نحن ننسي كيف كنا في شبابنا... ومن الضروري أن نتذكر ذلك أحيانا لنعذر الشباب أيضا.. فإن كان الشبان يتعجلون, فقد كنا كذلك... وإن كانوا يتشككون فقد كان هذا حالنا, وإن كانوا يكفرون, فقد كفرنا... وإن كانوا متشددين في إيمانهم فقد فعلنا, ومن مظاهر تشددهم ثقتهم بالنفس وبالرأي وبالجيل.. وإن حاول أحد منهم الانتحار, فقد حاولت أنا شخصيا ذلك, وفي ظروف وجدت من الصعب التوفيق بين الذي أحس به وبين الذي أريده.. بين الذي أتمناه, وبين الذي أقدر عليه.. بين الذي يتفجر في رأسي.. وبين عجز التعبير عنه. ويوم ترددت علي الجمعيات الدينية الإسلامية والمسيحية والبوذية والبهائية لم أكن حائرا وبائرا, وإنما فقط أريد أن أعرف... كنت أبحث عن مرآة لوجهي.. كنت أبحث عن بوصلة تهديني إلي القطب الشمالي والجنوبي.. أبحث عن قبلة إلي الله.. ويوم تقلبت بين عشرات المذاهب الفلسفية دارسا ومعذبا, ويوم اخترت من بينها واحدا أراح رأسي ويدي, ولكنه عذب عقلي.. ولم أكن اخترت العذاب طريقا وهدفا, وإنما فقط اخترت الأقرب والأنسب! ولما قيل لي أخيرا أن فلانا الطبيب البارع قد أطال لحيته وركوعه وسجوده, وأن زوجته التي تعلمت معه في أمريكا قد تحجبت, لم أفزع لذلك.. انهما عاقلان ناضجان اختارا الأنسب والأصح بعد أن رأيا وعايشا وضاقا بتوءمين عظيمين: الحضارة والانحلال!. [email protected] المزيد من أعمدة أنيس منصور