نشر موقع «ناشيونال جيوغرافيك» تقريراَ عن دراسة ادعى أنها علمية، أقيمت لتحديد الخريطة الجينية للشعوب والعناصرالمكونة منها والأعراق المختلفة التى تتداخل فى دماء أناسها وتعود إلى جذور بشرية ذات صفات وراثية معينة. وقد أدهشنى ما جاء فى التقرير من اعتبار اليهود «عرق»، حيث ذكر أن شعب مصر مثلاَ: 4% من دمائه تنتمى إلى اليهودية، 12% من اللبنانيين، و2% من الشعب البريطانى، وكلهم تحمل خارطتهم الجينية عناصر يهودية؟ وسبب الاستغراب هو أن الكلام غير علمى على الإطلاق، فكما أن المسيحية والإسلام، وباقى الديانات الأرضية ليست أعراقاَ، فكذلك اليهودية .. مجرد ديانة.. أتت فى الزمان القديم إلى منطقة الشرق الأوسط التى نعيش بها، اعتنقها عدد من الناس ينتمون لشعوب نفس تلك المنطقة، ثم يذكر التاريخ أنهم تشتتوا وتفرقوا أيضاً داخل نفس المنطقة بل وفى كل أصقاع الدنيا.. أى أنهم أساساً عرب إذا جاز التعبير.. ثم جاءت المسيحية فاتبعها بعضهم، ثم جاء الإسلام فيما بعد فاعتنقها معظمهم.
والتاريخ الإسلامى يذخر بعلماء وفقهاء مسلمين من أصول يهودية، بل إن الإسرائيليات التى أقحمت فى كتب الحديث، وضعها من ادعوا اعتناقهم الإسلام من أحبار اليهود كنوع من الانتقام من المسلمين ودينهم ودولتهم، وأكم من أحاديث وُضعت، إذا ما بحثنا وجدناها طبق الأصل شبيهة بتعاليم اليهودية و»الجمارا» التى كتبها أحبارهم بأيديهم مدعيّن بأنها تعاليم «يهوه»؟!
تزييف الوعى الشعبى كتب كثيرة بحثت الموضوع علمياً وتاريخياً ونفت أسطورة ما يسمي- زوراَ- ب (العرق اليهودي)، ولا تعنينى هنا محاولة التلفيق والتزوير وخداع الشعوب، ففى المبدأ والمنتهى الحق واضح بيّن، والعلم.. بنظرياته ونتائجه الملموسة المبنية على التجربة والاستنتاج .. لا يقبل التزييف، أما الوعى الشعبى فهو ما تم تزييفه بالفعل أو كاد؟ يجب الإشارة هنا إلى واحد من أهم الكتب التى بحثت الموضوع بشكل علمى وتاريخى موثّق وهو كتاب «اليهود أنثروبولجياَ» للعلامة جمال حمدان والذى يقول فيه إن اليهود المعاصرين ليسوا هم أحفاد إسرائيل كما يدعون، بل ينتمون إلى إمبراطورية الخزر التترية التى قامت بين بحر قزوين والبحر الأسود التى اعتنقت الديانة اليهودية فى القرن الثامن الميلادى وهى إحدى النظريات التى ناقشت عدم وجود صلة بين يهود اليوم، ويهود بنى إسرائيل قديماَ، وهو ما أكده بعد ذلك الكاتب «أرثر كويستلر» مؤلف كتاب « القبيلة الثالثة عشر» الصادر عام 1976م.
تفنيد الأكاذيب وقد فند العلامة جمال حمدان أكاذيب الدعاية الصهيونية العالمية، وأثبت أن 95 % من يهود العالم اليوم لا يمتون بصلة ليهود العهد القديم، إذ يقول إنه حينما وصل اليهود فلسطين قديماَ وجدوها مسكونة بالكنعانيين، فدخل الطرفان فى حرب انتهت بسيطرة العبرانيين على التلال والأراضى المنخفضة الفقيرة الداخلية، فى حين ظلت السهول الغنية فى حكم الكنعانيين. وبعد 150 عاماَ يهاجر» إسرائيل» وأولاده إلى مصر بسبب القحط، حيث استقروا بأرض جاشان (وادى الطميلات والشرقية ) لنحو 350 عاماَ إلى حين خروجهم مع نبى الله موسى نحو 1300ق.م بسبب تحالفهم مع الهكسوس غزاة مصر وأعدائها. وفى سيناء، عاقبهم الله بالتيه 40 عاماَ حتى قادهم «يشوع «إلى نهر الأردن، حيث انتزعوا بعضاَ من أرض كنعان الداخلية، وفى عام 1000 ق. م تأسست دولة إسرائيل على يد نبى الله داوود لكنها انقسمت بعد سليمان ابنه إلى مملكتين متحاربتين: يهوذا جنوباً، وإسرائيل شمالاً، حيث تعادتا واستمرت حروبهما حتى قضى «سرجون الآشوري» على الدولة الشمالية عام 721ق.م، وقضى «نبوخذ نصر» على الدولة الجنوبية فى 586ق.م. واستطرد جمال حمدان فى كتابه : تعرض اليهود لحوالى ثلاث أو أربع مراحل شتات، أولها.. مع «سرجون الآشوري» الذى نقل كثيراً من يهود السامرة إلى بابل، ثم» نبوخذ نصر» الذى نقل أغلبهم أيضاً إلى بابل، وبعد نصف القرن سمح الفرس لهم بالعودة فعادت منهم قلة قليلة تقدر ب 50 ألفاً، أما أغلبهم فبقوا فى العراق وانتشروا فى فارس وبخارى وسمرقند والهند والصين. أما يهود الجزيرة، فهم عرب تحولوا لليهودية واختاروها كديانة وكذلك الحال بالنسبة ليهود اليمن الذين تحول عدد كبير منهم إليها .
الشتات الثاني أما الشتات الثاني، فهو «الشتات الهلليني» الذى بدأ مع فتوحات الإسكندر واستمر مع السلوقيين والبطالسة ثم البيزنطيين، حيث انتشر اليهود فى كل أنحاء العالم الهللينستى والبيزنطى وفى الإسكندرية إذ شكلوا ثلث السكان. وباستثناء مصر، تركزوا فى مركزين :البلقان، وسواحل البحر الأسود، وقد أرسل اليهود البلقانيين عناصر منهم إلى روسيا. فيما لعب التتار دوراً مهماً فى تاريخ اليهود، حيث تحولت دولة الخرز التترية إلى اليهودية فى حوالى القرن الثامن الميلادي.
الشتات الثالث فيما كان الشتات الثالث هو «الشتات الروماني»، فقد خرب الرومان أورشليم فى مذبحة عام 70م، وعندما عاد اليهود للثورة عام 135م قضى الرومان على نسلهم بمذبحة أخيرة قطعت كل علاقة بينهم وبين نسل إسرائيل، وبفلسطين كدولة أو قومية. وتم نفى من تبقى إلى سائر أنحاء الإمبراطورية وكان عددهم حوالى ال 40 ألفاَ فقط . وفى القرن الخامس الميلادي، وصل عددهم بين ال ( 4 – 7) ملايين، أى أنهم تضاعفوا ما بين ( 100 – 180) مرة، وتلك الزيادة لا تعنى إلا أنهم قد تضاعفوا عن طريق التحول والتبشير. ومن ناحية أخرى، بدأ شتات اليهود الحديث (الرابع) مع اكتشاف الأمريكتين إذ صارت أمريكا أكبر تجمع لليهود فى العالم، ثم جاء الاضطهاد النازى ليتوجه المزيد منهم لأمريكاولفلسطين .
الطوائف اليهودية هناك ثلاث طوائف لليهود هي: الأشكناز، والسفارديم، واليهود الشرقيين.. والأشكناز والسفاردى هما كلمتان توراتيتان استعارتهما يهودية العصور الوسطى للتفريق بين يهود ألمانيا، ويهود إسبانيا، حيث يعتقد يهود ألمانيا أنهم أحفاد بنيامين، بينما يدعى السفارديم أنهم أرستقراطية اليهود. لكن الغلبة العددية وتفوق الأشكناز حضارياً، جعلهم موضع نظرة فوقية واحتقار من الأشكناز الذين ينتشرون اليوم فى غرب ووسط وشرق أوروبا وفى العالم الجديد وجنوب إفريقيا وأستراليا. فى حين يمثل السفارديم، يهود البلقان والشرق الأدنى وبعض المستعمرات على شواطئ البحر المتوسط والعالم الجديد. أما اليهود الشرقيين، فهم مجموعة مستقلة تستمد أصولها من فلسطين، وهم الأقرب ليهود العهد القديم برغم أنهم الأقل عدداً ومرتبة بين الطوائف ويتعامل معهم كل من الأشكناز والسفارديم بتعال وازدراء.
دعاية كاذبة بعد تلك النبذة التاريخية عن أصول اليهود وشتاتهم وتزاوجهم من الأمم الأخرى واعتناق قوميات كاملة لا تمت ليهود العهد القديم للديانة اليهودية، يدحض العلامة جمال حمدان فى كتابه دعايات وادعاءات الصهيونية العالمية، مستشهداً بأقوال علماء يهود مثل «هوتون «الذى يقرر أن بنى قومه من يهود اليوم مختلطو الدماء والأجناس ومن أصول طبيعية متنوعة، أى بمعنى آخر لا يمتون ليهود العهد القديم بصلة تُذكر.
اليهود الآريون تخلط يهود العهد القديم مع السكان الأصليين من الفلسطينيين فى عصور النزح الأولى أو فيما يليها من سنوات استقرارهم، وخلال تاريخ اليهود دخلت أعداد كبيرة إلى اليهودية، كما خرجت أيضاً أعداد غير قليلة منها، ويقرر جمال حمدان أمراً خطيرا هو أن اليهود آريون أكثر منهم ساميون، أوهم «أوروبيون تهودوا».. وليسوا «يهوداً تأوربوا». كما يؤكد أننا لا نستطيع أن نستبعد بعض اليهود من الأصول القديمة ولكنهم نسبة فى غاية الضآلة، وقد توصل عالم بريطانى إلى نتيجة مفادها أن 95 % من يهود العالم لا يمتون بصلة ل «يهود التوراة».
العلمانية الخطرة ومن جانب آخر، تنبأ جمال حمدان بتناقص يهود أمريكا لتسارع العالم نحو تمازج أجناسه ونظمه إلى الاتجاه العلمانى والليبرالية، وبالتالى فسوف يذوب اليهود أكثر وسط شعوب العالم نتيجة التزاوج. كما تحول الكثير منهم إلى ديانات أخرى، علماً بأن أغلب يهود إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية هم من اللا دينيين أو الملاحدة، لذا يستغل الصهاينة نغمة الاضطهاد لإبقاء عزلتهم عن باقى شعوب العالم وابتزاز الدول واستدرار التعاطف لهم ولكيانهم المغتَصِب، ولإبقاء ستار حديدى حول قوميتهم المصطنعة يقيهم هذا الطوفان العالمى الجديد، المكون من تمازج واندماج الحضارات البشرية واختلاط دماء وثقافات شعوبها.
دق الناقوس وقد أصابنى الرعب والهلع عند نقاشى مع أصدقاء مصريين لاعتقادهم بأن الأجناس المختلفة - الشقراء والسوداء والحمراء وغيرها - التى أتت من كل أنحاء الأرض واحتلت وطناً (فلسطين) ليس لها، هم شعب الله المختار، وأنهم أحفاد بنى إسرائيل، وأن الكتاب المقدس والعهد القديم قد ذكرا ذلك صراحة، لذا يجب علينا الإيمان المطلق بذلك، والسكوت عن الاحتلال واغتصاب حقوق وأرض شعب سكن المنطقة منذ آلاف السنين؟! ويقولون إنه حتى إن غلبت على دمائهم عناصر غير يهودية نتيجة اختلاطهم بشعوب أخري، فمازال هناك نسبة ولو ضئيلة من مكوناتهم الجينية تنتمى إلى يهود التوراة؟! وهنا أذكرهم بتقرير «ناشيونال جيوغرافيك» المضحك بأننا كمصريين تحتوى دماؤنا على 4 % من العنصر اليهودي، وإخواننا اللبنانيين على %12، أى أننا الأولى بأرض الميعاد من الآتين من كل بقاع الأرض ولا صلة حقيقية لهم بيهود التوراة . ثم يتجه النقاش بنا إلى أننا كمصريين قبلنا» الاحتلال العربي»- على حد وصف البعض- بينما لسنا بعرب، فلم لا نقبل بالاحتلال الصهيونى إذن؟ وما الفرق؟ وهنا أقول: على افتراض أننا لسنا بعرب، لكننا تزاوجنا وانصهرنا واعتنقنا ديانة ( المحتل !!)، ولن نستطيع إعادة عقارب الزمن للوراء، فقد صارت الشعوب كلها أهل وصارت الأوطان وطناً عربياً موحداً بكل أجناسه وأديانه. وحتى إن اختلفنا فى إطلاق لفظ (عربي) على كل تلك الشعوب، فلن نختلف فى تلك الحقيقة المؤكدة، وكما انصهرت ألمانيا النازية أوروبياً برغم جرائمها التاريخية وتقبلها المجتمع الأوروبى راضياً لخدمة هدف أسمي، وهو التطور والعمران ومصلحة الشعوب الأوروبية قبل أى شىء، فعلينا أن نتقبل هذا (المحتل العربي؟!) الذى تزاوجنا معه واختلطت دماؤنا بدمائه ولغتنا بلغته وديننا بدينه، والواعى لدروس التاريخ يدرك تماماً أن الوحدة قوة.
كيان خبيث أما ذاك الكيان الصهيونى الخبيث فهو من اغتصب - وما زال يغتصب - وطناً ليس له وبرز كورم سرطانى فى محيط عربى كبير لا ليتوحد معه، بل ليشتته ويتسلط عليه ويتسيّد على شعوبه بزعم تفوق جنسه على باقى أجناس الأرض، وأراد أن يمحو الهوية الأصلية لشعب فلسطين بإعطائهم جنسيته لينسوا أصولهم وحقوقهم ولينسلخوا عن عروبتهم، وهو مستمر فى غيه وعدوانه كل يوم، فكيف تؤيدون مجرمى الحرب قتلة الأطفال بحجة أن لديهم ديمقراطية وعدالة؟ ومنذ متى كان القاتل عادلاَ وديمقراطياَ؟ وإذا كنتم تريدون برهاناً علمياً أنهم ليسوا بشعب الله المختار برغم كل الدراسات والأبحاث التاريخية، فهذه دعوة منى لجميع الهيئات البحثية العلمية بوضع جينات (شعب الصهاينة المختار) تحت الدراسة وعمل خارطة جينية لهم. وأنا متأكدة بأن النتيجة سوف تذهلكم تماماً، هذا إن افترضنا موافقة الحكومة الإسرائيلية على إجراء مثل هذه الأبحاث، وعلى افتراض نزاهة الباحثين كذلك وعدم خضوعهم لضغط صهيونى لشراء نتائج أبحاثهم. وأنا متأكدة بأن دماءهم لن تحمل أى جينات يهودية إذا كان لليهودية جينات من الأساس كما يدّعون... مصيبة كبيرة حقاً إن كانت تلك معتقدات البعض، وإن دلّ ذلك فإنما يدل على ضعف التوعية الوطنية والسياسية القومية.