شهدت سيناء خلال الفترة الأخيرة تطورات مهمة تمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري, ويتصدر هذه التطورات الاعتداء الإسرائيلي علي الحدود المصرية الذي أدي إلي استشهاد ضابط وأربعة جنود مصريين, وهو ما أثار استياء شعبيا كبيرا وزاد من حدة التوتر علي الحدود المصرية الإسرائيلية خاصة وأن رد الفعل الإسرائيلي حتي الآن لم يرقي إلي حجم الغضب المصري الشعبي والرسمي. ومن هذه التطورات الاستعراض العسكري الذي قامت به خلايا تابعة لتنظيم التكفير والهجرة المتطرف في شوارع العريش, وانتهي بضرب قسم الشرطة وترويع المواطنين, ثم قيام مجموعات مسلحة بمحاصرة ميناء نويبع للإفراج عن متهمين بمحاولة تهريب شحنة مخدرات والمطالبة كذلك بالإفراج عن الشحنة وعدم مصادرتها( كما ذكرت الصحف), وكان آخر هذه التطورات وأخطرها ما ورد علي لسان أحد القيادات السلفية في سيناء الشيخ سليمان أبو أيوب أحد مؤسسي الجماعة السلفية في سيناء والذي تضمن أنهم شكلوا لجانا لفض المنازعات بين أهالي رفح, والشيخ زويد والعريش, من خلال محاكم شرعية يديرها ويحكم فيها مشايخ السلفية, وأشار إلي أن هذه المحاكم سوف تكون بديلا عن المجالس القبلية العرفية وسوف تبدأ عملها خلال أسبوع, وأشار كذلك إلي أنه تم تشكيل لجنة لرد المظالم بعد اختفاء الحكومة حتي لو تطلب ذلك استخدام القوة, وأنهم شكلوا مجموعات تضم ستة آلاف فرد كلهم مسلحون سوف تتولي فرض الأمن داخل المدن, وتضم كل لجنة خمسة أفراد, وهناك لجنة عليا هي لجنة الحكماء تكون بمثابة استئناف يتم الرجوع إليها إذا لم تتوصل اللجنة الأولي لحل المشكلات, وأكد كذلك أن التنظيمات التكفيرية في سيناء خرجت من رحم الجماعة السلفية, كما أضاف أن جماعته تقوم بإمداد قطاع غزة بالغذاء والمتطلبات الحياتية, وأن ذلك لا يعتبر تهريبا أو مخالفة للقانون, وتكشف مجمل هذه التطورات عن عدد من المؤشرات التي من بينها ما يلي: أن هيبة الدولة لا تزال مفتقدة وغائبة في مناطق متعددة في سيناء, وأن جهاز الأمن بقطاعاته المختلفة, لم يسترد مكانته أو وظائفه الضرورية حتي الآن, وأن هناك عناصر داخلية وخارجية تواصل تحركاتها لزعزعة الأمن والاستقرار في سيناء. أن فتح الحدود سواء معبر رفح أو حركة الأنفاق غير الشرعية بين مصر وقطاع غزة, وكذلك الحدود المصرية الإسرائيلية في فترة غياب الشرطة عند قيام الثورة المصرية قد سمح بتسرب الكثير من العناصر من بينها عناصر كانت ملاحقة من أجهزة الأمن, وكذلك عناصر فلسطينية من جيش الإسلام السلفي المتشدد وعناصر من حركة التوحيد والجهاد الموجودة في غزة ولها علاقة بعناصر مصرية في سيناء, وكذلك خلايا محسوبة علي المخابرات الإسرائيلية. أن سيناء تكاد تصبح بابا لتهريب السلاح بسبب احتياجات المقاومة في غزة, وقد دخلت في هذا المجال منظمات وجهات دولية متعددة ولعل ما أثير حول تورط خلية تابعة لحزب الله في هذا المجال تعتبر مؤشرا له دلالته بهذا الخصوص, كما أن هناك حديثا متزايدا حول تهريب سلاح من ليبيا إلي هناك إلي جانب عمليات تهريب السيارات والتي تتم بصورة علنية عبر الأنفاق. أن الاستعراض العسكري وضرب قسم الشرطة في العريش ومحاصرة ميناء نوبيع كان تأكيدا واضحا علي محاولة بعض القوي ذات المصالح السياسية والاقتصادية عرقلة استعادة أجهزة الدولة المصرية المختلفة لوظائفها وفرض الاستقرار والأمن, ومحاولة تأكيد وجودها وفرض هيمنتها علي الأوضاع. أن تشكيل مجموعات عسكرية سلفية لفرض الاستقرار يؤكد أن هناك توجها ونية مبيتة لإقامة سلطة موازية للدولة تحت غطاء قبلي وهو ما سيزيد من حدة الاحتقان بين الدولة وقبائل سيناء عند أي مواجهة لذلك, كما أن إنشاء خلايا عسكرية بمعني تكوين ميليشيا, لن تكون معنية بالأمن كما قيل ولكن تنفيذ مهام تتفق ووجهة نظر القوي التابعة لها, وإذا كانت تلك القوي لديها اتصالات بمنظمات تهريب سلاح أو غيره, فلنا أن نتصور إلي أين يمكن أن تتجه الأمور طبقا لذلك. ولعله مما يزيد خطورة مما يجري في سيناء الموقف الإسرائيلي منها, ولعل تصريح رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبوع الماضي حول سيناء والذي أشار فيه إلي غياب الأمن في سيناء وانتشار الفوضي والقلق الإسرائيلي من ذلك, بالإضافة إلي تصريحات متعددة لمسئولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين حول افتقاد سيناء للأمن, والتشكيك في قدرة مصر علي ضبط الأوضاع والأمن فيها, يشير إلي سعي إسرائيل للاستفادة من هذا المناخ, وبالتالي فإن إسرائيل لم ولن تكون بعيدة عن هذه التطورات وسوف تغذي حالة الاحتقان والفوضي داخل سيناء, لتكون قريبة من أي أنشطة ذات صلة بقطاع غزة والمنظمات التابعة لحركة حماس, كما أنها معنية بالدرجة الأولي بإثارة عدم الاستقرار والتوتر داخل سيناء التي تشمل خط المواجهة الأولي معها, وتشير متابعة الصحافة الإسرائيلية خلال الفترة الماضية إلي مدي القلق الإسرائيلي من الثورة المصرية, والطموح الذي رافقها من استعادة مصر لقرارها السياسي, وانعكاس ذلك علي العلاقات بين تل أبيب ومصر واحتمال مراجعة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. ومن ناحية أخري, فقد أكدت بعض المصادر المصرية أن عددا من العناصر المتطرفة التي كانت وراء أحداث سيناء الأخيرة قد هربوا عبر الأنفاق إلي داخل قطاع غزة, ورغم تقديم طلبات مصرية لحكومتها لتسليمهم, إلا أن تلك الحكومة لم تتخذ أي إجراء حتي الآن, وهناك حديث أن سيناء تشهد نوعا من المواجهة بين عناصر تابعة لحماس, وأخري تابعة لقيادات أمنية سابقة من حركة فتح, وأن هناك اختراقات أمنية إسرائيلية في صفوفهم لمتابعة عمليات تهريب السلاح إلي داخل القطاع. إن الأمن القومي في أبسط معانيه وفيما يتعلق بالشق العسكري والأمني يعني حماية أراضي الدولة من أي تهديدات داخلية وخارجية والحفاظ علي سيادتها, وقد شهدت الأيام الأخيرة تجاوزات خطيرة من إسرائيل هددت سلامة الدولة ومواطنيها وتتطلب موقفا أكثر حزما وضمن خريطة طريق واضحة للتعامل مع تل أبيب, ورصد للمخالفات الإسرائيلية لمعاهدة السلام وإحاطة الجهات الدولية المعنية بها استعدادا للتحرك لتعديل بعض بنودها, وإن كان من المفيد هنا الإشارة إلي أن ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية يتطلب التعامل بحذر شديد بعيدا عن الانفعال ودراسة تداعيات أي قرار أو خطوة قبل اتخاذها, كما أنه من المفيد كذلك الإشارة إلي أن الموقف المصري للتعامل مع إسرائيل والضغوط الأمريكية المتوقعة يتطلب بداية تماسكا داخليا قويا. ولا شك أن ما تشهده سيناء من تطورات يؤكد علي إن انشغال قوي الثورة والحكومة بقضايا داخلية رغم أهميتها يجب ألا يشغلها عما يجري في سيناء وضرورة التحرك السريع والجدي لكافة القوي السياسية علي اختلافها لمحاولة استيعاب ذلك وإعادة هيبة الدولة المصرية إلي جزء عزيز منها, ولعل قيام القوات المسلحة والشرطة وأجهزة الأمن بتكثيف الحضور وفرض مزيد من الرقابة علي الحدود, وقيامها بعملية النسر التي تمثل عملية جراحية تأخرت كثيرا لاجتثاث العناصر والتنظيمات المتطرفة, يتطلب مساندة قوية من كافة القوي السياسية, وتخفيف الضغوط علي القوات المسلحة المصرية خلال هذه الفترة, كما يتطلب الأمر إجراء حوار مع الحكومة في غزة لدفعها لتولي مهام تساعد بهذا الخصوص تجاوبا مع الموقف المصري الايجابي فيما يتعلق بالتسهيلات الخاصة بمعبر رفح, ولعل أجهزة الأعلام مطالبة بتوجيه مزيد من المتابعة للموضوع دون إثارة المخاوف أو الاحتقان وبموضوعية تساهم في النهاية في الحفاظ علي الأمن القومي المصري, كما أن علي الأحزاب والجماعات السياسية وقف المزايدات الحزبية عند التعامل مع ملف سيناء بجوانبه المختلفة, فقضايا الأمن القومي تتطلب نوعا من التجرد ومزيد من الوطنية والمسئولية.