إستراتيجية متكاملة لتحسين معيشية المواطن العربى.. خطط مستدامة تفتقر التنفيذ محمد عبد العال: المصارف والتنمية المستدامة وجهان لعملة واحدة
المهندس عصام شرف: نقص الموارد على رأس تحديات التنمية المستدامة
برغم صعوبة مصطلح التنمية المستدامة، لكنه يعني ببساطة كل ما يتعلق بحياة المواطنين اليومية من خلال توفير الاحتياجات والمتطلبات مع إيجاد توازن بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ومراعاة مقدرات الأجيال المقبلة، ولذلك اعتمدت الأممالمتحدة في العام الماضي ما أسمته المشروع الكوني ووضعت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وحددت 17 هدفا كرؤية لتحويل مسار التنمية للسنوات ال 15 المقبلة لبناء مستقبل أكثر سلاما وازدهارا واستدامة وشمولا.
وعكفت الدول العربية مسرعة لتضع المبادرات الدولية نصب عينيها وتعتمد خطتها ورؤيتها الإستراتيجية وفق المفهوم الفضفاض للتنمية المستدامة برغم التفاوت الكبير في اقتصاديات هذه الدول وعدم وجود إمكانيات تضاهي إمكانيات الدول المتقدمة.
قدمت الجامعة العربية توصياتها للدول العربية بتنفيذ مبادرة الأممالمتحدة ورسمت خارطة طريق للشراكة والتعاون بين مختلف الفاعلين على الساحة من حكومات ومؤسسات دولية ومنظمات مجتمع مدنى وقطاع خاص وركزت على عدد من المحاور الأساسية من أهمها: كرامة الإنسان وجودة الحياة وتعزيز الشراكات الإقليمية والعالمية والسلام والأمن والعدالة والبنية التحتية والنمو الاقتصادى والإنتاج والاستهلاك والموارد الطبيعية والبيئة ومخاطر المناخ والأمن المائى والغذائي، فضلا عن دور القطاع الخاص فى تحقيق التنمية المستدامة، وفرص الاستثمار، والتعليم، والبحث والتطوير فى مجالات الصحة، التكنولوجيا والبحث والابتكار لكن الواقع يشير إلى أن هناك تفاوتا كبيرا بين اقتصادات الدول العربية يجعل من تنفيذ التنمية المستدامة يواجه عثرات بل صعوبة فى تنفيذ برنامج التنمية .
ومصر لم تكن بعيدة عن تبنى هذه الرؤية العالمية حيث قامت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى بإعداد إستراتيجية للتنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 تنقسم إلى اثنى عشر محوراً رئيسياً تشمل، محور التعليم، والابتكار والمعرفة والبحث العلمي، والعدالة الاجتماعية، والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية العمرانية، والطاقة، والثقافة ، والبيئة، والسياسة الداخلية، والأمن القومى والسياسة الخارجية والصحة.
السفير محمد الربيع أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية يرحب بالمشروع الكونى الذى وضعته الأممالمتحدة للتنمية المستدامة واعتمدت له 17 هدفا لتنفيذها فى كل دول العالم، لكنه يتساءل عن مدى تطابق هذه الأهداف مع رؤية الدول العربية فى ظل التفاوت الكبير بين الدول العربية وهذه الدول المتقدمة ووفقا للمواصفات وللواقع الذى نعيشه كمواطنين عرب هل هناك تطابق كامل فى دول الوطن العربى بعضها البعض؟ فلابد أن نحدد مستوى للتنمية المستدامة فى الوطن العربى عندما ننتهى من تحقيق هذا المستوى نذهب لخارج الوطن العربى فمثلا كيف نماثل دولة الآن تتعامل مع العلم مثل أمريكا المفكرين والعلماء المبتكرين كدولة جاذبة للعلماء والمفكرين ولدينا دول طاردة للعلماء؟
وأشار إلى أن هناك اعتبارات مثل التعليم فى الوطن العربى لا يتساوى مع التعليم فى اليابان أو أمريكا أو أوروبا وكذلك المجال الصحى لا يتطابق بين المستشفيات الأمريكية مثلا أى دولة تقع فى الوطن العربي، ولكن نرحب بأن تكون هناك أهدف للتنمية المستدامة وأهدافها وفق معايير وأسس نحن نصنعها كدول عربية وعندما يتحقق التساوى نستطيع تنفيذ مبادرة الأممالمتحدة، ولكن بالوضع الحالى لا تستطيع حتى الأممالمتحدة تحقيق الأهداف التنموية فى الدول العربية بهذه الحالة الموجودة عليها حاليا ولذلك لا نرفض هذه الأهداف ولكن لابد أن نتعامل معها من البداية كمساعدة هذه الدول النامية والأقل نمواً من قبل الأممالمتحدة والدول المانحة.
ويوضح المهندس عصام شرف رئيس الوزراء المصرى الأسبق ورئيس مجلس أمناء مؤسسة شرف للتنمية المستدامة أبرز التحديات التى تواجه الدول العربية لتحقيق التنمية المستدامة ويقول إن نقص أو شح الموارد يأتى على رأس هذه التحديات وأن أهمية إدراك العقل الجمعى لهذا الواقع وهو عدم وجود موارد، وبالتالى أن هذا عائق أمام تحقيق أهداف التنمية ويكون الحل فى تعزيز فكرة المواطنة فى الدولة والهوية الوطنية فكلما زادت فكرة إيمان الإنسان بوطنه زادت قدرته على التحمل، لكن هذا يجب أن يكون تحت ظل حكومات تتصرف بوعى كاف وبتوازن فى الإنفاق، وعلينا أن ندرك أنه مهما كان حجم الموارد كبيرا فستظل غير كافية وهو ما يجب أن يدركه المواطن عن طريق التنوير.
وأشار إلى أن المواطن المتنور عندما تخبره الحكومة أنها ستقوم بتنفيذ مشروع عائده بعد عشر سنوات يكون مقتنعًا ويدعمها ولن تأتى هذه القناعة والوعى إلا عن طريق العقل الجمعي، لكن إذا لم يكن لدى المجتمع هذا الوعى الجمعى وهذه الحالة التنويرية فلن يصدق ولن يتفاعل مع خطط التنمية وسيكون عائقاً للتنمية، ومن هنا تأتى أهمية المشروع التنويرى الثقافى ذى البعد الاجتماعى على مستوى أى بلد وهو ما أنادى به دائمًا، إذا استطعت أن أحقق هذا فأستطيع أن أحول قوة المواطن التى قد تكون معطلة إلى قوة إضافية تتحول إلى قوة لصالح الدولة وهو مشروع كأى مشروع فى منتهى الأهمية.
محمد عبد العال الخبير المصرفى يوضح أن دور المصارف العربية فى دعم وإنجاح التنمية المستدامة، أمر محورى، ويمكن القول إن المصارف والتنمية المستدامة هم وجهان لعملة واحدة ، فالمصارف هى القاعدة التمويلية لكل الأنشطة الاستثمارية الواردة فى خطط التنمية المستدامة، خصوصا أن مناخ الاستثمار فى العالم العربى على صعيد التنمية واستقطاب الاستثمار المباشر ما زالت تعيقه عدة عراقيل من حيث التشريعات والتقدم التكنولوجى، وهو الأمر الذى يولد خللا فى بيئة الأعمال والاستثمار، والبيئة الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح أن المصارف العربية لديها من عوامل النجاح الحيوية ما تستطيع به أن تلعب دوراً محورياً فى تحقيق وإنجاح خطط التنمية المستدامة فى الدول العربية، ولكن هناك الكثير من الأهداف المهمة التى يتعين أن تسعى كل الدول العربية لتوفيرها فى بيئة عمل الأجهزة المصرفية ومنها: توسع المصارف العربية فى تقديم الخدمات المالية بكل أنواعها و المشاركة فى دعم المشروعات الكبرى وتمويلها وحث صانعى القرار على أهمية وضع الإطار المتكامل للشمول المالى بهدف المساهمة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وتعزيز دور المسئولية الاجتماعية للبنوك العربية ووضع إستراتيجيات، لتمويل خطط التنمية المستدامة وضمان توفر الدفعة المالية التمويلية القوية لتلك الخطط وتعميق دور أسواق المال العربية فى جمع الموارد المالية طويلة الأجل، وتشجيع تدفق رأس المال الأجنبى إلى المصارف العربية و أن تعمل البنوك على تنويع هياكل الإنتاج بالدول العربية من أجل المحافظة على استدامة النمو.
وأشار إلى أن عملية إعداد وتنفيذ خطط التنمية المستدامة تصدرت مكانة بارزة ضمن أولويات صانعى السياسات فى معظم الدول العربية، وأكدت تلك الدول على ضرورة مواجهة التحديات والعوائق التى تحول دون تحقيق خطط التنمية المستدامة، خصوصا فيما تواجهه بعض الدول العربية الآن من صراعات طائفية وقبلية وعقائدية، ناهيك عن الإرهاب والتطرف، وغياب القدر الكافى من الثقة المتبادلة بين بعض النظم العربية.
وأضاف أن الدول العربية تسعى إلى التغلب على تلك المعوقات والتوجه بكل ثقلها لتحقيق الأهداف الموضوعة لكى توفر قاعدة انطلاق لإستراتيجياتها للتنمية المستدامة 2030، مبينا أن هناك متطلبات وعوامل وأهدافاً رئيسية يتعين على الدول العربية تحقيقها لكى تضمن نسب نجاح معقولة لخطط التنمية المستدامة فى البلاد العربية منفردة أو مجتمعة، ومن ضمن تلك الأهداف المهمة وضع إستراتيجية عربية متكاملة لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن العربى ومحاربة الفقر والجهل والمرض العمل على إجراء الإصلاحات التشريعية والاقتصادية والمالية الجاذبة للاستثمارات بكل أنواعها والعمل على تفعيل وتنفيذ خطط التنمية المستدامة وتفعيل اتفاقيات الترابط بين الدول العربية، خصوصا فى مجالات المياه والطاقة والأمن الغذائى كنموذج للتنسيق المطلوب بين الدول العربية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.