فى تصرف غريب لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعه، خطت الدوحة خطوة تصعيدية غير محسوبة العواقب، بسعيها لتدويل مسئولية الحج، عبر ترديد مزاعم لا أساس لها من الصحة، بوجود صعوبات تعترض وصول مواطنيها لآداء الفريضة، ولم تكتف بذلك بل تقدمت بشكوى رسمية للأمم المتحدة بهذا المعنى. وبرغم وهن الدعوى، وعدم استنادها على أسس قانونية أو منطقية، وافتقارها لأى أسانيد من الواقع، فإن مجرد الإقدام على ذلك يعنى أمرا واحدا، وهو أن ساسة قطر مصممون على المضى فى سياسة خلط الأوراق، وتزييف الحقائق، أملا فى صرف الأنظار عن تورطهم فى دعم الإرهاب، وتقديم الدعم للعديد من المنظمات الإرهابية، وتوفير ملجأ آمن لمطلوبين يواجهون دعاوى قضائية فى بلدانهم. الخطوة التى أثارت استهجان واستنكار المسلمين فى جميع الدول الإسلامية هى فى الحقيقة مؤشر واضح على حجم الضغط الذى تشعر به الدوحة، جراء المقاطعة، والآثار السلبية التى لحقت باقتصادها، والتململ الكبير الذى يشعر به الشعب القطرى الشقيق، جراء سياسات حكومته المتخبطة، التى أوصلت بلاده إلى هذا الوضع، وفرضت على شعبها معاناة قاسية، وقطعت علاقاته مع دول شقيقة تربطه بها صلات القربى والدم وأواصر المصاهرة واللغة المشتركة والدين الواحد، إلا أن حكام الدوحة اختاروا تغليب أجندة حزبية خاصة، واختطوا سياسة تتناقض مع سياسة جميع دول المنطقة، تنفيذا لأجندة شخصية، تقوم على الكراهية والرغبة فى إيذاء الآخر، وإشعال المنطقة وإضرام الفوضى فيها.
يعلم القاصى والداني، ويشهد الجميع بأن المملكة العربية السعودية اعتادت النأى بالحج عن أى خلافات سياسية، وعدم ربطه بأى تقلبات، لذلك دأبت على تقديم الدعم والمساندة والعون للحجاج من جميع الدول العربية والإسلامية، دون اعتبار لجنسية أو مذهب أو منطقة، حتى حجاج إيران، فى أحلك سنوات العلاقة بين طهران والرياض، كانوا وما زالوا يجدون الترحيب والحماية، وتقدم لهم المساعدات، وتستقبل المستشفيات السعودية مرضاهم، دون مقابل مالي، إيمانا من الحكومة والشعب السعوديين بأن المهمة التى اختصهم بها الله دون سواهم، بأن شرفهم بخدمة حجاج بيته، تتطلب ذلك.
ومن المفارقات أن الدوحة سارعت إلى تلك الخطوة الغريبة، بعد يومين فقط من إعلان وزارة الحج السعودية ترحيبها بجميع الحجاج القطريين، وتأكيدها أنهم يمكن أن يصلوا للأراضى السعودية من بلادهم ومن خارجها، بأى وسيلة شاءوا، وأنهم محل تقدير واحترام، وسيجدون كل تعاون ودعم، فإن من لا يرون فى الوجود شيئا جميلا لم يجدوا حرجا فى محاولة تزييف الواقع، فرددوا مزاعمهم التى وجدت الاستهجان من القطريين قبل غيرهم.
أسئلة كثيرة تتقافز إلى الأذهان عن طبيعة الدور القطري، وما ترمى الدوحة إلى تحقيقه، فى مقدمتها أنه متى كانت شئون الحج تناقش فى أروقة الأممالمتحدة؟ وما الفائدة التى يمكن أن تجنيها من مساعى تدويل الحج وتحويله إلى قضية سياسية؟ فالجميع يعلم أن وزارة الحج السعودية درجت منذ عشرات السنين على عقد لقاءات سنوية مع وزراء الشئون الدينية فى جميع دول العالم، للاتفاق على أعداد الحجيج من كل دولة، ومراجعة التسهيلات والمساعدات المطلوبة، وتجتمع سنويا كذلك مع رؤساء بعثات الحج، لمناقشة جميع التفاصيل المتعلقة بترحيل الحجاج عبر المشاعر، وإعاشتهم وتفويجهم، وجميع الشئون التفصيلية، فإنه من الواضح أن من يسيطرون على مقاليد القرار القطرى ربما لا يدركون الأهداف الحقيقية لذلك التصرف، بعد أن رهنوا قراراتهم لغيرهم، وصاروا مجرد منفذين، لا أكثر.
الإجابة واضحة، ولا تحتاج إلى كبير عناء، وهى أن الطريقة التى تتعامل بها دول المقاطعة مع الأزمة بدأت تؤتى ثمارها، وأن الصراخ والتصرفات الهستيرية التى يمارسها حكام الدوحة نابعة من حجم الضغوط التى يعانونها، بعد أن وضعوا أنفسهم فى هذا المأزق الذى لا يستطيعون احتماله، وأن التمسك باستمرار المقاطعة سيضعهم تحت خيارين لا ثالث لهما، إما التجاوب مع شروط المجتمع الدولي، والانخراط فى سلك السياسة العالمية الرامية لهزيمة الإرهاب والتطرف، أو تحمُّل تبعات المقاطعة، التى لن تقودهم إلا للانتحار السياسى.