميراث والإنفاق فى سبيل الله، وسلوك المسلم، ثم المحور الثالث والأخير وهو المحرمات.