خفض سعر الفائدة يدفع إلى البحث عن وسائل استثمار بديلة للودائع ودائع المصريين فى البنوك سجلت زيادة كبيرة، بلغت 920 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى 2016 – 2017، حيث سجلت فى نهاية يونيو 2016 نحو 2.123 تريليون جنيه، وارتفعت إلى نحو 3.043 تريليون جنيه فى نهاية يونيو الماضي، وذلك وفقا لبيانات البنك المركزى، وارتفع إجمالى ودائع المصريين بالبنوك - بما فيها الودائع الحكومية - لمستوى تاريخى جديد، لتصل إلى أكثر من 3 تريليونات جنيه فى نهاية يونيو الماضي، مقارنة ب 2.9 تريليون جنيه بنهاية مايو 2017 وهذا يعنى أن الودائع ارتفعت 900 مليارجنيه تقريبا فى عام واحد بنهاية يونيو الماضى.
وأرجع خبراء السبب وراء تلك الارتفاعات التاريخية إلى ارتفاع أسعار الفائدة التى أعقبت قرار «المركزى» بتحرير سعر صرف الجنيه فى 3 نوفمبر من عام 2016، الذى صاحبه تقديم شهادات ادخار بعوائد وصلت إلى 16 % و20 % لآجال 3 سنوات، وسنة ونصف العام على التوالي.
كما شددوا على ضرورة خفض أسعار الفائدة على ودائع الادخار، بمنح الفرصة أمام عودة الاستثمار للمعدلات التى كانت عليها قبل رفع الفائدة بهذه المعدلات المرتفعة للغاية، والتى تسببت فى إحجام العديد من العملاء على الحصول على قروض لتمويل مشروعاتهم.
«الأهرام العربى» تحاول من خلال هذا التحقيق الوقوف على أسباب ارتفاع الودائع بالبنوك وهل ارتفاعها بسبب سعر الفائدة المرتفع أم بسبب وعى المصريين لضرورة الادخار أم أن هناك أسبابا أخرى؟!
فى البداية أكد الدكتور عمرو حسانين، رئيس شركة “ميريس” للتصنيف الائتماني، أن ارتفاع أسعار شهادات الادخار المطروحة من جانب البنوك الحكومية الثلاثة والتى تقدم عوائد ب 16 % لأجل 3 سنوات و20 % لأجل عام ونصف العام، هى السبب الرئيسى وراء هذا الارتفاع الكبير فى الودائع بالبنوك المصرية.
ولكنه أشار فى الوقت نفسه إلى أن لارتفاع أسعار الفائدة مخاطر أخرى كبرى على الاستثمار، فمن غير المعقول أن يتجه العملاء للاقتراض بسعر فائدة يتجاوز ال 20 %، فارتفاع أسعار الفائدة يخفض التضخم، لكنه يؤثر سلباً على معدلات الاستثمار.
وتوقع “حسانين” ألا تستمر هذه المستويات من أسعار الفائدة لأكثر من ذلك، فقد يتجه البنك المركزى لخفض أسعار الفائدة بعد نجاحه فى سحب السيولة الفائضة من السوق، للتخفيف من الآثار التضخمية لقرار تحرير سعر الصرف، والذى بدأ بالفعل فى الانخفاض خلال أغسطس إلى 33.2 % مقابل 34.2 % خلال يوليو السابق له.
وأوضح أن البنوك لديها سيولة كبيرة، لابد من توظيفها بالشكل المطلوب فى استثمارات حقيقية وليس فى استثمارات أدوات الدين الحكومية سواء سندات أم أذون خزانة، مضيفاً أن ارتفاع الودائع إجمالاً هو مؤشر إيجابى ولكن بعد نجاح المركزى فى تنفيذ مستهدفه، بسحب السيولة عليه الآن أن يخفض الأسعار مرة أخرى لتشجيع الاستثمار.
وترى الدكتورة فائقة الرفاعي، وكيل محافظ البنك المركزى الأسبق أن ارتفاع الودائع فى البنوك بهذه المستويات التاريخية، يعود فى الأساس إلى زيادة رغبة المصريين فى الادخار انتفاعاً بأسعار الفائدة المرتفعة التى أغرت المواطنين لإيداع أموالهم فى البنوك.
وأشارت إلى أن ارتفاع معدلات التضخم أسهم فى قيام شرائح المودعين ذوى الدخول المرتفعة بالادخار فى البنوك، وهذه الفئة هى التى انتفعت بالفائدة المرتفعة، حيث تسببت أسعار السلع والخدمات العالية فى امتصاص دخول الأفراد من الطبقة المتوسطة والأقل منها بما لا يحقق فوائض يمكن ادخارها.
وأضافت أنه مع ارتفاع الودائع إلا أن البنوك لديها مشكلة فى توظيف هذه الأموال، خصوصا مع السياسة المتحفظة التى تتبعها البنوك المصرية، حيث يتطلب عملية منح القرض إجراءات عديدة وضمانات قوية يقدمها العميل لكى يحصل على هذا التمويل، ضماناً لأموال البنك من الضياع أو ضخها فيما لا يستحق.
وأرجعت ذلك إلى بطء التطور فى الصناعات المصرية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكن هذا الأمر يجرى العمل عليه من خلال البنك المركزى بمبادراته وتعليماته للقطاع المصرفى المصري، لافتة النظر إلى أنه لا يوجد انخفاض فى الاستثمار لكنه انخفاض فى معدلات النمو المستهدفة.
ونوهت إلى أن خطوة خفض سعر الفائدة غير مدروسة جيداً حتى الآن، فتفاعل السوق مع قرار كهذا ربما يكون غير واضح بالقدر الكافى، فهل ستتجه المدخرات البنكية إلى أدوات استثمار أخرى سواء فى أسواق المال أم العقارات أم الأصول الثابتة الأخرى أم ستظل فى البنوك بدون تغيير؟
واعتبرت “الرفاعي” ارتفاع الودائع بالبنوك مؤشراً إيجابياً، خصوصا أنه يتزامن معه توسع فى سوق المال، مشيرة إلى أهمية تحويل تلك الودائع من قصيرة الأجل إلى طوية الأجل، وبالفعل تسير البنوك فى هذا الاتجاه من خلال توفير شهادات إيداع بمدد أطول تصل إلى 10 سنوات وبأسعار فائدة مغرية أيضاً. وقال الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى إن أسعار الفائدة المرتفعة أدت إلى ارتفاع الودائع بمستويات غير مسبوقة، ولكنها أثرت على تراجع معدلات الاستثمار فى البنوك على الجانب الآخر، الأمر الذى أسهم فى زيادة توجه البنوك بدورها إلى الاستثمار فى أدوات الدين العام التى استفادت من رفع المركزى لأسعار الفائدة على الإيداع والإقراض وارتفعت إلى معدلات جاذبة للبنوك.
وأكد “بدرة” ضرورة استغلال السيولة المتراكمة لدى البنوك حالياً لتمويل المشروعات بما لزيادة النمو فى الناتج المحلى الإجمالى لمصر، ولابد هنا التركيز على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها السبيل والطريق الأسرع للنمو الاقتصادى فى أى دولة، خصوصا مع كون القطاع المصرفى أحد أهم ركائز الاقتصاد المصري، من خلال معدلات سيولة وقاعدة رأسمالية جيدة من شأنها المساهمة فى تجاوز هذا القطاع للعديد من الأزمات المحلية والدولية.
ولفت إلى أن ارتفاع سعر الفائدة فى البنوك إلى 20 % أدى إلى تباطؤ معدلات النمو، لأن هذا الارتفاع يزيد العبء على موازنة الدولة لتوفير هذه الفائدة المطلوبة لهذه الأموال، ما يؤدى إلى ارتفاع الدين الداخلى للدولة.