سمير عطية: صلاح الدين أغلق 4 أبواب وترك 10 للمصليين د. محمد أبو نحل : الأقصى خط أحمر لدى مليارى مسلم
د.زاهى يونس: التهويد..الحرائق.. الحفريات أخطر الجرائم الإسرائيلية ضد القدس
د. ماهر الزنط: المسجد يضم 200 معلم إسلامى أشهرها قبة الصخرة
يبوس، أور سالم، مدينة داود، يوروشاليم، إيلياء، كلها أسماء عرفت بها القدس على مر العصور، فهى من أقدم مدن الأرض، كانت مميزة دائماً، ومحببة للقلوب غالباً، ومقصداً وهدفاً للباحثين عن الرزق والعمل والعبادة طوال تاريخها. غير أنها لم تحتوى على بقعة أطهر ولا أكثر دلالة على قدسيتها من المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين، الذى عرفه الكثيرون بهذه التعاريف، غير أن جزءا كبيرا منهم لا يزال يجهل أهمية هذا المكان بالتحديد، الذى كان طوال تاريخه مثاراً للتنازع والقتال، وبات اليوم قبلة للسائحين والشغوفين بمعرفة تاريخ المدينة المقدسة، كما يعرفها أتباع الديانات الثلاث. القدس كما يعرفها التاريخ، بمهد الرسالات، وممر الأنبياء، وموطن الكرامات، إليها هاجر إبراهيم وموسى، ومنها خرج عيسى ويحيي، وفيها حكم داوود وسليمان، ومنها عرج بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى. عليها تصارع الغزاة، وتوجهت إليها أنظار الطامعين من كل الشعوب، وتعاقب على حكمها الملوك والأمراء، وتعرضت لاحتلالات طويلة كانت آخرها الاحتلال الإسرائيلى للمدينة عام 1967، وفرض سيطرته عليها، ومحاولاته الفاشلة فى تهويدها وفرض رؤيته الاستيطانية فيها. وفيما يظن البعض أن الصورة المتداولة بقوة فى كل مكان لقبة صفراء اللون، على أنها المسجد الأقصى، والحقيقة أن هذا واحد من المساجد التى تقع داخل إطار الحرم القدسى ويعرف باسم مسجد قبة الصخرة، لكن البعض يخلط بينه وبين المسجد الأقصى الذى يشمل كامل المساحة البالغة 144 ألف متر مربع، وهو على شكل مضلع غير منتظم، طول ضلعه الغربى 491م، والشرقى 462م، والشمالى 310م، والجنوبى 281م، بما تحتويه من مجموعة من الأبنية والقباب والمحاريب والمساطب والسبل والآبار من أشهرها الجامع القبلي. الذى يقع فى الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة المعروفة بالسور المحيط بها من كل الاتجاهات، حيث يشكل المسجد ما مساحته سدس المدينة القديمة، كما باتت تعرف، تذكر المراجع التاريخية أن تاريخ بناء المسجد الأقصى يعود إلى سيدنا آدم، الذى بناه بعد أن أرسى قواعد البيت الحرام فى مكة بأربعين عاما، بأمر من الله تعالى، وهذا ما يكون أساس وجوده كمكان للعبادة قبل أن يكون كنيسا أو كنيسة أو هيكلا أو معبدا. وبعد هجرة إبراهيم إلى الأراضى المقدسة قادما من العراق عام 1800 قبل الميلاد، وبعد أن وضع هو الآخر أساسات الكعبة المشرفة، ترك لأولاده إسحاق ومن بعده يعقوب مهمة تعمير المسجد الأقصى، ليعود سليمان عليه السلام ويعيد بناءه عام 1000 قبل الميلاد. كان هذا تاريخ المسجد قبل الفتح الإسلامى عام 636 ميلادية ( 15 هجرية)، حيث بنى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب المسجد القبلي، وهو الجامع المبنى فى صدر المسجد جهة القبلة، ومن هنا جاءت تسميته ب”القبلي”، كجزء من المسجد الأقصى، فيما تولت الدولة الأموية بخلفائها المتعاقبين مسئولية تجديد الحرم القدسى بالكامل والذى استمر لأكثر من ثلاثين عاما، من عام 66 هجرية/ 685 ميلادية، وحتى 96 هجرية/ 715 ميلادية، وتأسيس وبناء مسجد قبة الصخرة الذى بدأ بناءه الخليفة عبد الملك بن مروان، وأتمه الخليفة الوليد بن عبد الملك، الذى أصبح بعد ذلك معلما هندسيا رائعا يعبر عن فن العمارة الإسلامية. التسمية الأولى وعن أسماء المسجد الواقع بمدينة القدس، يقول الدكتور ماهر الزنط أستاذ أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة يقول: “مسجد بيت المقدس هو الاسم الأول الذى عرف به، غير أن تسمية المسجد الأقصى التى وردت بالقرآن، وكان مقصودا به بعده عن المسجد الحرام هى التى طغت وبات يعرف بها بشكل أكبر، ويتكون المسجد الأقصى من عدة أبنية ويحتوى على عدة معالم، يصل عددها إلى 200 معلم منها مساجد وقباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار وغيرها، أهمها المسجد القبلى ومسجد قبة الصخرة، بالإضافة إلى جامع عمر نسبة إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وقد أقيم هذا المسجد فى المكان الذى صلى فيه، عندما زار كنيسة القيامة ورفض أن يصلى فيها خوفاً من أن يطالب بها المسلمون.” ومن المعالم الأخرى داخل الحرم محراب زكريا، وإلى الشمال منها إيوان كبير معقود، وآخر يسمى محراب زكريا، بجوار الباب الشرقي، ومسجد النساء أقامه صلاح الدين الأيوبي، بالقرب من المسجد الأقصى، على امتداد جداره الغربي، جامع المغاربة يقع بالقرب من باب المغاربة، على امتداد سور المسجد الأقصى، كما أن هناك مربط البراق، والمعروف أيضا بحائط البراق، وهو حائط الحرم الغربي. من جانبه يوضح الباحث فى شئون الآثار الإسلامية سمير عطية، موقع المسجد الأقصى داخل المدينة المقدسة قائلا: “ يقع المسجد الأقصى فوق هضبة صغيرة تسمى هضبة موريا، وتعتبر الصخرة المشرفة هى أعلى نقطة فى المسجد، وللمسجد الأقصى أربعة عشر باباً منها ما تم إغلاقه بعد أن حرر صلاح الدين الأيوبى القدس، وما بقى مفتوحا هو عشرة أبواب، تؤدى إلى ساحة الحرم القدسى الشريف، سبعة منها جهة الشمال، وباب من الشرق وآخر فى الغرب، والباب الأخير فى جامع النساء”. ويتابع وصفه بالقول: “للمسجد أربع مآذن هى مئذنة باب المغاربة الواقعة الجنوب الغربي، مئذنة باب السلسلة الواقعة فى الجهة الغربية قرب باب السلسلة، مئذنة باب الغوانمة الواقعة فى الشمال الغربي، ومئذنة باب الأسباط الواقعة فى الجهة الشمالية.” مضيفا أن الحرم القدسى المحيط بالمسجد فله أيضا عدة أبواب، هي: باب المغاربة، باب السلسلة، باب الحديد، باب علاء الدين البصيري، باب الغوانمة، باب الملك فيصل، باب حطة، باب الرحمة.
الأهمية الدينية لقدسية المسجد الأقصى ارتباط بأصل العقيدة لدى المسلمين الذين بقوا لفترة ليست بالقصيرة يتجهون إلى المسجد الأقصى كقبلة لهم، فهو يعتبر قبلة الأنبياء جميعاً قبل النبى محمد صلى الله عليه وسلم، حتى السنة الثانية للهجرة، إلى أن حول الله القبلة بأمره إلى المسجد الحرام بمكة. وحول هذا يقول أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر محمود أبو نحل: “تعمقت هذه الدلالة الدينية بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج، حيث أسرى بالنبى الكريم من بيته بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، وهناك التقى جميع الأنبياء وصلى بهم إماما، ومن ثم عرج به إلى سدرة السموات السبع وصل إلى سدرة المنتهى، حيث كانت هذه الحادثة ابرز معجزات النبى محمد. وقال الله فى وصف هذا اليوم فى محكم تنزيله: “ سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”، واصفا جل شأنه المسجد الأقصى ب “الذى باركنا حوله” يدل على بركة المسجد ومكانته عند الله وعند المسلمين. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: “ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدى هذا ( المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى”، كما قال “ من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”. وفى هذا دلالة كبيرة على الأهمية الدينية التى يحظى بها المسجد الأقصى فى الديانة الإسلامية وعمق علاقته بالإسلام وأهميته لدى المسلمين، كما تناقل الرواة عن الرسول الكريم كرامات أخرى لهذه البقعة حين قال: “ الصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة فى مسجدى بألف صلاة، والصلاة فى بيت المقدس بخمسمائة صلاة”.
جرائم إسرائيلية ولا يمكن الحديث عن تاريخ المسجد الأقصى دون الإشارة إلى حريق المسجد الأقصى على يد متطرف يهودى اسمه مايكل دينس روهان، عام 1969، حيث تم حرق الجامع القبلى الذى سقط سقف قسمه الشرقى بالكامل، كما احترق منبر نور الدين زنكى الذى أمر ببنائه قبل تحرير المسجد الأقصى المبارك من الصليبيين، وقام صلاح الدين الأيوبى بوضعه داخل المسجد بعد التحرير. هذا الحريق يأتى فى إطار سلسلة من الإجراءات التى تتخذها الحكومة الإسرائيلية منذ عام 1948 لطمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس، حسب المحلل السياسى الدكتور زاهى يونس، والذى يضيف أن هذه المحاولات لم تتوقف يوما لتغير وجه المدينة الحضارى المحتضن للديانات السماوية الثلاث، فقد قامت بمنع المواطنين العرب من الاقتراب من ساحات الحرم القدسي، فى الوقت الذى كانت النيران تشتعل فيه وفق شهادة الشهود وقتها. وإنه لولا استماتة المسلمين والمسيحيين فى عمليات الإطفاء التى تمت رغماً عن السلطات الإسرائيلية، لأتت النيران على كامل المسجد. هذا بالإضافة إلى ما تمارسه اليوم من حفريات متواصلة أسفل الحرم، منذ عام 1967 وترعاه جماعة أمناء الهيكل فى استماتة منهم لإيجاد أى دليل على وجود الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى تمهيدا لهدمه، غير أن هذه المحاولات جميعا باءت بالفشل حتى يومنا هذا. غير أن يونس لا يتوقع أن تتوقف هذه الإجراءات فى أى وقت, وأن الجانب الإسرائيلى سيواصل عبثه بالطابع الحضارى لمدينة القدس عموماً وللمسجد الأقصى على وجه الخصوص.