ربما يكون الخطأ هو أبعد تفسير للعمل الاجرامي الذي أقدم عليه الجيش الصهيوني بقتل عدد من العسكريين المصريين قرب حدود مصر مع فلسطين التاريخية لأن هذا العمل جاء في وقت دقيق ليحقق للحكومة الصهيونية برئاسة نيتانياهو مخرجا من أزمتها السياسية في مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية الكبري التي انفجرت وتتبعت خطي الثورات الشعبية العربية في مواجهة النظم الاستبدادية الظالمة علي كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وذلك المخرج تمثل في الدعوة لوحدة الصف الصهيوني في مواجهة الأعداء الخارجين الذين إن لم تجدهم القيادات الصهيونية فإنها توجدهم أو تستفزهم لتحفز نشاطهم لتعيد التحام الكيان الصهيوني في مواجهة الخارج ولتعطل الاحتجاجات علي الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية الداخلية المتردية والمتمثلة في سوء توزيع الدخل وارتفاع الأسعار وبالذات أسعار المساكن بصورة كبيرة وغير مبررة اقتصاديا وتراجع اعتبارات العدالة الاجتماعية والتي أدت كلها ولأول مرة منذ إنشاء الكيان الصهيوني إلي تفجير احتجاجات شعبية كبري شكلت تهديدا حقيقيا ليس لحكومة نيتانياهو فحسب بل للنظام السياسي الصهيوني بأسره والذي نهض علي قاعدة التعبئة ووحدة كل الطبقات متناقضة المصالح في مواجهة الأعداء المتربصين بالكيان الصهيوني. وكان ذلك النظام قادرا دائما علي تحقيق هذه المعادلة في ظل الدور الكبير الذي لعبته الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ إنشاء الكيان الصهيوني وحتي أوائل تسعينيات القرن الماضي في دعم الخدمات العامة وضمان حد أدني من مستوي معيشي لائق وتقريب الفوارق بين الطبقات من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات والضرائب ومجانية الخدمات العامة سواء تم ذلك من خلال الموارد الداخلية أو بالاعتماد علي تيار هائل من المساعدات والتحويلات الخارجية التي قامت تاريخيا بدور حاسم وجوهري في تمويل عملية إنشاء الكيان الصهيوني باغتصاب أرض فلسطين العربية وتدعيمه اقتصاديا وعسكريا حتي الآن, لكن هذا الدور الاقتصادي الاجتماعي للحكومة تراجع بحدة منذ عقدين من الزمن في الكيان الصهيوني ورغم ذلك ظل النظام السياسي الصهيوني يطلب تلاحما داخليا وتغييبا للصراعات الاجتماعية الاقتصادية والتوحد في مواجهة العرب وفي القلب منهم الشعب الفلسطيني في وقت أدت فيه سياساته الاقتصادية الاجتماعية الي تعميق كل التناقضات الاجتماعية بين مختلف الفئات الاجتماعية في الكيان الصهيوني وكان طبيعيا أن تنفجر المعادلة التي لم تعد متوازنة. وعلي الجانب المقابل ظلت النظم الاستبدادية العربية تستخدم الصراع مع الكيان الصهيوني, كمبرر لقمع الحريات السياسية وتأجيل الاستجابة للمطالب الشعبية المتعلقة باحترام حقوق وحريات وكرامة الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية والتحديث والتنوير والشفافية بدعوي أن هذه المطالب يجب تأجيلها للتفرغ لمواجهة ذلك الكيان المعادي وكان هناك دور للدولة في تشغيل قوة العمل وفي تقديم الخدمات الصحية والتعليمية المجانية وفي تحقيق درجة ولو محدودة من العدالة الاجتماعية عبر نظم الأجور والدعم والتحويلات والضرائب مما ساعد علي السيطرة علي الصراعات الاجتماعية الاقتصادية لأوقات طويلة إلا في اللحظات التي كان يتم فيها الاخلال بقوة بهذا الدور للدولة كما حدث في مصر في يناير1977 عندما تم رفع أسعار السلع الأساسية بعد تقليص الدعم عليها مما فجر انتفاضة جماهيرية كبري تم قمعها بوحشية في ظل تواطؤ دولي علي ذلك القمع. وقد تراجع دور الدولة أيضا في البلدان العربية وعلي رأسها مصر سواء في التشغيل مما أفسح المجال لارتفاع معدلات البطالة أو فيما يتعلق بمجانية الخدمات الصحية والتعليمية بما أضر بالفقراء ومحدودي الدخل كثيرا أو بنظم الضرائب التي أصبحت محابية للطبقة العليا, أو بنظام التحويلات والدعم الموجه بصورة أساسية لدعم الرأسمالية وبالذات الشريحة العليا منها من خلال دعم الصادرات ودعم الطاقة الذي يذهب قسم مهم منه إلي الأجانب. وفي الوقت نفسه أبرمت العديد من النظم السياسية العربية الفاشلة اتفاقيات ومعاهدات ذليلة ومختلة مع الكيان الصهيوني, أو أصبح لها علاقات معلنة أو غير معلنة معه وابتعدت عن المواجهة معه بل صارت تعاونه في قمع شعوب عربية أخري كما فعل نظام الديكتاتور المخلوع مبارك بمشاركته في حصار الشعب الفلسطيني ورغم ذلك ظلت النظم تستخدم التحديات الخارجية كصيغة عامة أو التحدي الصهيوني في بعض الحالات كمبرر لغياب الديمقراطية وعدم تداول السلطة وضعف السياسات الاقتصادية الاجتماعية وفي هذا الصدد لا يوجد فارق بين الاستخدام الصهيوني للتحدي الخارجي لمحاصرة الاحتجاجات الاقتصادية الاجتماعية واستخدام النظم السياسية العربية لهذا التحدي لتأميم الحياة السياسية بصورة قمعية. وعلي أي حال فإن المواجهة الحقيقية والفعالة للجريمة الصهيونية في سيناء والتي تعبر عن الطبيعة العدوانية المستمرة للكيان الصهيوني الغاضب تتمثل في العديد من الأمور التي يأتي في مقدمتها استكمال تحقيق أهداف الثورة المصرية الكبري لبناء نظام سياسي اقتصادي اجتماعي ديم قراطي وتنويري ينهض علي أسس الكفاءة والنزاهة والعدل واحترام حقوق وحريات وكرامة الانسان وتبني قواعد راسخة للقوة الاقتصادية الممولة للقوة العسكرية وللتماسك الاجتماعي وللتطور السياسي لأن هذه القوة الشاملة هي التي ستجعل مصر قادرة علي تعديل كل الموازين في المنطقة لمصلحة الحق الذي تنتصر له وفي الأجل القصير لابد من الاصرار علي تحقيق دولي في الجريمة الصهيونية ومعاقبة كل المتورطين فيها وتجميد العلاقات علي كل الأصعدة بما يعني سحب السفير وإيقاف ضخ الغاز المصري للكيان الصهيوني الذي يحصل علي هذا الغاز بأقل من خمس سعره في الأسواق الدولية من خلال صفقة فساد مروعة تؤدي لنهب موارد مصر من الغاز المصري بأبخس الأثمان, ويبدو الأمر مذهلا أن الكيان الصهيوني الذي يبلغ متوسط نصيب الفرد فيه من الدخل أكثر من12.5 ضعف نظيره في مصر يحصل علي الغاز المصري بأقل من خمس سعره وكأن مصر الفقيرة تدعم هذا الكيان الذي نشأ بالاغتصاب ويستمر بالعدوان ولم يثبت يوما أنه غير ذلك. كذلك فإن كل القضايا المتعلقة بالتعويضات الواجبة عن الجريمة التاريخية بقتل الأسري المصريين وعن سرقة موارد سيناء خلال فترة الاحتلال وبالذات استنزاف حقول أبو رديس النفطية واستعادة أم الرشراش التي أقام عليها الكيان الصهيوني ميناء إيلات لابد أن تثار مرة أخري, فالحقوق التاريخية للشعب المصري لن تسقط بالتقادم.. كما أن الأسلحة النووية الابتزازية التي يملكها الكيان الصهيوني لابد من خوض معركة دبلوماسية دولية لوضعها تحت الرقابة الدولية ولإزالة أي أسلحة نووية من المنطقة وقبل وفوق كل هذا يعتبر بناء نظام سياسي اقتصادي اجتماعي ديموقراطي وكفء وعادل ونزيه وتنويري ويستجيب لمطالب الثورة المصرية العظيمة هو السلاح الأعظم لمصر في مواجهة أي تحد خارجي, أما كيفية تحقيق التنمية الشاملة في سيناء لتصبح خط دفاع قويا وجبارا في مواجهة الكيان الصهيوني فهذا موضوع لحديث قادم بإذن الله. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار