نزل رجل بقرية فاستضافه أهلها، ولأنهم كانوا مشهورين بإنتاج الزيت؛ فقد فكروا في إهدائه إناء من الزيت عند رحيله.. تم تمرير الإناء على البيوت.. الأول وضع فيه زيتا.. الثاني فكر ثم قال: "لماذا لا أخلط قليلا من الماء به؟".. الثالث جعل نصيبه كله ماء.. في النهاية اكتشف لدى وصوله إلى بيته أن إناءه مملوء ولكن بزيت مغشوش. شئ من هذا القبيل يحدث للثورة المصرية حاليا.. فالبعض لا يضخ فيها الوقود السليم، ولا الزيت الصالح، بل يصر على خلط زيتها بالماء، والمحصلة منتج خطير على الثورة اسمه النفاق. فليس أخطر على الثورة الآن من منافقيها.. هؤلاء يعبئونها شعارات، وبطولات كاذبة.. لتكون المحصلة في النهاية إعادة إنتاج النظام السابق، والتأسيس لبناء جديد على غير تقوى من الله ورضوان. ملعون من يعيش بوجهين.. وجه للثورة، ووجه للفساد.. فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه".. هؤلاء كانوا ينافقون النظام السابق، والآن ينافقون من يُسمون ب"ثوار التحرير"، أو المجلس العسكري. يبدو الأمر جليا في عبارات رائجة على ألسنتهم، من مثل: "استجابة لمطالب الثورة"، أو "تحقيقا لأهداف الثورة"، أو "نزولا على رغبات الثوار". من قبل كانوا يقولون "حسب تعليمات السيد الرئيس".. أو "بناء على توجيهات السيد فلان".. حكمة مزعومة جسدت قاسم مشتركا بين عهدين هي "حكمة السيد الرئيس"، في السابق، و "حكمة السيدة ثورة "، أو "السيد المجلس".. الآن. والدليل: تغطية إعلامية فجة تمتلئ بمانشيتات لينة ناعمة بحق السيدة ثورة والسيد مجلس، وتغطيات غير مهنية، ومتطاولة بحق أي مخالفين في الرأي أو الفكر. أصحاب هذه التغطيات اكتسبوا نفاقهم من انتهازيتهم.. فهم يريدون الإبقاء على امتيازات كانوا يحصلون عليها قبل الثورة.. وكما كانوا نجوما قبل الثورة فهم يطمحون بتحولاتهم تلك إلى أن يصبحوا نجوم المرحلة بعدها. وقع في هذه الآفة اللعينة (النفاق) مجلس الوزراء نفسه عندما أعلن إدانته لرفع بعض الشعارات في ميدان التحرير (يقصد الشعارات الإسلامية).. فمن ينافقه المجلس؟ كان أولى به أن يبتعد عن ممالأة فصيل على حساب فصيل.. إذ يجب أن يحتفظ بمسافة متساوية من جميع القوى.. فهو ليس خصما لأي فصيل من الشعب. كما وقع في هذه الآفة إسلاميون أيضا عندما كالوا المديح للمجلس العسكري، بسبب وبدون سبب.. كما وقع فيها إعلاميون استجابوا لرعونة وابتزاز بعض معتصمي ميدان التحرير. الخلاصة أن الثورة تحتاج إلى إخلاص وتجرد.. أمانة ومهنية.. صدق وليس مظهرية.. وأخيرا: التزام بالأخلاق والمبادئ. لا نريد نفاقا للثورة.. وبدلا من عبارة "استجابة لمطالب الثورة"، نتطلع إلى إعمال قيم الحق والعدل والخير والأمانة.. حتى مع المخالفين.. وتلكم هي الأوضاع الطبيعية التي ينبغي أن تسود في الأمة، وتلكم هي المعايير العامة التي يجب أن يحتكم إليها أبناؤها.. قال تعالى: "ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة:8). المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد