نجحت حاشية جمال مبارك في تجنيد الكثيرين من الرموز الثقافية والاقتصادية والإعلامية ورجال المال والأعمال وأساتذة الجامعات, وقد وظف كل هؤلاء وللأسف مهاراتهم وقدراتهم لتمرير مشروع التوريث, وهم في سبيل ذلك لم يراعوا قيم الأمانة والمعايير المهنية فيما يروجون له من مشروع لو تحقق لكانت الطامة الكبري علي مصر والمصريين, الأدهي انهم تعاونوا مع الأجهزة الأمنية لتحقيق مأربهم الأول وذلك من خلال صفقات مشينة تضمن لهم الوصول وبسرعة الصاروخ إلي مناصب لا يستحقونها, ولم يكن الأمر يتطلب قدرا كبيرا من الذكاء لدي هؤلاء ليدركوا أن هناك منصتين أساسيتين في مصر لاطلاق الصواريخ صوب المناصب العليا, وهاتان المنصتان هما لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك والمجلس القومي للمرأة برئاسة سوزان مبارك. ولعل قمة التراجيديا أن هؤلاء قد وظفوا قدراتهم من خلال ترزية القوانين قبل ثورة25يناير فادخلوا34 تعديلا دستوريا لتذليل العقبات السياسية أمام جمال مبارك لوراثة حكم مصر, أما بعد الثورة فقد شارك بعض هؤلاء في التخطيط لموقعة الجمل الشهيرة التي تم فيها استئجار مئات البلطجية للاعتداء علي المتظاهرين السلميين بميدان التحرير بغرض فض التظاهرات واجهاض الثورة, وهو ما أدي إلي استشهاد العشرات وإصابة المئات من ثوار يناير الأبطال. ولعل ثالثة الأثافي في هذه التراجيديا توجيه الاتهام لأستاذ قانون وآخرين من حملة الدكتوراه في الاشتراك للإعداد لهذه العملية الاجرامية فلماذا فسد هؤلاء؟ ولماذا أفسدوا علي هذا النحو؟ في دراسة تحليلية مهمة بعنوان( لماذا يفسدون؟) أعدها الدكتور أحمد صقر عاشور أستاذ الإدارة بجامعة الإسكندرية والخبير لدي الأممالمتحدة في الحوكمة ومحاربة الفساد نقرأ الإجاية العلمية عن هذا السؤال ومفادها ان هناك خصائص سيكولوجية لكبار الفاسدين هي: الجشع والطمع والزعامة والجاذبية الشخصية. والاستعلاء والتكبر والطمع المفرط. والتسلط والسيطرة وضعف النزاهة ووازع الضمير. والنفاق والانغماس في المتع والملذات وضعف القدرة علي مقاومة المغريات والخداع والتبجح وأخذ المخاطرة. وقد انتهت الدراسة إلي نتيجة مهمة مؤداها أن التعامل الوقائي مع ظاهرة الفساد يستوجب مراجعة الكثير من القوانين واللوائح والأنظمة المؤسسية لسد الثغرات التي تسمح بالفساد, لكن التعامل مع فساد المواقع العليا والقيادة يتطلب عناصر اضافية في معايير اختيار ومتابعة عمل شاغلي هذه المواقع. وحسنا ما أعلنه مجلس الوزراء أخيرا عن التزامه بانشاء هيئة وطنية للنزاهة ومكافحة الفساد تتولي التعامل مع كل قضايا الفساد علي شتي المستويات, ونري في هذا السياق أهمية ان يكون لهذه الهيئة فروع في كل مؤسسات الدولة لرصد الفساد وتتبعه حتي يمكن اجتثاثه وهو في المهد حتي لا ينمو ويستفحل ويتحول إلي سرطان. ويا حبذا لو ضمت الهيئة الوطنية المقترحة وكذا فروعها ممثلين للمجتمع المدني لرموز مشهود لهم بالنزاهة والطهارة. نزعم ان مثل هذا الإجراء الوقائي سوف يساعد علي التصدي للفساد والحيلولة دون استشرائه علي كل المستويات وهو ما عانت منه مصر في العهد البائد لحكم مبارك. د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندري