في تطور لافت للاهتمام, رأينا مؤسسة الأزهر الشريف وقد دخلت عالم السياسة, وربما يقتصر حديثنا علي الجانب العربي والإسلامي وليس المحلي. فقد هب الأزهر ليناصر الشعوب العربية في ليبيا واليمن وسوريا التي تتعرض لمجازر شبه يومية من الأنظمة الحاكمة في تلك الدول. ولفهم هذا ا لتطور, نلجأ الي علم السياسة, ا لذي يقول انه اذا أردت إجراء تحليلا منطقيا لحدث ما, فيجب ان تقرأ ما حوله حتي تصل الي النتيجة المرجوة. وقد نستلهم هنا موقف مؤسسة الأزهر الشريف تجاه الثورات العربية, فقد دعا فضيلة الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر حكام ليبيا وسوريا واليمن أن يوازنوا بين الأعراض الزائلة ومتاع الدنيا الفاني وبين حرمة دماء المسلمين التي عصمتها الشريعة الإسلامية والقيم العربية الأصيلة وأن يضعوا نصب أعينهم قول الرسول صلي الله عليه وسلم( إن زوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مسلم), ولم ينس شيخ الأزهر ان يذكر كل هؤلاء بضرورة ان يتقوا الله في شعوبهم وأوطانهم. المضمون السياسي في بيان الأزهر الديني هو مناشدته كل الشعوب العربية والإسلامية لمساندة المظلومين خاصة في الدول العربية التي تشهد مواجهات دموية وأن يدعموهم ماديا ومعنويا حتي يكشف الله الكرب عنهم وتتوقف ضدهم ممارسات الظلم والقهر. وهنا يأتي الشق الدعوي في بيان الأزهر, فهو تذكير للحكام بالدنيا الزائلة وان يتقوا الله في شعوبهم. ويكفي وصف الأزهر الشريف مهاجمة المحتجين في سوريا بأنه مأساة إنسانية لا يمكن قبولها ولا يجوز شرعا السكوت عنها. من المؤكد ان تحرك الأزهر ضد الهجمات الهمجية ضد المدن السورية, لم يأت فجأة خاصة وأننا في شهر رمضان المعظم, فهو تحرك يؤشر بصورة جلية الي تعاظم دور الدين لمساندة الشعب السوري واغلبه من السنة. ويتوافق هذا الموقف السياسي والدعوي- مع رغبة هذا الشعب, الذي قام نظامه بتوزيع أسلحة علي كل أفراده العلويين بزعم انهم قد يتعرضون لمذبحة علي ايدي السنة, وهي أكذوبة أطلقها النظام ليبرر تصرفاته غير المقبولة. وقياسا علي هذا الموقف السياسي للأزهر, فإن أمام أهم مؤسسة دينية في العالم الإسلامي مهمة عظيمة تتلخص في ضرورة الدعوة الي مناصرة الشعب الصومالي للخروج من كارثة المجاعة التي تتهدد مستقبل وطن مسلم قد يموت جوعا بسبب الحروب الأهلية والجفاف وسرقة المواد الغذائية من قبل المسلحين. ووفقا لبرنامج الغذاء العالمي, فإن30% من أطفال الصومال يعانون سوء التغذية الحاد, ويعيش20% من سكانه بدون طعام.. وبإمكان الأزهر بما له من مصداقية, الدعوة الي مشروع دولي يتبني خيار التنمية المستدامة يكون أمل الصوماليين لتجاوز مشاكلهم السياسية والأمنية والخروج من مستنقع الحروب وما تخلفه من ويلات وكوارث إنسانية, حيث يواجه أكثر من أربعة ملايين شخص في الصومال الموت, ويتعرض حوالي60 طفلا للموت كل يوم في معسكرات اللاجئين. في حين ان المجاعة وحدها التي ضربت خمس مناطق في وسط الصومال تركت نحو12 مليونا في أمس الحاجة إلي الغذاء والمساعدات الإنسانية. وأمامنا البيان الختامي لمنظمة التعاون الإسلامي في ختام اجتماعها الطارئ بشأن الصومال في إسطنبول يوم الأربعاء الماضي, حيث تعهدت بتقديم350 مليون دولار لمساعدة المتضررين من المجاعة في الصومال. وبإمكان الأزهر علي المستوي المصري علي الأقل ونحن في شهر رمضان المبارك, ان يدعو الي المساهمات الطوعية من المؤسسات المالية والمنظمات الإنسانية والأفراد لمساعدة المتضررين من المجاعة في الصومال, هذا الي حين التفكير مليا في إنقاذ الصومال من كل مشاكله الإنسانية والسياسية والاقتصادية.