ليس من قبيل المصادفة، ولا حتى من باب المجاملة اختيار “اليونسكو” إمارة الشارقة لتكون عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019، إنما جاء هذا الاختيار على أساس معايير ملموسة وواضحة أمام الجميع، أولها الدور البارز الذى يلعبه حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمى فى نشر وترويج الثقافة فى العالم، من خلال دعمه لجميع المؤسسات الثقافية العربية وفى دول العالم، وظهر ذلك جليا فى مصر فقد كان لحاكم الشارقة الفضل فى إنشاء مقر لاتحاد المجامع اللغوية العربية فى مدينة السادس من أكتوبر، وبدعم منه تم إنشاء دار الوثائق بالفسطاط، فضلا عن المنحة التى قدمها لاتحاد الكتّاب المصريين لعلاج المبدعين، أما المعيار الثانى فيقوم على الملف الجيد الذى تم إعداده بمهارة من جانب الشيخة بدور ابنة حاكم الشارقة والذى قدمت فيه خطة جيدة لدور الشارقة فى ترويج الحراك الثقافى. يقول وزير الثقافة حلمى النمنم: إن اختيار منظمة اليونسكو، للشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 يعد تتويجا للدور الذى يقوم به الشيخ الدكتور سلطان القاسمى فى نشر الثقافة ودعم الكتاب، طوال العقود الماضية، وتوجه وزير الثقافة بتقديم التهنئة لحاكم لشارقة وقال:”إن اختيار الشارقة هو اعتراف من اليونسكو بما تقوم به من دور ثقافى وطنى وعربي، فى إطار توجيهات الشيخ القاسمي، والذى يؤكد دائما أن التعليم هو المفتاح الرئيسى للوصول إلى آفاق التطور والتقدم والارتقاء بالذات وتهذيب النفس والسمو بالإنسان إلى مدارج الرقى والتسامح والتآخى بين البشر”.
أما الدكتور جابر عصفور - وزير الثقافة الأسبق - فيرى أن اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 اختيار جيد وفى محله، وهى تستحق هذا الاختيار عن جدارة، فهى تبذل جهدا كبيرا من أجل الثقافة فى ظل حاكم مثقف ومبدع، يحترم الثقافة والمبدعين، كما أن الشارقة لديها كم كبير من المبدعين وفيها مجلة ثقافية لها حضور لافت للانتباه. ومن ناحيته يوضح الشاعر الإماراتى الكبير حبيب الصايغ - رئيس اتحاد الكتاب العرب - أن اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب جاء بناء على الملف الذى قدمته الشارقة، والذى كان تحت إشراف ابنة حاكم الشارقة، الشيخة بدور القاسمي، وقد أعدت ملفا متكاملا، بناء على منجز الشارقة، والذى تضمن عددا كبيرا من الفاعليات، لافتا النظر إلى أن الشارقة تقيم أكثر من 3 آلاف فاعلية ثقافية فى العام، تتنوع ما بين المسرح والفنون والثقافة ومعارض الكتب.
حراك ثقافى ويؤكد الصايغ، أن الشارقة تعد بمثابة خلية لا تهدأ من ناحية العمل الثقافى بغرض تفعيل الحراك الثقافى ليس فى العالم العربى وحده، بل فى العالم أجمع، فهى لعبت دورا مهما فى إحياء الشعر العربى، وفى ترويج الكتاب، فمعرض الشارقة للكتاب ليس معرضا عاديا، إنما هو أهم معرض ومهرجان ثقافى فى العالم.
ويرى رئيس اتحاد الكتاب العرب أنه ليس هناك بلد فى الوطن العربى يلتقى فيه المثقفون كما فى الشارقة، فهى تحرص على إقامة ملتقى الشعر الذى تكرم من خلاله الشعراء العرب وهناك مهرجان شعرى أيضا يتم من خلاله تكريم شاعر إماراتى كل عام، ويشير “الصايغ” إلى المبادرة التى قام بها الشيخ الدكتور سلطان القاسمى حاكم الشارقة والتى من خلالها يدعم فكرة إقامة ألف بيت للشعر العربى، كما أطلق مبادرة مشروع “مكتبة فى كل بيت”، وكل هذه المبادرات تؤهل الشارقة لأن تكون عاصمة عالمية للكتاب، ويشير إلى أن هناك حدثا آخر مهما وهو أن الشارقة ستكون ضيف شرف معرض باريس الدولى للكتاب لعام 2018.
ويلفت الصايغ النظر إلى أن الشارقة كانت فى التسعينيات عاصمة للثقافة العربية، وفى عام 2004 كانت عاصمة للثقافة الإسلامية، بينما فى عام 2012 كانت عاصمة للسياحة العربية، فهى إمارة هاجسها ثقافى، بدأت بالثقافة حتى وصلت إلى تحقيق التنمية المستدامة.
التراث الإنسانى بينما يرى رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد، أن اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب فى محله، خصوصا أن حاكم الشارقة الدكتور الشيخ سلطان القاسمى على مدار السنوات السابقة دعم الثقافة العربية والتراث الإنسانى عن طريق عدة مبادرات، فضلا عن مساعدته لجميع الدول العربية فى أنشطتها الثقافية، ويبين رئيس اتحاد الناشرين العرب دور الاتحاد فى الاحتفاء بالشارقة كعاصمة عالمية للكتاب قائلا: بالنسبة لنا سيكون هناك تواصل بيننا وبين الشارقة على الصعيد الثقافى بحيث نحاول تنظيم أنشطة تتواءم مع هذا الاختيار.
ويؤكد إلياس فركوح - الناشر والروائى الأردنى - أن هذا الاختيار يعد تقديراً من قبل “اليونسكو” للشارقة، والذى تستحقه عن جدارة، فاللجنة الخاصة بالاختيارات، داخل “اليونسكو” أعلنت مبرراتها لاختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، وقامت بتوثيقها عبر نشرها فى جميع وسائل الإعلام، وهنا يلفت النظر إلى أنه بناءً على البرامج التى وضعتها الجهات الحكومية فى الشارقة، ذات الصلة بالثقافة وبالكتاب، وشرعت بتنفيذ خطواتها من أجل تعميم ثقافة القراءة بتوفير الكتاب مجاناً على طلبة المدارس، بجميع مراتبها العُمْرية، وفرز اللجان المختصة بالاختيارات الملائمة لكل مرحلة ومواءمتها لمستوى النضج، ويقول: بناءً على هذا المشروع الواضح فى هدفه من جهة، والقابل للتطبيق العملى من حيث وفرة التمويل المالى من جهة ثانية، وتجييش لجان مختصة للعمل على إنجاز خطواته المتدرجة مرحلة من جهة ثالثة.
الأولى خليجيا
ويعتبر نيل الشارقة لهذا التقدير هذه السنة، إنما جاء بعد 18 اختيارا عالميا سبقها، منذ 2001، وكانت الإسكندرية الاختيار الثانى سنة 2002 أو ليست الإسكندرية هى مصر أيضاً؟ وهكذا، فإن مصر لم تفشل، مشيرا إلى أن الشارقة المدينة الأولى خليجياً، والثالثة عربياً بعد الإسكندرية وبيروت، والتاسعة عشرة عالمياً التى وقع عليها الاختيار كعاصمة عالمية للكتاب. بينما يقول على العوين - رئيس اتحاد الناشرين الليبيين - إنه بعد الإسكندرية وبيروت يأتى اختيار الشارقة كعاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 فى وقت يمر به العالم العربى بالكثير من النكسات والتقلبات السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الحروب المشتعلة فى عدة مناطق من العالم العربي، ناهيك أيضا عما تمر به صناعة الكتاب من أزمات مادية واقتصادية وعزوف الكثير عن القراءة ومايعانيه الناشرون والنخب الثقافية كذلك من صعوبات فى سبيل نشر وتوزيع كتبهم ومؤلفاتهم فى شتى علوم المعرفة وفى خِضم هذه الأحداث، يأتى هذا الاختيار الذى يعبر عن طموحٍ، ينقل المنطقة العربية للأفضل ولمصاف الدول الناجحة فى صناعة الكتاب، و ينقل أيضاً صورة للعالم أن منطقتنا العربية ما زالت تعمل فى اتجاهات أخرى وتُعطى صوراً إيجابية عن نفسها خصوصاً على الصعيد الثقافى.
صناعة الكتاب ويرى رئيس اتحاد الناشرين الليبيين أن الشارقة كمدينة عربية لفتت الأنظار إليها منذ زمن على صعيد اهتمامها بالنشر وصناعة الكتاب وتقديمها للعديد من الجوائز لكتّاب ومترجمين ولدور نشر عربية وخلقها لمنافسات على صعيد نشر الكتاب، بمعايير جودة من حيث حِرفية صناعة الكتاب ومضمون المواضيع، وعلى جميع الأصعدة الأدبية منها والعلمية، فلا استغراب أن تكون الشارقة عاصمة عالمية للكتاب.
ويشيد العوين بدور الشارقة فى تنشيط الحراك الثقافى قائلا: عملت وبشغف على معارض الكتب وكانت حاضنةً للناشرين ونِتاجهم على مر دورات معرض الشارقة الدولى للكتاب ، وهيأت له دائماً المُناخ المُلائم، ففى كل دورة للمعرض تكون عامرةً بالجديد، ويكون هناك ضيوف للمعرض كالكتاب والفنانين والصحفيين وكل من يكون له صلة بعالم الكتاب، فمعرض الشارقة الدولى للكتاب يؤكد تميزه وتألقه عاما بعد عام، ويثبت جدارته فى أن يكون حدثا ثقافيا عالميا يستقطب ملايين الزوار سنويا، كما يعتبر الملتقى الأول للناشرين والمؤلفين للتباحث فى شئون مهنتهم.
ومن ناحيته يعتبر الشاعر العراقى د. عصام البرام - مسئول الإعلام بجامعة الدول العربية - أن هذا الاختيار يمثل إنجازا ثقافياً عربياً يضاف للثقافة العربية ، وهى تعيش اليوم جملة من التحديات والأزمات الثقافية المتداخلة سياسيا واجتماعيا، فعندما تكون الشارقة عاصمة الكتاب باختيارها من قبل منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم والآداب، يكون ذلك دليلا على صحة وعافية ونضج ثقافى أخذته الشارقة على عاتقها منذ سنوات، وعلينا كعرب أن نفتخر بهذا المنجز.