أثار الحادث الأليم الذي وقع يوم 18 أغسطس المنصرم في سيناء الذي استشهد علي اثره عدد من أبطال مصر الشجعان المدافعين عن ترابها المقدس برصاص الغدر الإسرائيلي, عددا من التساؤلات القانونية لدي الخاصة والعامة حول الأشكال المتاحة قانونا لجبر اسرائيل لمصر الدولة المضرورة من انتهاكات إسرائيل للسيادة المصرية.. وتكتسب قواعد المسئولية الدولية علي النطاق الدولي اهمية كبري, حيث تعد أهم موضوعات القانون الدولي, وذلك لكونها ترسي احكام الالتزام بقواعد وأعراف القانون الدولي, وتحدد ايضا وسائل جبر الأضرار الناجمة عن انتهاك هذه القواعد والأعراف الدولية, والتي تلحق ضررا بالدول اشخاص القانون الدولي.. ويعد الضرر بموجب قواعد المسئولية الدولية الأذي أو الخسارة التي تصيب الدولة, إما مباشرة من خلال المساس بكرامتها وشرفها وهيبتها الوطنية ورموزها, وإما بصورة غير مباشرة من خلال مايصيب الاشخاص التابعين لها في اشخاصهم او ممتلكاتهم. وتكمن الاهمية القانونية في إقرار مسئولية الدول التي تنتهك التزاما دوليا, وتحديد اشكال الجبر المختلفة لاصلاح الضرر الذي لحق بالدولة المضرورة, في اظهار مدي خطورة الانتهاكات المرتكبة إذاء القانون الدولي وحقوق الشعوب وسيساعد ايضا علي تعريف وتذكير الناس بأن هذه الانتهاكات لايمكن ان تظل تمارس بلا مساءلة وبلا عقاب, كما يعد الجبر الذي تقدمه الدولة المسئولة تكفيرا عن الجرائم المرتكبة والحيلولة دون تكرارها, فضلا عن كونه محفزا لهذه الدول في ان تتخذ في المستقبل التدابير اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم, وأيا ما كانت النتائج القانونية التي ستخلص اليها لجنة التحقيق المشتركة المصرية اسرائيلية بشأن الحادث المشار اليه والذي تنتظرها جموع الشعب المصري العريق, وبعيدا عن الصخب الاعلامي, فإنه من الجلي ان عناصر من جيش الدفاع اسرائيلي, قد انتهكت سيادة الدولة المصرية في صميمها, وأزهقت أرواح فلذات أكبادها, وسببت صدمة معنوية وآلاما نفسية بالغة لسائر المصريين جراء فقدانهم أعزاء لديهم. ومن الجلي ايضا, وبموجب احكام القانون الدولي, ان اسرائيل مسئولة عن سائر الاعمال التي يقترفها الاشخاص الذين يشكلون جزءا من قواتها المسلحة, حيث تعد القوات المسلحة لأي دولة, كيانا تابعا للدولة مثل اي كيان آخر من السلطات التنفيذية, او التشريعية, او القضائية للدولة, والراسخ دوليا ايضا, ان افعال جميع اجهزة الدولة تنسب الي الدولة, سواء كانت هذه الاجهزة عسكرية أو مدنية, ونستطيع ان نجزم ايضا بأن المؤسسة العسكرية في ايه دولة من الدول ماهي اكبر مؤسسات الدولة التي تخضع للتوجيه الفعلي والرقابة المباشرة والفعالة لهذه الدولة ولا تستطيع, اسرائيل باي حال من الاحوال ان تدعي ان جنودها قد اقترفوا الجرم المدعي دون أوامر او خلافا لأوامر القيادة العليا تجاههم. وطالما وقعت الواقعة, وانتهكت السيادة المصرية, فإن قواعد المسئولية الدولية هي التي تستند اليها وبحق الحكومة المصرية, وذلك بالاصالة عن الدولة المصرية بشكل عام, وأسر الشهداء والمصابين من الضحايا بشكل خاص. وتتوسل ايضا في ذات السياق بوسائل الجبر المختلفة التي تنص عليها مثل هذه القواعد. وبالنظر لاستحالة التعويض العيني, الذي يعني اعادة الحال الي ما كان عليه, قبل حصول الانتهاكات التي تمثل في جانبها المادي بازهاق ارواح الشهداء الابطال, تقر قواعد المسئولية الدولية لمصر الحق في التعويض المالي او الترضية باحداها او بالجمع بينهما. فبالنسبة للتعويض المالي, تلتزم اسرائيل بدفع تعويضات عادلة للاسر المكلومة للضحايا المصريين, عما لحقهم من آلام نفسيه ومكابدة شديدة نتيجة الحرمان المفاجيء لمقتل اقاربهم. وبالنسبة للترضية, فقد اقرت قواعد القانون الدولي والممارسات الدولية اشكالا مختلفة من الترضية, مثل الاقرار بالانتهاك, او تعبير عن الأسف, او الاعتذار الرسمي. وإذا كانت إسرائيل قد ابدت اسفها لمقتل الافراد المصريين في الحادث المشار اليه, وصدر ذلك الأسف بموجب قواعد الترضية عن مؤسسات رسمية للدولة, فإن رفض اسرائيل في ذات الوقت تقديم اعتذار رسمي للسلطات المصرية يكشف عن الحقائق القانونية التالية: أولا: رفض اسرائيل الاقرار بالمسئولية الدولية عن الانتهاك الذي اقترفته مؤسسة الدولة العسكرية. ثانيا: رفض إسرائيل تحمل الآثار القانونية للاقرار بالمسئولية المشار اليها. ثالثا: فقدان المصداقية القانونية لاسرائيل تجاه الجماعة الدولية, والتي استمرأت انتزاع الاعتذارات من المانيا وعديد من الدول الاوروبية الاخري عن الهولوكست في أثناء الحرب العالمية الثانية, ومن اسبانيا عن قانون الطرد الاسباني لليهود عام.1492 رابعا: تغافل اسرائيل عن انها ترتبط مع مصر بمعاهدة سلام ذات مركز قانوني خاص يتفرد عن سائر المعاهدات الدولية الاخري, وبما يستتبعه ذلك المركز من اثار قانونية مميزة تستوجب الاتيان بأفعال وممارسات تتسق مع طبيعة هذه المعاهدة والهدف منها. وختاما, نشير الي ان الاتفاق بين مصر واسرائيل, هو الذي سيحكم المطالبات المصرية, والوفاء الاسرائيلي بهذه المطالبات, كما سيحكم ايضا ماهية الوسائل الاخري التي يمكن التوسل بها واللجوء اليها في حال اخفاق مثل ذلك الاتفاق الثنائي المباشر بين الدولتين.