فُجع محبو برشلونة مرتين فى ليلتين متتاليتين خلال شهر أغسطس الجارى، الأولى فى 16 عندما فاز نادى ريال مدريد على ناديهم المفضل وتُوج بطلا لكأس السوبر الإسبانى، والثانية فى 17 عندما دهست سيارة من نوع فان المارة فى شارع “لارامبلا” أشهر شارع فى برشلونة، مما أدى إلى مقتل 16 شخصا والطعن من سائق المركبة وإصابة 130 شخصا من 36 جنسية، من بينها المصرية والجزائرية والمغربية، إضافة لهجوم ثان وقع بعد عدة ساعات فى نفس إقليم كاتالونيا فى منتجع كامبرليس. دماء كثيرة سالت فى لارامبلا هذا الشارع الملىء بالحيوية والمحبب لدى السائحين القادمين من أنحاء العالم عموما، ولدى العرب خصوصا، حتى إنهم يطلقون عليه اسما عربيا “الرملة”! نعرف مدينة الرملة الفلسطينية التاريخية ونعرف ميدان الرمل فى الإسكندرية، لذا أردنا أن نضفى عليه الصبغة العربية لمدن البحر الأبيض المتوسط، حيث يجد العرب راحتهم ما بين النزهة والتسوق والاسترخاء. وتصطف الأشجار العالية على جانبى الطريق الممتد على مساحة 1,2 كيلومتر والمزدحم صباحا ومساء خصوصا فى ذروة الموسم السياحى.
يبدأ الرملة من ساحة بلازا كتالونيا التى لا تهدأ فيها الاحتفالات والأنشطة ويتنقل الجميع بحرية من الفنادق وسط إبداعات الرسامين المتجولين ونسمع فى الخلفية موسيقى عازفى الشوارع، ونشاهد المقاهى والمتاجر ونقف عند الأكشاك التى تبيع التذكارات، ولا سيما كل متعلقات نادى برشلونة، وأخيرا نأخذ استراحة مطولة داخل المطاعم التى تدعو الزبائن، وتكتب كلمة “حلال” المطمئنة، وتتفنن فى عمل الطبق الشهير “لابايللا” أو “لاباييا” أو مرة أخرى الكلمة من أصل عربى “البقية” الذى يعتمد على السمك وفواكه البحر مع الأرز والخضراوات ويشبه الصيادية، وتقول الأسطورة إن ملوك وأمراء الأندلس بعدما كانوا يأكلون ما لذ وطاب، يتم وضع المتبقى من الطعام الفاخر للفقراء، وينتهى لارامبلا بالقرب من الميناء، حيث تمثال كريستوفر كولومبوس ثم نجد سلسلة من الشواطئ الرائعة أشهرها برشلونيتا.
ربما لا تكون برشلونة من المدن العريقة فى أوروبا، فهى ليست مثل باريس أو روما، لكنها ذات طابع مختلف يعتمد على الفن الحديث فنرى لمسات المعمارى أنطونى جاودى فى كل مكان، وهو صاحب طراز متموج فى الأبنية والمقاعد ويزينها دوما بالفسيفساء الملونة أو البيضاء غير المنتظمة وهو مبدع كنيسة العائلة المقدسة “لاساجرادا فاميليا” التى لم تكتمل، بالإضافة للفنان التشكيلى خوان ميرو صاحب بصمة غائرة بأسلوبه الطفولى التجريدى المبهج وشيدوا له متحفا على جبل مطل على المدينة.
أما الأهم فهو نادى برشلونة الذى يتخذ شعارا “ليس مجرد ناد”، بالفعل ندرك ذلك فورا، فكما لو كان ناديا لكرة القدم قد أنجب مدينة ونجمه الأرجنتينى ليونيل ميسى هو سيد اللاعبين! لذا نجد الشباب مقبلين على برشلونة فهى شابة مثلهم وتمنحهم الإيقاع الذى يفضلونه.ويعتد الكتالونيون بأنفسهم بشدة مما يجعلهم دوما يطالبون باستقلالهم عن مملكة إسبانيا، وهناك جيران كتالونيون لهم فى المنطقة الحدودية مع فرنسا وإمارة أندورا وكذلك فى إيطاليا، وهم لا يشجعون النادى الثانى الشهير فى المدينة وهو نادى إسبانيول باعتباره خاصا بالإسبان ويستنكرون تماما سؤال من يسأل عنه!.