تجهيز آلاف الإرهابيين للانتقام من أوروبا بعد هزيمتهم فى العراق زوبلنجهام: تجب مضاعفة حجم المخابرات كما حدث فى الحرب العالمية الثانية
بريطانيا لا تجد الموارد المالية لمراقبة 20 ألف إرهابى وتعتبرهم (خطرا متبقيا)
منذ سقوط “خلافة” داعش فى سورياوالعراق، تبدى شبكات مكافحة الإرهاب الأوروبية اهتماما واضحا بالخطر المتزايد والمتمثل فى عدد الانتحاريين الذين يسعون للتوجه إلى أوروبا، ومن المحتمل أن ينفذوا عملياتهم بمفردهم. ووفقا لأحدث دراسة نشرها معهد جيتستون بنيويورك، فى مايو الماضى، فإن السكرتارية العامة لمنظمة الشرطة الدولية أعدت قائمة بعدد مقاتلى الدولة الإسلامية الذين من المعتقد أنهم بالفعل عادوا إلى أوروبا، وقد يخططون لاعتداءات انتحارية فى دول مختلفة. الإنتربول قام بتوزيع قائمة تضم أسماء 173 مقاتلا من داعش، من المعتقد أنه تم تدريبهم لتصعيد الاعتداءات الانتحارية فى أوروبا انتقاما للهزيمة العسكرية التى منيت بها الجماعة فى الشرق الأوسط. ومن الجدير بالذكر أيضا أن المخابرات الأمريكية حددت القائمة ذاتها، حيث توصلت للمعلومات أثناء تحرير الأرض من داعش فى سورياوالعراق. الدكتور دينيس ماك إيوين – كاتب الدراسة – حاول التركيز على الأعداد فى كل من بريطانياوفرنساوألمانيا. ويذكر أن ماك إيوين يقوم بتدريس الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة البريطانية، وهو الآن متخصص فى الأصولية الإسلامية والشرق الأوسط. وقد انتهى من استكمال كتاب كبير عن القلاقل حول الإسلام فى بريطانيا. كما أنه يعمل كبير باحثين فى معهد جيتستون الأمريكى. وقد لفت إيوين الانتباه إلى أنه قبل تحديد أعداد العائدين إلى أوروبا، يجب الأخذ فى الاعتبار بعض الأمور من خلال دراسات قام بها باحثون آخرون. فقد أشار ديفيد أندرسون - المراجع السابق للقوانين المناهضة للإرهاب – إلى عدة نقاط مهمة فى تقريره عام 2015، تتمثل فى السرعة التى يمكن أن تتغير من خلالها الأمور والأشياء. والقياديون الخطرون فيهم والصعوبات فى معرفة كيف يمكن تحديد أولوية المراقبة فى ظل موارد محدودة. وأخيرا الصعوبة فى تحديد الحوافز التى يمكن أن تعيد تنشيط سلوك المتطرف. كما أشار باحثون آخرون إلى القلاقل التى تشكلها إيديولوجية الجهاد القائم على الإيمان الدينى الأصولى الذى يتملك الأفراد ويتغلغل فيهم إلى الدرجة التى لا يمكن أن يخلصوا منه، ويمكن بكل سهولة إعادة تنشيط الرغبة فى ارتكاب الأعمال الوحشية. ومن ناحية أخري، وفى حوار لجريدة «التايمز اللندنية»، قال بن والاس – وزير الدولة للشئون الأمنية – إن وجود قاعدة بيانات لمئات المقاتلين المحتملين يشير بكل وضوح إلى جدية التهديد، حيث يكشف ذلك مدى التحدى الذى يفرضه الإرهاب فى القرن الحادى والعشرين. فلنبدأ من بريطانيا، فقد كشفت الدراسة أنه وفقا لتقرير صغير نشرته جمعية هنرى جاكسون – مقرها لندن – حول منابع التمويل الأجنبى للإرهاب، فإن التمويل الأجنبى للتطرف الإسلامى فى بريطانيا يأتى بصفة أولية من الحكومات والمؤسسات ذات الصلة بحكومة بعينها فى الخليج، بالإضافة إلى إيران. وهذا التمويل يأخذ شكل هبات للجوامع والمؤسسات الإسلامية والتعليمية التى بدورها تلعب دور المضيف للدعاة المتطرفين، كما تقوم بتوزيع ثقافة التطرف. وعن أعداد الجهاديين، يذكر أنه فى السادس والعشرين من مايو الماضى، وبعد 4 أيام فقط من اعتداء إرهابى كبير على حفل موسيقى بمسرح إريانا جراند فى مانشيستر، أعلن كبار المسئولين فى المخابرات البريطانية أنهم قاموا بتحديد هوية 23 ألف جهادى متطرف يعيشون فى بريطانيا: منهم نحو 3 آلاف يفرضون تهديدا ويخضعون للتحقيقات والمراقبة النشطة من قبل الشرطة والخدمات الاستخباراتية. فى حين أن ال 20 ألفا الآخرين خضعوا لتحقيقات سابقة وتم تصنيفهم باعتبارهم “ خطرا متبقيا”. إلا أن المشكلة التى تواجه بريطانيا هى أن كلا من الشرطة وجهاز المخابرات يفتقر إلى الموارد الكافية التى تمكنه من التحقيق مع أكثر من 3 آلاف مشتبه فيهم، وفى الوقت ذاته تاركين الحرية لل 20 ألفا الآخرين للمرور بدون مراقبة. ولن تتبين الموقف بصورة أفضل، فوفقا لتقرير نشرته هذا العام إدارة تفتيش الشرطة التابعة لملكة إنجلترا، ونشر بالتفصيل فى الجارديان، نجد أن خفض الميزانية لقوات الشرطة فى إنجلترا وويلز أدى إلى أن قوة تنفيذ القانون أصبحت غير كافية. وقد لخصت زوبلنجهام، مفتشة الشرطة البريطانية فى قولها: “إن الشرطة تواجه وضعا محفوفا بالمخاطر. نحن نرفع العلم الأحمر فى هذه المرحلة. علم أحمر كبير”. وفى المقابل قال أنتونى جليز – مدير الدراسات الأمنية والاستخباراتية بجامعة برمنجهام – إن وجود 23 ألف قاتل محتمل فى بلدنا يعتبر أمرا مثيرا للرعب. وأنه تجب مضاعفة حجم جهاز المخابرات كما حدث فى الحرب العالمية الثانية مع التوسع فى زيادة أعداد رجال الشرطة والمخابرات. وفى إبريل الماضي، فى الوقت الذى واجهت فيه جحافل داعش الهزيمة فى الموصل والرقة، كشفت دراسة بريطانية صغيرة أجريت على عينة تتكون ما بين 8000 إلى 8500 فرد، أن العديد من المسلمين البريطانيين الشباب يعتقدون أن الجهاديين العائدين من سوريا إلى بريطانيا يجب منحهم “فرصة ثانية”، ويجب أن “ يتم احتواؤهم” فى داخل المجتمع. وقد أوضح أحد المشاركين من العينة أنه عندما يشعر الناس بالعزلة وعدم معاملتهم باحترام فى مجتمعهم، فإنه لن يكون من الغريب ارتكابهم المزيد من الإرهاب لاعتقادهم أنه ليس لهم دور، وأن حكومتهم لا تهتم بهم. وفى حوار مع جريدة الإندبندت، أوضح آدم دين – من مؤسسة كول تيم المناهضة للأصولية – أنه كلما زاد الحصار حول داعش فى العراقوسوريا، وكلما فقدت المزيد من الأراضي، فكرت فى توجيه جهودها وطاقاتها فى قنوات إرهابية أخري. فهؤلاء الأفراد الذين سيعودون إلى البلد سيتم تنشيطهم ومن المحتمل أن يرتكبوا أعمالا إرهابية. وبالانتقال إلى ألمانيا، ووفقا لتقرير من مكتب الشرطة الفيدرالى، فإن عدد المشتبه فيهم يشهد ارتفاعا. وقد حدد قائمة ب657 شخصا باعتبارهم قادرين على تنفيذ أى عمل إرهابى، فى حين تم تحديد 388 شخصا يمكن أن يقدموا مساعدات لمرتكبى الاعتداءات الإرهابية. كما قدرت كل من وكالة المخابرات المحلية والمكتب الفيدرالى لحماية الدستور، بأن عدد السلفيين الأصوليين فى المانيا ارتفع من 8350 شخصا فى عام 2015 إلى 10100 شخص فى عام 2016 من بينهم 680 شخصا تم تصنيفهم باعتبارهم خطرين. كما قدرت الوكالة وجود 24400 إسلامى جهادى ناشط فى ألمانيا. وفى فرنسا حيث قد تبدو الأمور أفضل بعض الشىء، حيث كشف إيف مامو – الباحث فى معهد جيتستون – أن هناك على الأقل نحو 6 ملايين مسلم فى فرنسا. وفى إبريل 2017، نشر مجلس الشيوخ الفرنسى أنه منذ بداية مارس 2017 تم تحديد 17393 شخصا باعتبارهم مشتبها فيهم كإرهابيين. وقد ذكرت السلطات الفرنسية أنه ليس كل المشتبه فيهم يخضعون للمراقبة، وأن أعدادا صغيرة تخضع للتحقيقات على فترات منتظمة . وتحاول الدول الأوروبية فى كل مرة تقع فيها عملية إرهابية إحكام قبضتها فى تنفيذ القوانين والتشريعات الخاصة بالإرهاب حتى لا يتحول المزيد من الأبرياء إلى ضحايا لأعمال يرتكبها أشخاص هم أنفسهم ضحايا لأيديولوجيات تنتهى بهم إلى أن يلقوا حتفهم.