ضحايا الثانوية| إصابة 19 مراقبًا فى حادثتين بأسيوط وقنا    محافظ الأقصر يتفقد صالة الألعاب المغطاة بإسنا ويوجه بصيانتها    الشيخ خالد الجندي: «الفتن لا تنتهي والحياة كلها امتحان.. فانتبه لقلبك»    القناة أمان| مصر تدشن أكبر قاطرات الإنقاذ البحرى فى الشرق الأوسط    التصعيد يضغط على 6 قطاعات حيوية.. والذهب الملاذ الآمن    وزير المالية: 30 مليار جنيه بالموازنة الجديدة لمساندة الأنشطة الإنتاجية    الجيش الإيراني يعلن إسقاط مسيرة «هيرميس» التجسسية    واشنطن تحشد طائرات التزود بالوقود جوًا في الشرق الأوسط استعدادًا لتصعيد محتمل    هل تشتعل «حرب» عالمية ؟    القوات المسلحة الإيرانية: سيتم تنفيذ العملية العقابية قريبًا    القادم أفضل    اللواء عماد كدوانى محافظ المنيا يُحيل إدارة مدرسة ثانوي للتحقيق    بطلب من العائلة.. منع تصوير وتغطية عزاء نجل صلاح الشرنوبي    تركي آل الشيخ يكشف كواليس لقائه مع عادل إمام: «ربنا يسعد بيك مصر»    فوتبول إيطاليا: نابولي يسعى لضم نونيز بأقل من 50 مليون يورو    بعد المطالبة بترحيلها.. طارق الشناوي يدعم هند صبري: محاولة ساذجة لاغتيالها معنويًا    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    من سرقة بنك إلى المونديال.. الحكاية الكاملة لصن داونز وملهمه يوهان كرويف    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    مجلس النواب يوافق علي خمسة مشروعات قوانين للتنقيب عن البترول    نائب محافظ الدقهلية يتفقد الخدمات الصحية وأعمال التطوير والنظافة بمدينة جمصة    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    رصاصة غدر بسبب الزيت المستعمل.. حبس المتهم بقتل شريكه في الفيوم    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    5 فواكه يساعد تناولها على تنظيف الأمعاء.. احرص عليها    مونديال الأندية فرصة مبابي الأخيرة للمنافسة على الكرة الذهبية    مواعيد مباريات الثلاثاء 17 يونيو - فلومينينسي ضد بوروسيا دورتموند.. وإنتر يواجه مونتيري    "المدرسة البرتغالية".. نجم الزمالك السابق يطلق تصريحات قوية بشأن الصفقات الجديدة    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    معهد ستوكهولم: سباق تسليح مخيف بين الدول التسع النووية    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    محافظ المنيا يُكرم مديرة مستشفى الرمد ويُوجه بصرف حافز إثابة للعاملين    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    تفوق جوى إسرائيلى يكشف هشاشة السلاح الجوى الإيرانى.. تقرير للقاهرة الإخبارية    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    إيران ترحب ببيان الاجتماع الاستثنائى لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى    إقبال كبير على عروض مسرح الطفل المجانية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    الجيش الإسرائيلى يعلن مقتل رئيس الأركان الجديد فى إيران على شادمانى    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بدء التشغيل التجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    الغردقة.. وجهة مفضلة للعرب المهاجرين في أوروبا لقضاء إجازاتهم    مصر تبحث مع وفد مؤسسة التمويل الدولية (IFC) تعزيز التعاون ودعم أولويات الحكومة    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطيب‏..‏ نخلة علي جدول‏!‏

موهبته البازغة وأدبه الرائق وبشاشته الآثرة لاتفارق أبدا روحه المطمئنة وذكاءه الحاد ومرحه الطاغي الذي يدفعك دفعا لمزاحمة مريديه الكثيرين أينما حل‏,‏ لتسمع عنه كلمة أو تنال منه نظرة‏, ولشد ماكانت دهشتي وأنا أراقب مشهدا متكررا لأناس من كل الاعمار يتحلقون حول الطيب صالح في بهو المجلس الاعلي للثقافة بالقاهرة عام‏2005,‏ مناغشين إياه‏,‏ مثيرين طاقاته اللامحدودة علي الحكي الجميل والنهل من خلاصات تجاربة في منافيه الاختيارية‏.‏
وعلي منصة تتويجه بجائزة تسلمه جائزة القاهرة للابداع الروائي ارتجل كلمة خرجت عن مألوف الموقف فاضت بالدعابة التي يشتهر بها تحدث فيها عن غبطته بالجائزة‏,‏ لأنها تأتي من مصر التي تعني الكثير بالنسبة للسودانيين بصفة خاصة‏,‏ولأن قوافل التكريم تمر بالسودان حسب قوله دون أن تتوقف عنده‏,‏ فالعرب اعتبروه بلدا افريقيا والافارقة اعتبروه عربيا‏,‏ وتطرق لأخطاء السياسيين في بلاده فقال‏:‏ ان هذا النظام سييء المزاج ويفتقد روح المرح ماأثار عواصف الضحك والتصفيق في القاعة‏.‏
وهكذا لايضع عبقري الرواية العربية الطيب صالح قيودا علي عواطفه وآرائه ونظرته للحياة‏,‏ ولكن كل ذلك لا يأتي إلا همسا‏,‏ مثل أدبه تماما‏,‏ حتي إنه يكاد تنطبق عليه مقولة الراحل الكبير محمد مندور من أن الأدب الهامس هو الذي يؤثر في القلوب ويحرك المشاعر ويمس عواطف الانسان بصورة عميقة‏,‏ أما الأدب الصاخب أو الخطابي فهو أقل تأثيرا في النفس‏,‏ ولاشك في أن الدكتور مندور كان علي صواب في فيما ذهب إليه عن الهمس‏,‏ فالصخب في الادب والفن يقلل من تأثيرهما وايجاد حاجز بينهما وبين القلب الانساني‏,‏ والقلوب تتأثر بالصوت الدافيء واللحن الهاديء أما الصاخبون الزاعقون الذين يدقون الطبول فهم لاينجحون في تحقيق شيء من التأثير الحقيقي علي النفوس والمشاعر‏.‏ إن اناقة اللغة ورشاقتها وشاعرية التعبير وشفافية المعني والمضمون والتفلسف البسيط المدهش الذي يحول موضوعه إلي مادة شعرية مثيرة للتأمل‏,‏ هي مرتكزات اساسية تشكل نسق التأليف الروائي الابداعي في اعمال صاحب عرس الزين وموسم الهجرة الي الشمال وضو البيت ومريود وغيرها وليس أدل علي هذا من روايته موسم الهجرة الي الشمال‏,‏ التي أتت تجسيدا جماليا لتجربة الاستعمار الغربي في العالم الثالث‏,‏ قبل أن يشد الرحال ثم لايلبث أن يعود ثانية بطرق أخري لا تقل عنفا أو استعبادا وإهدارا لكرامة الانسان مقدما في ذلك قراءة سردية مابعد كولونيالية مبكرة للشروخ الحادة التي خلفتها تجارب الاحتلال ولاتزال في أرواح ضحاياها لاسيما في إفريقيا والعالم العربي مذكرا في ذلك بجوزيف كونراد في قلب الظلام وبروايات ف اس نايبول وان اختلفت المنطلقات والرؤي مستخدما لغة مجازية كسبيل لتصعيد تأثير المجابهات الثقافية العديدة التي نجدها في الرواية‏,‏ مزيحا الاقنعة ونافذا بضوء إبداعه الي جنبات الروح وبحرارته الي شغاف القلب‏,‏ فحوادث القتل والافتتان بالنساء والاوهام الزاعقة والكذب العاتي علي النفس أولا‏,‏ يتم تصويرها كتصرفات رمزية تعبر عن توترات ثقافية محتدمة بين القيم التقليدية الراسخة للشرق والحداثية الضاغطة للغرب واختلال التوازن وسوء التفاهم بينهما نتيجة لذلك‏,‏ من خلال الاطار العام للرواية التي تصور طالبين سودانيين وغرفتين وحادثتي قتل ترتبطان ببطلها المأزوم مصطفي سعيد الذي يعد نموذجا لاولئك الذين رحلوا للغرب وذابوا في حضارته وأسلموا انفسهم لها فاقدين الروح النقدية المبنية علي اساس وعيهم بقدرات شعوبهم وامكاناتها بما يتيح لهم النفاذ الي جوهر حضارتهم الاصلية وجوهر حضارة الغرب وادراك ماعليهم أن يأخذوا وماعليهم أن يهجروا أي اجراء حوار حضاري ايجابي مع حضارة الغرب‏.‏
وبرغم المصالحة التي أجراها الطيب صالح بين الراوي وحضارة الغرب وكذلك مجتمعه التقليدي فإن الكاتب السوداني كان مدركا قطعا وهو من قضي شطر حياته الأكبر في لندن عاصمة الكوزموبوليتانية الأولي قبل أن يسبقها غيرها اليوم أن تغيير المجتمعات وسلوكياتها‏,‏ ومن ثم تغيير أنماط المعادلات الحضارية القائمة مع غيرها من الامم لايكون بمجرد الامنيات أو ابداء الرغبات فما من سبيل إلا المواجهة الصادقة الحاسمة والنهائية لمشكلة التقدم الذي طال انتظاره ليعود ضو البيت الغامر ناشرا الأمل والفرحة الموعودة في عرس الزين علي شاطيء النيل الخالد الأبيض أو الأزرق في ظلال نخلة علي الجدول أو دومة ود حامدالتي غرسها في تربتنا العربية ذلك الدرويش السوداني الطيب والصالح والعبقري قبل أن يحمل عصاه ويعود من حيث أتي‏,‏ قبل عام بالتمام من الآن‏..‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.