إلى سركون بولص

البحيرةُ التى تلتمعُ فى البعيدِ
البحيرةُ التى تلتمع فى المساء المبكِّرِ
البحيرةُ التى تلتمعُ بين أشجار الشتاء المُعَرّاةِ
البحيرةُ التى ماؤها رصاصٌ
البحيرةُ التى لا سبيل لنا إليها
هذه البحيرةُ سنظل نرصدُها، غافلِينَ عنّا.
*
يومَ كانت أثينا تجيءُ مع البحرِ والورقِ، استيقظتْ نحلةٌ فى الوريدِ.
المُغَنِّى تَرَنَّحَ. والقصبُ الغَضُّ فى الهَورِ مالَ. السماءُ
لها وردةٌ. أينَ نسكنُ ؟ قُلْنا : سنسكنُ فى الأُغنياتِ. وماذا سنَطْعَمُ ؟
قُلْنا : رحيقَ البراري.
*
المدينةُ التى لم تتشكّلْ بَعدُ
المدينةُ التى ليس فيها شارعٌ واحدٌ
المدينةُ التى لا تصنعُ إلاّ السجائرَ
المدينةُ التى أضاعت مفتاحَ بوّابتِها
المدينةُ التى تنتظرُ البرابرةَ
هذه المدينةُ سوف نشقُّ فيها نهراً للهتاف.
*
ولْيَكُنْ !
قد تكونُ أثِينا وأبوابُها المائةُ، الآنَ، فى مَدخَلِ السجنِ !
نضحكُ فى وجهِ سَجّانِنا. الليلُ فى القلعةِ اكتظَّ بالنجمِ أحمرَ.
والليلُ يلعبُ فى النهرِ. كانت أثِينا تَلُوحُ. وكانت تُلَوِّحُ
والسجنُ يطفو خفيفاً على الماءِ. كنّا على الماءِ نمشي.
*
القطارُ الذى مَدَّ سِكَّتَهُ الهنودُ والأسرى
القطارُ ذو العرباتِ الخشب
القطارُ الذى ليس فيه ماءٌ
القطارُ الذى يعوى فى ليل المتاهةِ
القطارُ الذى لا يحبُّه البدوُ ومتمرِّدو العشائر
هذا القطارُ سيأخذنا، مكبَّلِينَ...
*
لن نقولَ لبيروتَ شيئاً.
سنشربُ قهوتَنا، مثلَما يشربُ الناسُ قهوتَهم فى مقاهي
الرصيفِ. نخبئ أسرارَنا فى ابتسامتِنا. ثم نسألُ : والبحرُ ؟
أهيَ أثِينا على الشاطئ الآخَرِ؟ المرفأُ المُتطامِنُ
حيثُ الطريقُ لها : المارجوانا... وجوعُ الطيور.
*
أمريكا التى ذهبْنا إليها فى الأقاصيص
أمريكا التى يذهبُ إليها الآشوريّونَ ليتكلّموا بلُغتِهِم
أمريكا التى لسانُها ذهبٌ
أمريكا التى حملتْنا النسورُ إلى براريها
أمريكا التى أحببْنا
أمريكا، هذه، خذلتْنا مثلَ إلهٍ ساقطٍ.
*
جُعَةٌ، أو نبيذٌ. قليلٌ من الخبزِ. نقلى بزيتِ المكائنِ لحماً قَدِيداً
ونرمى به بيضتَينِ. ملابسُنا الداخليةُ مَلَّحَها العرَقُ المتخثِّرُ. كم مرّةٍ
كادَ يُغْمى علينا... الدروبُ التى لا تؤدِّى تطاردُ أحذيةً مزَّقَتْها الصخورُ.
ولكننا نقرأُ. الأرضُ مِلْكٌ لنا. ونحِبُّ النساءَ الجميلاتِ. نفرحُ حتى نُجَنّ.
*
أثِينا التى قد أضَعْنا
أثينا التى قد قصَدْنا
أثينا التى لن نرى
أثينا التى فى ظلامِ القُرى...
أثينا البهيّةُ جاءتْ أخيراً لتأخذنا نائمين.