ما تتعرض له شركة الحديد والصلب في حلوان من تحديات يفوق الخيال.. ويتجاوز حدود العقل, والمنطق! لماذا كل هذا الصمت علي ما تتعرض له الشركة من مشكلات؟ ولماذا هذا التخاذل في إنقاذها ؟ لماذا كل هذه السلبية في التصدي للإغراق؟ ثم لماذا لم يتحرك أحد لإنقاذ هذه القلعة الوطنية من الخطر الذي أصبح قريبا جدا منها لدرجة تهدد بانهيارها, وربما تصفيتها, ومن ثم تشريد كل العاملين فيها, مع أن الحلول سهلة وبسيطة, وممكنة! التساؤلات كثيرة.. والصمت سيد الموقف! فبرغم الحماس الذي يغمر العاملين في شركة الحديد والصلب في حلوان, والأمل الذي يبدو واضحا علي وجوههم, والأمل الذي يفجر لديهم طاقات العمل, إلا أن الجميع داخل الشركة يتوقعون المصير المحتوم الذي ينتظر هذه القلعة الصناعية العملاقة, وهو الانهيار, بسبب التحديات التي تحاصرها من كل جانب, بدءا بإغراق الأسواق المصرية بمنتجات مستوردة مماثلة- من حيث الشكل فقط- لتلك التي تنتجها الشركة, ومرورا بارتفاع أسعار الطاقة, وانتهاء بتضاعف نولون شحن الحديد الخام من منجم الواحات البحرية إلي مقر الشركة في التبين! في ظروف كهذه, كان طبيعيا أن تستمر حالة التراجع, وينخفض الإنتاج بنسبة50%, وتتراجع معه معدلات التصدير, وأن تصل خسائر الشركة في سنوات سابقة إلي نصف مليار جنيه, وأن تتراكم الديون البنكية عليها, حتي وصلت إلي6 مليارات جنيه, بينما كانت فوائد القروض تصل إلي نصف مليار جنيه, وبجهود مخلصة تم سداد نصف مديونيات البنوك نقدا, والباقي من خلال جدولة للدين تم الاتفاق عليها, كماتم سداد مديونيات المصنع من رسوم كهرباء, ومياه, وضرائب كانت متراكمة منذ عام1996, وبدأ المصنع في الإنتاج, وتحقيق أرباح, حتي بدأ التراجع اعتبارا من عام2008-2009, فانخفض الإنتاج بنسبة كبيرة, وتراجعت الأرباح, وتردت معدلات التصدير للخارج, ولاشك أن فرض رسوم حماية علي المنتجات المستوردة سوف يسهم بقدر كبير في حل مشكلة شركة الحديد والصلب في حلوان. وعلي ذلك, فإن تعرض المصنع لأي صورة من صور التعثر- لا قدر الله- يعني توقف الكثير من الشركات المعتمدة عليه, وتشريد أكثر من13500 عامل, وموظف, وضرب الصناعة الوطنية للصلب والحديد في مقتل. الآن, يشهد المصنع حالة من الانهيار- بقصد أو بدون- لا فرق.. فقد أصبح مهددا بالتصفية, حيث تراجع الإنتاج إلي الثلث.. والبقية تأتي!! بيان عاجل يضع الحلول في ظل حالة التردي التي أصابت الشركة, تقدم النائب علي فتح الباب عضو مجلس الشعب, وهو أحد أبناء الشركة, ببيان عاجل إلي وزراء الاستثمار, والتجارة والصناعة, والقوي العاملة والهجرة, يتحدث فيه عن خسائر فادحة تتعرض لها الشركة نتيجة الإغراق, فتحولت صناعة الحديد والصلب الوطنية, إلي تجارة وشطارة. وقد استهل النائب علي فتح الباب بيانه العاجل, بالحديث عن الشركة التي يعمل بها نحو13500 عامل, وكانت تنتج ما يزيد علي مليون طن حديد وصلب سنويا, وبسبب الإغراق توقف نصف أفران الشركة عن العمل. مكافحة الإغراق.. مطلب عاجل ولأنه واحد من أبناء الشركة, فهو أقدر علي تشخيص مشكلات, ورصد التحديات التي تواجهها, وقد فعل, ووضع يديه علي كل المشكلات في بيانه العاجل, ومنها الحجم الهائل من الواردات من منتجات الحديد والصلب خاصة اللفائف, والكمرات, والزوايا, والألواح, وغيرها من المنتجات المستوردة بأسعار تهدد استمرار الصناعة الوطنية, بسبب إغراق الأسواق المحلية بالمنتجات المستوردة, الأمر الذي يضرب الصناعة الوطنية في الصميم, ويزيد من عجز الميزان التجاري لزيادة الواردات, كذلك فقدان العديد من الأسواق الخارجية, وتراجع فرص تصدير المنتجات المصرية للخارج. هكذا كان الإغراق, هو السبب الرئيسي في تهديد صناعة الصلب الوطنية, فضلا عن الضرر الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة( الكهرباء, والغاز الطبيعي, وفحم الكوك, وكذلك ارتفاع أسعار الخامات المساعدة مثل الفيروسليكون, والفيرو منجنيز, والالومنيوم, والقصدير, والفيروكروم, والنيكل, فضلا عن ارتفاع نولون نقل خام الحديد من الواحات البحرية إلي مقر الشركة في التبين بنسبة100% تقريبا. ولم يمض استجواب النائب علي فتح الباب, دون أن يحدد الحلول,- والتي تشمل في رأيه- ضرورة تدخل الحكومة لفرض رسوم علي الواردات من الحديد والصلب, مع استثناء حديد التسليح من هذه الرسوم بشرط استيراد الحديد للسوق المحلية بحصص محددة تلبي احتياجات المواطنين بالسعر المناسب من جانب, وتحافظ علي الصناعة الوطنية من جانب آخر, وإعادة النظر في أسعار الطاقة المستخدمة في عمليات الإنتاج, خاصة الكهرباء والغاز الطبيعي, وكذلك تخفيض سعر نولون شحن الخام من الواحات إلي المصنع في التبين. ولم يقصر الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في أداء واجبه_ هكذا قال النائب علي فتح الباب- فقد أحال البيان العاجل إلي3 لجان في المجلس هي اللجنة الاقتصادية, ولجنة الخطة والموازنة, ولجنة القوي العاملة, ولم يدرج البيان العاجل حتي الآن في جدول أعمال هذه اللجان.. لا اعرف لماذا؟.. مع أن هذه ليست المرة الأولي التي أتقدم فيها بهذا البيان, فقد سبق أن تقدمت به العام الماضي, لكنه لم يناقش!! صراع من أجل البقاء الدكتور مهندس عمر عبد الهادي رئيس مجلس إدارة شركة الحديد والصلب بحلوان, والعضو المنتدب, والذي تولي المسئولية منذ شهر أو يزيد قليلا, جاء إلي المنصب في ظروف صعبة, فهو يصارع من اجل بقاء الشركة, واستمرارها علي قيد الحياة, لاسيما أنه أفني سنوات عمره فيها, وحصل علي الدكتوراه من هندسة القاهرة في صناعة الصلب, ولذلك عندما تحدثنا إليه بدأ يسترجع من ذاكرته أرباح المصنع التي بلغت23 مليون جنيه في عام2005-2006, ثم زادت في عام2006-2007 إلي183 مليون جنيه, ووصلت في عام2007-2008 إلي355 مليون جنيه, لكنها تراجعت إلي177 مليونا في عام2008-2009, ومن المتوقع أن يشهد المصنع المزيد من التدهور, وربما تنقلب الأرباح إلي خسائر, ما دامت عمليات الإغراق مستمرة, وما دامت أسعار الطاقة كما هي. والذي يحدث الآن, أنه تم فتح باب الاستيراد علي مصراعيه, فتحول المصنعون إلي تجار, واتجهت العديد من الدول مثل أوكرانيا, وتركيا لإغراق السوق المصرية بمنتجات من حديد التسليح, واللفائف الباردة والساخنة, وخام البليت المستخدم في تصنيع حديد التسليح, وبالتالي لن يكون هناك مكان للمنتج المصري في ظل منافسة غير عادلة مع المنتجات المستوردة رديئة الصناعة ورخيصة الأسعار, وفوق هذا وذاك مدعومة من دول المنشأ, وبالتالي سوف يكون مصير هذه الصناعة الوطنية إلي زوال! أسعار الطاقة.. عقبة كبري المشكلة الأخري, التي سوف تعجل بانهيار تلك القلعة الصناعية الوطنية, هي مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة, خاصة الكهرباء, حيث رفعت الشركة القابضة للكهرباء الأسعار3 أضعاف ما كانت عليه, كما أن شركة الكوك تقوم بتوريد الفحم لنا بأسعار مرتفعة لارتفاع أسعار شراء الفحم.. والفحم لا غني عنه في تشغيل الأفران العالية, كما أن سعر التلبيد مرتفع, كذلك رفعت السكة الحديد أسعار نولون شحن الخام من منجم الواحات البحرية, حيث كان يجري نقل3 ملايين طن خام بسعر25 جنيها للطن, و كنا نسدد75 مليون جنيه نولون شحن فقط, وتضاعف النولون, لنجد أنفسنا مطالبين بدفع150 مليون جنيه لنقل الخام من منجم الواحات إلي المصنع فقط. سألناه: لماذا لم تبلغ الجهات المسئولة بالمخاطر التي تحيط بالمصنع؟ - يجيب: فعلنا, ولجأنا إلي جهاز لمكافحة الإغراق, وهناك طلبوا تفاصيل, وأرسلناها في يناير الماضي.. لكن عمليات الإغراق لاتزال مستمرة. وما هو مصير العمال إذا استمر التراجع في الإنتاج ؟ - يجيب: لدينا13500 عامل, ونحن سنقوم بصرف مرتباتهم, وحوافزهم, ولا مساس بحقوق العاملين, فهذه الحقوق بالنسبة إلينا خط أحمر, لكن علي الجهات المسئولة مساعدتنا, حتي لا تنهار الشركة. .. وماذا عن الإنتاج؟ د. عمر عبد الهادي: كانت الطاقة التصميمية للإنتاج2,1 مليون طن, لكن في العام الماضي, وخلال منتصف العام الحالي, انخفض الإنتاج بنسبة كبيرة, وهذا الانخفاض لم يحدث بسبب مشاكل في الأفران, ولا في القوي البشرية, ولكن بسبب الإغراق, الذي جعل الإقبال علي منتجاتنا ضعيفا, برغم جودتها العالية, وفي المقابل مصروفاتنا ثابتة, وبالتالي لابد من حل, حتي ننقذ المصنع من خطر يقترب منه يوما بعد يوم. يبقي الحل, في رأي الدكتور عمر عبد الهادي- في وقف الإغراق, والتصدي له بكل الوسائل, وفرض رسوم حماية علي البليت والخامات الأخري الداخلة في صناعة الحديد, ومختلف المنتجات المعتمدة عليه, لإنقاذ صناعة الصلب الوطنية الإستراتيجية من الانهيار, ولدفع عجلة التصدير التي تراجعت بنسبة50%.. ويتحمس لذلك وزير الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين الذي يتفهم خطورة الموقف, ويناقش الحلول مع المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة.. ونحن في الانتظار! أنقذوا صناعة الصلب والصورة كذلك لدي المهندس زكي بسيوني رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية, الذي يطالب بالحفاظ علي هذه الصناعة الوطنية من الانهيار, حيث توقف75% منها عن الإنتاج, بينما تعمل25% من جهات الإنتاج بخسارة جسيمة ستدفعها حتما إلي التوقف, والحل_ في رأيه- يتركز في ضرورة وقف الاستيراد من الخارج, حتي نحمي صناعتنا الوطنية من ناحية, ونتمكن من التصدير إلي الأسواق الخارجية.. وللأمانة فإن الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار يعمل حاليا علي حل هذه المشكلة مع المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة, كما أنه من الضروري فرض رسوم استيراد علي منتجات الألمونيوم الواردة من الخارج, خاصة المنتج الصيني الذي ينطوي علي غش صناعي, كما أنه غير مطابق للمواصفات, ومن الأهمية, أن تتدخل الدولة لتثبيت أسعار الطاقة علي الأقل في المدي الزمني المتوسط لكي تنهض صناعة الحديد والصلب الوطنية من كبوتها الحالية, فخسائر شركة حديد حلوان بلغت نحو320 مليون جنيه خلال الشهور القليلة الماضية. .. انتهت القضية.. وحتي يتم التحرك بشكل عاجل لوقف الإغراق, وتخفيض أسعار الطاقة, ونولون شحن الخام من منجم الواحات البحرية, سوف تبقي الشركة, وعمالها المخلصون في قلب الخطر.